تحدّي الفنون في نهوض بيروت وإعادة بناء ما تهدَّم

أدى انفجار بيروت إلى تدمير غاليريهات ومؤسسات الثقافية واستشهاد بعض أصحابها.. فكيف تعود هذه المعالم إلى الحياة؟

  • فراس دحويش
    فراس دحويش

بابتسامته الهادئة ودفء الترحيب بعينيه كان فراس دحويش يستقبل زوَّار غاليري "أجيال" في شارع عبد العزيز بين الحمراء والجامعة الأميركية في بيروت. يُسرِع لفتح الباب لاستقبال مَن يقترب من واجهة الغاليري، ويُقدِّم له كل ما يحتاج، تعريف بالعرض وبروشور خاص به. 

وكذلك غايا فاضوليان التي لعبت دوراً مؤنِساً وهي تُعيد ترتيب غاليري "ليتيسيا" في الحمراء، وتركت أثراً طيّباً في نفس كل مَن زار الغاليري. 

فراس وغايا خسرناهما بانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس. أما خسارتهما فكانت بالطبع أكبر أثراً على النفوس من تلك الخسائر الهائلة التي لحقت بعشرات الغاليريهات الفنية في بيروت. 

  • غاليري تانيت
    غاليري تانيت

وينضمّ إلى فاضوليان ودحويش المعماري الفرنسي جان مارك بونفيس، الذي صمَّم غاليري "تانيت" في محلة مار مخايل، وعرفه مُتتبّعو الفنون الهندسية فناناً مُبدِعاً حتى رحيله، إضافة إلى الإسم الذي بقي في الظلّ لمُصمِّمة الجواهر هلا صياح، والتي لفتت إليه جومانا رزق مديرة مؤسّسة ميروس (Mirros) للتواصُل، ورأت أن الحَدَث "كان كارثة رهيبة لا توصَف في مختلف المجالات خصوصاً في المجال الفني، الثقافي، إن على صعيد الفنانين أو بالنسبة للغاليريهات، أو بقيّة المؤسّسات الثقافية". 

رزق التي واكبت لسنواتٍ طوال تطوّرات المعارض الفنية وأنشطتها، وساهمت في نشر المعرفة عن الفنّانين والمعارِض، رأت في حديثٍ للميادين الثقافية أن "الإنفجار كارثة كبيرة في بيروت بصورةٍ عامة، وخصوصاً في مجال نشاطها الثقافي الفني"، مًُعدِّدة الكثير من الغاليريهات المُتضرِّرة مثل متحف سرسق، وغاليري "مرفأ"، أو "تانيت"، أو "آرت 56"، أو صفير- سملر، وهي قلّة من الكثير من الغاليريهات التي تضرَّرت كلها جرَّاء الانفجار. 

  • غاليري صفير سملر بعد الانفجار
    غاليري صفير سملر بعد الانفجار

وفي مُقارنةٍ بين الغاليريهات قبل الانفجار، وبعده، ترى رزق أن حجم الضَرَر الذي "يجعلنا نعرف كم هي الخسارة كبيرة، وكم هو الحزن على هكذا حجم من الخسائر هائل". 

ووصفت خسارة فراس وغايا وبونفيس وصياح بأنه "خسارة الإنسانية الكبيرة التي لا تعوَّض في عالم الفن، وهم من الخسائر الإنسانية التي أثّرت وفاتهم على العالم الفني".

  • موسى قبيسي
    موسى قبيسي

وكذلك موسى قبيسي (غاليري زمان -الحمراء) الذي تناول الحَدَث البيروتي، وتساءل أمام هَوْل الفاجعة: "هل تقف الحياة بعد انفجار بيروت؟ تحترق الأرض، تهرب الحيوانات أو تنفق، يرتعب الإنسان أو يفنى. إنما السؤال الأساسي هل تقف الحياة؟ على الصوت الجميل أن يصْدَح. على اللون الجميل أن يُشعّ. اللوحات، والفن التشكيلي من عناصر زيادة المناعة في المجتمع الإنساني. إن مصدراً صامتاً (في الفن) لتوليد السعادة، والسرور، والحبور، والمقاومة، والصحة لا يتوقَّف. حركة،  نشاط، استمرار. هذا هو الإرث. سنستمر فينيقيا، يقاوم الموت، ويعود إلى الحياة". 

من ناحيته، وصف النحَّات رافي توكاتليان الحَدَث بالمُذْهِل، قائلاً: "كل مرة نقول هذا هو الحَدَث الأكبر، فإذا بنا أمام ما هو أكبر، وأعنف، وأكثر تدميراً"، لافتاً إلى أن "الغاليري الخاص به سُرِقَ منذ مدة حيث كان مركزه في وسط بيروت (الداون تاون)، فاضطررت للانتقال إلى الجميزات، لكن الانفجار اجتاح الغاليري، وأتى على كل ما فيه، وليس أمامنا إلا النهوض من جديد"، رافضاً المزيد من التعليق أو طلب أية بدائل.

  • متحف سرسق لقطة لروينا بو حرب من فايسبوك المتحف
    متحف سرسق لقطة لروينا بو حرب من فايسبوك المتحف

لكن مبادرة شرعت بوضع أسّسها ومفهومها مؤسّسة "ميروس"، وقالت رزق عنها إنها "مشروع يؤمَل أن يدعم الفنانين، في مبادرة فردية أو جماعية، ونحن في طور التباحُث في المشروع، ودورنا إيصال صوت القطاع الفني والثقافي عبر الميديا لأوسع جمهور".

وذكرت أن المشروع سيكون إسمه "إحياء بيروت بالفن والثقافة" (Reviving Beirut through Art and Culture)، مُشيرة إلى إنه "نحن نعمل حالياً على إنجاز مفهوم المُبادرة، لننطلق به قريباً بالتعاون مع الغاليريهات والفنانين وكل مَن يعنيه الأمر لإيصال فكرته إلى أوسع نطاق يمكن أن يؤدّي دوراً داعماً للمُبادرة، وتسريع نتائجها، خصوصاً وأن هناك العديد من الغاليريهات تريد العودة سريعاً لحياتها، وممارستها الطبيعية لأعمالها".

ومن الأمور اللافتة في مجال الأعمال الفنية والمعارض، معرض الفنان عبد القادري الذي كان قائماً في غاليري "تانيت"، بعنوان: "بقايا آخر زهرة حمراء" (Remains of the Last Red Rose)، وعندما وقع الإنفجار خسر المعرض في ما تعرّض له الغاليري من أضرار جسيمة. 

  • جومانا رزق
    جومانا رزق

ولفت غاليري "تانيت" إلى أن القادري أطلق مبادرة لديه عنوانها: "اليوم أريد أن أكون شجرة"، (Today I Want to be a Tree)، بعد لَمْلَمة بعض آثار صدمته، وتنظيفه من الرُكام، وآثار الانفجار، على أن يعود رَيْع اللوحات في هذا المعرض لجمعية "بسمة" التي ستُساعد لإعادة بناء المنازل المُدمَّرة. 

ووفق رسالة وزَّعها "تانيت" عن مبادرة قادري تشرح أنها تتكوّن من جداريّتين في الغاليري بعد أن تحوّل مساحة واسعة كمحترفٍ للفنان، والجداريّتان تضمّان نحو 80 عملاً فنياً، وفي العمل الذي انطلق 10 أيام بعد وقوع الانفجار محاولة نهوض وتحيّة إجلال للراحلين في المجال الفني بخاصةٍ المهندس بونفيس الذي صمَّم مركز "تانيت"، على أن يعود رَيْع اللوحات المُباعَة لمؤسّسة "بسمة" الجاهِدة في المساعدة في إعادة إعمار ما تهدَّم من بيوت بيروت.

أما غاليري صفير- سملر القائم في منطقة الكرنتينا المُحاذية لموقع الانفجار، والذي لحق به خراب كبير، فقد أعرب عن الحزن الكبير لما أصاب بيروت، وقال: "قلوبنا يملؤها الحزن ونحن نُرثي بيروت". 

  • واجهة غاليري أجيال
    واجهة غاليري أجيال

وطال الانفجار أيضاً "متحف سرسق" في مار مخايل بأضرارٍ بالغة، ومنه تعبير عن "أسى كبير على ما أصاب بيروت ككل، على الراحلين فيها في الإنفجار، وعلى المُتشرّدين بلا بيوت"، واعتبر القيّمون على المتحف أنه "ليس أمامه، كما أمام كل المُتضرّرين، إلا السعي للنهوض من جديد، وإعادة بناء ما تدمَّر". 

المُتضرّرون لا يمكن حَصْرهم، كما بيروت ككل. كل ما فيها مُتضرِّر بطريقةٍ أو بأخرى. أما الغاليريهات والفنانون فيمكن عرض بعضهم، لكن الأكثر تضرّراً كان غاليري "مرفأ" للفنون المُعاصِرة الذي دُمِّر بالكامل، وكل غاليريهات الجميّزة، والصيفي، ومار مخايل، والأسواق، والحمراء، والأشرفية نذكر منها على سبيل المثال: غاليري آرت، وفادي مغبغب، والمؤسّسة العربية للصورة، وألوان، وعايدة شرفان، وروشان، ومارك هاشم، و"ليتيسيا"، ومُحتَرَف ندى صحناوي، إضافة إلى مراكز فنية أخرى، كما أصيب العديد من الفنانين إن أثناء عملهم، أم في بيوتهم بجروحٍ بالغة. 

رزق ختمت: "كل مَن رحل في الإنفجار، أو تضرَّر، إن من خلال إنسانيّتهم أو إبداعهم، أو حبّهم للوطن، خسارة كبيرة، خاصة وأن كل واحد منهم كانت عنده مبادرة مهمة لبيروت ولبنان".

في الساعة السادسة و 6 دقائق من عصر يوم الرابع من آب/أغسطس هز انفجار ضخم العاصمة اللبنانية ووصل صداه إلى مناطق بعيدة. شحنةٌ من نترات الأمونيوم مخزنة منذ سنوات في مرفأ بيروت انفجرت وحولت المرفأ ومحيطه إلى أثر بعد عين.