رعشة العِلم الشعرية

يغذّي المنطق الأسطوري العديد من الطوائف والأطروحات العلمية الزائفة.

ترجمة عبد الرحيم نور الدين:

ما الذي تشترك فيه شخصيات مختلفة مثل غاليليو، أو إسحاق نيوتن، ومايكل أنجيلو، ويوهان سيباستيان باخ، أو مؤخّراً ألبرت أينشتاين، وماري كوري، وجاك مونو؟ هذه الشخصيات العظيمة والمُهرّبة الخالدة للمعرفة والجمال، صاغت علاقة الإنسان بالعالم التي ميَّزت زمنهم وزمننا.

سواء أكانت علمية أو جمالية، فإن كونيّة مقترحهم هي بمثابة كشف عن انسجام "الخلق"، أو على العكس من ذلك، هي مثل مُساءلة لسلطات زمنهم الروحية. إن الجاذبية، ومركزية الشمس، وجزيء الدنا (ADN) يؤلّفون اليوم ذاكرتنا الجماعية عن التقدّم، من خلال سلسلة من القصص الملحمية التي تعرض شخصيات نريدها بطولية، مع احتمال إخفاء عيوبها البشرية.

من أين تأتي قوّة هذا السرد التاريخي وما الذي يُخبرنا به عن علاقتنا بالعِلم؟ من "الساعة الكبيرة" للكون إلى "موسيقى الأجرام السماوية" مروراً بـــ "أسرار الحياة"، لا يمكن فصل البصمة الاجتماعية لهذه النماذج عن العناصر الصوفية الغامِضة. لكن التاريخ يحبّ المُفارقات. فرغم أن نيوتن نفسه كان مُتديّناً بعُمق، إلا أن فيزياءه مكَّنت علماء الطبيعة من تحرير تخصّصهم العلمي من الوصاية اللاهوتية من خلال تفضيل ظهور عِلم حقيقي يدرس الكائن الحيّ في أوائل القرن التاسع عشر: عِلم الأحياء (البيولوجيا).

ومع ذلك فإن ما هو روحي يقطن في التفاصيل. في الأيام الأولى لعِلم الوراثة الجزيئية، كان من الصعب مُحاربة اختزال الكائن الحيّ في ما وصفه الطبيب والفيلسوف هنري أتلان "الكل وراثي": كان من المفترض أن يحمل جزيء الحمض النووي أسرار الحياة.

لقد علَّمنا هنري أتلان أيضاً أن تعميم الاكتشافات، مرتبط دائماً بتمثيل جديد للعالم، والذي على الرغم من أنه ليس بالضرورة دينياً، يُعدّ جزءاً من عقلانية الأسطورة. يعتمد التفسير بالأسطورة، غير المُتوافِق مع المنهج العلمي، على رؤية للكون تعطي معنى للتجربة الإنسانية. وهكذا فإن السرد الجماعي الكبير للعِلم يتضمَّن عناصر خارِقة، خاصة بالحكاية، والتي تساهم في جعل الثقافة العلمية واحد من وثق الرابطة الاجتماعية.

تكشف هذه الملاحظة عن مفارقة في الثقافة العلمية، والتي يجب أن ترتكز في الخيال الجماعي لتكون حيّة. ومع ذلك، فقد تَحقّق التقدّم الذي لا يمكن إنكاره في الطب الحيوي أو الجراحة الآلية أو الثورات الزراعية في العقود الأخيرة على حساب تجفيف مُتزايد لتمثيلاتنا للعالم.

للأسف، يغذّي المنطق الأسطوري بالأخصّ، العديد من الطوائف والأطروحات العلمية الزائِفة. غالبية "المؤمنين بفكرة الأرض المُسطّحة" مقتنعون بالانسجام بين إيمانهم بالأرض المُسطَّحة وبين ما جاء في النصّ التوراتي. يوجد التأسّف على غايا (Gaïa)، "الأرض الأمّ" أصل الطبيعة "الخيرة والمثالية"، لدى علماء البيئة الراديكاليين، ومناهضو التمييز بين الأنواع (les antispécistes) وبعض الحركات المُضادَة للقاحات.

استجابة لذلك، تضاعفت البحوث في مجال الوساطة العلمية في السنوات الأخيرة من أجل دمج السرد المبتكر والمرح في التواصل العلمي وإعادة خلق المعنى. إن تاريخ زراعة الأعضاء هو مثال رمزي لسرد علمي كبير، تتخلّله المصلحة العامة والملك المشترك والمواطنة الصالحة.

ربما قد تكون استعادة الثقافة العلمية بمثابة العثور مُجدَّداً، في تقدّم العِلم، على الرعشة المُماثلة لبيت بول إلوار الشعري "الأرض زرقاء مثل برتقالة".

  • فيرجيني تورني (VIRGINIE TOURNAY) درست عِلم الأحياء، وهي مُتخصِّصة في عِلم السياسة ومديرة أبحاث في  المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي (CNRS).
  • المصدر: مجلة "Pour La Science".

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك المقالات والتحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]