كيف هدّأت اللغة العربيّة من روعنا؟

يحتفل العالم في 18 من شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام بــ "اليوم العالمي للغة العربية". هذه اللغة التي صارت متّكئاً للكتّاب والشعراء والوالهين للتعبير عن شجونهم ومشاعرهم، بلغة واحدة ومعانٍ لا تنضب. 

  • كيف هدّأت اللغة العربيّة من روعنا؟
    إنّ الذي ملأَ اللغات محاسنًا جَعَلَ الجمالَ وسرّه في الضّادِ - أحمد شوقي (تصميم منير الشعراني)

 

صنعت اللغة العربيّة بنية التشابك الإنساني، فتغلغلت أحرفها وسيقت في جمل طويلة لتوصل مقاصد المعاني الإنسانية والفكرية. هذه اللغة التي بدأت تراجمها من كتاب الوحي النّازل على الرسول محمد، بما في الكتاب من قصص وطرق في التخاطب الربّاني مع النّاس. حتّى صارت متّكئاً للكتّاب والشعراء والوالهين للتعبير عن شجونهم ومشاعرهم، بلغة واحدة ومعانٍ لا تنضب. 

هذه التعابير التي ساهمت في أن يهدّئ النّاس من روعهم، وأن تنزل الطمأنينة على قلوبهم، ويلفّهم دفء الكلمات الباعثة على السكينة. 

يحتفل العالم في 18 من شهر كانون الأول/ ديسمبر من كل عام بــ "اليوم العالمي للغة العربية". وبحسب (اليونيسكو)، فإن سبب اختيار هذا التاريخ بالتحديد هو لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة. 

 

كيف بثّ الله لنا الطمأنينة في القرآن الكريم؟  

 

"فَلَّمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهيمَ الرَّوْعُ وَجاءتْهُ البُشْرَى (هود آية 74)": أكثر ما يُثقل المرء أن يتغلغل القلق إلى قلبه ويزعزع من استقراره، فيما يكون منتظراً أو مترقباً أو مارّاً في محنة، فلا يزيح الغمّ عن صدره شيء أكثر من أن تأتيه "البُشرى"، وهذه العبارة صانعة لوعد إلهيّ متراكم في معاني الآيات بمجملها، حين يُسلّم الشخص أمره إلى الخالق فيردّ له التسليم بالبُشرى، "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران آية 159)".

"وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ" (الطور آية 48)، و"وَاصْطَنَعْتُك لنَفْسي" (طه آية 41)، آيتان فيهما من الانصهار البشري بالروح الإلهيّة، وفيهما من التخاطب العاطفي المباشر من خلال استخدام صيغة المخاطب، "فإنّك"، و"واصطنعتك"، للدلالة على القرب الحسّي والمكاني بينهما. وأن الخلق غاية ربّانية، فيعطي ذلك معنى التكامل الإنساني مع الله. 

وأيضاً، يوصل الله رسائله في كتابه من خلال آثار كثيرة حسّية غير مباشرة، كانشراح الصّدر في الكربة، والطمأنينة في الخوف، والمصاحبة في الوحدة، والسكينة في الجزع. 

سورة الانشراح

"إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا (التوبة آية 40)"، و"ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِين" (التوبة آية 26)".

 

من الموزونة إلى النثرية.. قصائدنا "الموسيقية"

 

يُعتبر الشّعر من أكثر الأدوات اللغوية محبّة وقرباً إلى الناس، الموزون منه والنثريّ، لما فيه من نغم وحسّ موسيقيّ يقرّب القارئ والمستمع إلى المعنى أكثر. ويتميّز الشّعر العربي بالقوّة البلاغيّة في التعبير عن المشاعر، من خلال المحسنات البديعة والتشابيه والاستعارات. ونجد أدناه 3 مقاطع من قصائد في الوجد لشعراء عرب. 

الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري / أجب أيها القلب

(كتبها بعد اعتكافه لسنة إثر وفاة زوجته) 

أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ ** مزاميرَ عزّافٍ، أغاريدَ ساجعِ

لِطافاً بأفواه الرُّواة، نوافذاً ** إلى القلب، يجري سحرهُا في المسامع

تكادُ تُحِسّ القلبَ بين سُطورها ** وتمسَحُ بالأردانِ مَجرى المدامع

بَرِمْتُ بلوم الَّلائمين، وقولِهم ْ: ** أأنتَ إلى تغريدةٍ غيرُ راجع

أأنتَ تركتَ الشعر غيرَ مُحاولٍ ** أمِ الشعرُ إذ حاولتَ غيرُ مطاوع

وهْل نضَبتْ تلك العواطفُ ثَرَّةً ** لِطافاً مجاريها، غِرارَ المنابع

أجبْ أيّها القلبُ الذي لستُ ناطقاً ** إذا لم أُشاورْهُ، ولستُ بسامع

 قصيدة للإمام علّي في أثر الرّحمة

وكم لله من لطفٍ خفيٍّ ** يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ

وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ ** فَفَرَّجَ كُرْبَة َ القَلْبِ الشَّجِيِّ

وكم أمرٍ تساءُ به صباحاً ** وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّة ُ بالعَشِيِّ

إذا ضاقت بك الأحوال يوماً ** فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ

تَوَسَّلْ بالنَّبِيِّ فَكُلّ خَطْبٍ ** يَهُونُ إِذا تُوُسِّلَ بالنَّبِيِّ

وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نابَ خَطْبٌ ** فكم للهِ من لُطفٍ خفي

الشاعر أبو الطيّب المتنبي (915م - 965م) 

لعَيْنَيْكِ ما يَلقَى الفُؤادُ وَمَا لَقي ** وللحُبّ ما لم يَبقَ منّي وما بَقي

وَما كنتُ ممّنْ يَدْخُلُ العِشْقُ قلبَه ** وَلكِنّ مَن يُبصِرْ جفونَكِ يَعشَقِ

وَبينَ الرّضَى وَالسُّخطِ وَالقُرْبِ ** وَالنَّوَى مَجَالٌ لِدَمْعِ المُقْلَةِ المُتَرَقرِقِ

وَأحلى الهَوَى ما شكّ في الوَصْلِ رَبُّهُ ** وَفي الهجرِ فهوَ الدّهرَ يَرْجو وَيَتّقي

 

كيف يختلف تعبيرنا عن الحبّ والطّمأنة باللغة المحكيّة: 

  • كيف هدّأت اللغة العربيّة من روعنا؟
    تصميم لليونيسكو في اليوم العالمي للغة العربية

تختلف اللهجات العاميّة بين البلدان العربيّة، فكلّ منطقة تعيش عاداتها وتقاليدها الخاصة حتى لو تشابهت قليلاً، وكل منطقة تتكلم عربية تختلف عن عربية المناطق الأخرى، وفي الوقت الذي تقترب فيه العربية اللبنانية والسورية مثلاً إحداهما من الأخرى، تبتعد اللهجتان تمام الابتعاد عن العربية المغاربية مثلاً.

مع ذلك تتداخل الثقافات عند النقاط الحدودية، فلهجة أهل الشرق السوري تدنو من لهجات أهل العراق في الكثير من الأحيان. وهنا، نماذج غير شاملة عن كيفية التعبير عن الحبّ باللغة المحكية في أكثر من بلد عربي، علماً أنه قد يكون هناك أساليب تعبير أوسع داخل البلد الواحد.

1- اللهجة المغربية: كنبغيك "أحبك" 

2- اللهجة السعودية: أنت كل وجودي 

3- اللهجة الجزائرية: توحشتك "أشتاق إليك"/ نحبك بزاف 

4- اللهجة البحرينبة: كاويني حبك يا زين 

5- اللهجة الفلسطينية: عاشق رمشك يا خي

6- اللهجة السوريّة: تشكل آسي / يقبشني جمالك 

7-اللهجة اللبنانية: بموت فيك / يا قبّاري 

8- اللهجة التونسية: نحبك برشا 

9- اللهجة الإماراتية: يا بعد عمري 

10-اللهجة المصرية: بعشقك /  يا ضنا

11- اللهجة العراقية: تسوين قلبي / أحبج حيل  

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك المقالات والتحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]