أزمة "اتحاد كتّاب المغرب".. إلى أين؟

بعد عقود على تأسيسه يعاني "اتحاد كتاب المغرب" أزمة كبيرة، فما هي أسبابها؟ وهل أصبح الإتحاد في عداد الأموات؟

  • أزمة
    أزمة "اتحاد كتّاب المغرب".. إلى أين؟

يُعاني "اتحاد كتّاب المغرب" أزمة أثرت كثيراً على مساره التنظيمي ورسالته الثقافية التي تأسَّس من أجلها سنة 1960. فبعد أن عرف عقوداً من العطاء بمُمارسة الثقافة المُلتزِمة بآفاق قومية ووطنية ومُتشبّعاً بفكر يساري برئاسة مُثقّفين وازِنين منهم محمّد عزيز الحبابي(1961-1968) وعبد الكريم غلاب(1968-1976) ومحمّد برادة (1976-1983)، الذين نالت تجاربهم تقديراً كبيراً في الوسط الثقافي المغربي الذي شهد على نجاحهم في إدارة شؤون الاتحاد. 

وتعود البوادر الأولى للأزمات المُتتالية التي عرفها الاتحاد إلى العام 2009، عندما أقال المكتب التنفيذي بأغلبية أعضائه رئيسَه آنذاك الناقِد عبد الحميد عقار من مهمته، موضحاً في بلاغ له تداولته وسائل الإعلام آنذاك أن قرار الإقالة جاء "بعد استنفاد كافة التدخّلات والوساطات التي قام بها بعض رؤساء الاتحاد السابقين وبعض الحُكماء والفاعلين والغيورين على هذه المنظمة الثقافية، لدى رئيس الاتحاد عبد الحميد عقار من أجل تجاوز حال الجمود التي يمر منها الاتحاد منذ المؤتمر الوطني ال 17، والتي يتحمّل مسؤوليتها رئيس الاتحاد وحده".

  • عبد الحميد عقار
    عبد الحميد عقار
  • عبد الكريم غلاب
    عبد الكريم غلاب
  • عبد الرحيم العلام
    عبد الرحيم العلام
  • محمد برادة
    محمد برادة
  • محمد عزيز لحبابي
    محمد عزيز لحبابي

واعتبر بعض أعضاء الاتحاد ذلك انقلاباً غير مُبرَّر على الرئيس الذي عبَّر في بيان أصدره عن رفضه الإقالة"لاعتبارات منها عدم تضمّن القانون الأساسي لإشارة واحدة إلى الإقالة، كما أن الأشخاص الذين انتخبهم المؤتمر السابع عشر للاتحاد لم يفوِّض لهم الكتّاب والكاتِبات أمر الإقالة لهذا العضو أو ذاك، وإنما فوَّض لهم تدبير الشأن الثقافي". 

وأكّد أن الشرعية الوحيدة التي يعترف بها هي انتخابه بأعلى نسبة للأصوات.

بعد إقالة عقار تولّى الناقِد عبد الرحيم العلام رئاسة الاتحاد بقرار من المكتب التنفيذي لتبدأ مرحلة جديدة وصفت "بسنوات الأزمة" عرف فيها الاتحاد تحديات عصيبة أثّرت على رسالته في خدمة الثقافة، وتوالت الاستقالات وجُمِّدت أنشطة من داخل هيئة الاتحاد احتجاجاً على طريقة اشتغاله، وانتقاداً لما وصفوه بأن"الصراع على المناصب والامتيازات داخل الاتحاد أصبح لا يُطاق".

ثم في المؤتمر الثامن عشر الذي انعقد في الرباط عام 2012 عبَّر عبد الرحيم العلام عن نيّته الترشّحَ لولايةٍ جديدة مُدافِعاً عن طريقة تدبيره للاتحاد بعد إقالة عقار، وجاء في بيانه الذي أعلن فيه ترشّحه: "بقيت حارِساً للمؤسَّسة وفيّاً لها ولِقِيَمها وتمَّ ذلك في ظروف صعبة ومزعجة. وكنت كلما تعقّدت الأزمة واستفحلت، أزداد اقتناعاً بضرورة المزيد من المواجهة، رغم الإحساس الذي كان ينتابني أحياناً بصعوبة المتاهة التي دخل فيها الاتحاد". لكن ترشّح العلام أثار معارضة شديدة من قِبَل عدد من أعضاء الاتحاد مُعتبرين أن المرحلة القادمة ستكون "تكريساً لانهيار الاتحاد إذا لم يُصحِّحْ مساره بتجاوز ما وصفوه  "تحويلاً لدور المنظمة الطبيعي، وعبثاً برصيدها التاريخي، لأجل تحقيق مكاسب شخصية ضيّقة، مع مُراكمة الأخطاء التسييرية والطيش، غير المسبوق، في إبداء المواقف الفاقدة للعُمق وللصدى والشرعية القاعدية". هذا وأعلن خمسة عشر عضواً انسحابهم من الاتحاد سنة 2015 احتجاجاً على ما وصفوه "تغيّراً في أهداف الاتحاد".

  • أزمة
    أزمة "اتحاد كتّاب المغرب".. إلى أين؟

ويُعْتَبر المؤتمر التاسع عشر الذي انعقد في طنجة سنة 2018 تحت شعار (اتحاد كُتَّاب المغرب: نحو أفق تنظيمي وثقافي جديد) أصعبَ محطة مرّ بها الاتحاد في تاريخه، بعد نشوب معارك غير مسبوقة بين أعضائه، حيث احتدّ الصراع بين فريقين الأول رفض رفضاً قاطعاً أن يتولّى العلام إلقاء كلمة المؤتمر واصفين إياه بالرئيس "غير الشرعي"، في حين أصرّ الأخير على إلقاء كلمته بدعمٍ من بعض مؤيّديه، وبعد إصراره على تناول الكلمة، وووجِه العلام بالصُراخ ورفع شعار "اِرحل"، فتوقّفت أشغال المؤتمر بعد أخذ ورد وتلاسُن وتبادُل للاتهامات وتطوّرات لم يسبق أن حدثت في تاريخ "اتحاد كتَّاب المغرب". 

وبعد تعذّر استمرار أشغال المؤتمر تمّ إعلان رفعه، في أفق تشكيل لجنة مُختلطة بين المكتب التنفيذي وبعض الأعضاء للتحضير لمؤتمرٍ استثنائي في غضون الشهور القليلة القادمة.  

استمرت الصراعات والعراقيل في وجه انعقاد المؤتمر الاستثنائي الذي دعت إليه اللجنة التحضيرية المنبثقة عن المؤتمر التاسع عشر، وساهمت أزمة "كورونا" في تأخيره، ليُفاجأ الرأي العام الثقافي في 26 أيلول/سبتمبر 2020 ببلاغ صادر عن المكتب التنفيذي للاتحاد؛ جاء فيه أنه يعلن"تمسّكه التام بمبدأ الشرعية القانونية، بما تستلزمه من احترام لمبادئ الاتحاد ولقوانينه ولأجهزته الشرعية وتوصيات مؤتمر طنجة، باعتبارها الآلية القانونية الوحيدة الضامِنة لمواصلة مسيرة الاتحاد، وجعله قادراً على مواصلة حضوره ودوره النضالي وإشعاعه الثقافي".

وجاء في البلاغ الذي حصلت الميادين الثقافيةعلى نسخةٍ منه إن المكتب التنفيذي"عازِم على تنظيم المؤتمر الاستثنائي المقبل للاتحاد، وفق مُقتضيات الفصلين السادس والسابع من القانون الأساس للاتحاد، وعلى توفير الشروط اللازمة لعقده والضمانات الكفيلة بإنجاحه"، داعياً "أعضاء اللجنة التحضيرية المُنتدبة من لدنّ مؤتمر طنجة، إلى الاجتماع مع المكتب التنفيذي في أقرب الآجال، لمواصلة الإعداد للمؤتمر المقبل، وإن اقتضت الحال اتخاذ التدابير والإجراءات المُلائمة لعقده في أقرب وقت ممكن". 

هذا ووصف بعضهم البلاغ بأنه (بلاغ العلام وأصدقائه) لتستمر الأزمة في نفق لا يعرف أحد موعد نهايتها. 
الميادين الثقافية استجوبت كُتّاباً منهم أعضاء في "اتحاد كتّاب المغرب"، وتقلّدوا مهام مختلفة فيه للوقوف على آرائهم في ما يجري في أروقة الاتحاد.

عبد الدين حمروش (شاعِر ونائب الرئيس السابق لاتحاد كُتَّاب المغرب): الموتى لا يُبعثون

  • أزمة
    أزمة "اتحاد كتّاب المغرب".. إلى أين؟

لا معنى لأيّ حديث عن انبعاث"مكتب"، انتهت صلاحيّته منذ سنوات عديدة. لا صلاحية لأيّ جهاز من أجهزة "الاتحاد"، إلا للجنة الموكَل إليها التحضير للمؤتمر المقبل.

لقد بات "الاتحاد" "جثة"، في نظري، يتناهشها المُتناهشون. ولولا بعض الأمل في حقنها بالحياة، كما يتصوَّر ذلك عدد من الكُتَّاب، لقلتُ متأسياً: إكرام الميت دفنه.

لقد أجّلنا الحديث عن كل شيء، مما اعترى التجربة السابقة من خروقات. ولأن الأمل هو المؤتمر الاستثنائي، في انتظار البتّ في كل القضايا والأسئلة العالِقة، فإن كل محاولة لإعادة النقاش "من الأول" تبدو غير ذات معنى. شؤون الاتحاد، بما فيها وثائقه، ستكون بين أيدي المؤتمرين. ولذلك، فإن أية محاولة للتصرّف في "شؤون" الاتحاد، باستغلال ظروف الجائِحة، ما هي إلا خطوة غير محسوبة العواقب (القانونية).


مصطفى لغتيري (روائي ونائب الكاتِب العام للاتحاد ومُكلَّف بالنشر): يجب إسناد المسؤولية لأسماء جديدة

  • أزمة
    أزمة "اتحاد كتّاب المغرب".. إلى أين؟

يمكن تفسير أزمة اتحاد كُتَّاب المغرب اعتماداً على مُعطيين أساسيين، مُعطى موضوعي يتعلّق بمنظمة تنتمي إلى مجتمع مدني لم يؤمن بعد بالديمقراطية كآلية لتصريف الصراعات وحلّ الخلافات، وتدبير الشؤون الداخلية، إذ لا تزال الشخصنة والشللية والانتماء المجالي بما فيه القبلي مُحدّداً في اختيار الأفراد لتحمّل المسؤولية في الجمعيات بصفة عامة، والمُعطى الثاني ذاتي يتعلَّق بالميكانيزمات المُتَحكّمة في تسيير الاتحاد وتدبير شؤونه، ومن خلال تجربتي الشخصية باعتباري أحد أعضاء مكتبه التنفيذي المستقيلين، أستطيع القول بأن القوانين في الاتحاد شكلية إلى أقصى حد، وأن القرارات الحاسِمة بيد الرئيس، الذي يكتفي بإخبار أعضاء المكتب المسيّر للاتحاد بما اتخذه من قرارات، ويتعيّن عليهم مُباركة توجّهاته ومُشاركته في تنفيذ بعضها، من دون أن تكون لهم فرصة للانتقاد أو الاعتراض أو حتى الاقتراح.

اتحاد كُتَّاب المغرب مرّ بمراحل عدَّة، كان فيها مرتبطاً بمنظمات حزبية جعلت التناقُضات العميقة لا تظهر للسطح، لأن التدخّلات الحزبية كانت تطمسها من خلال الضغط على الأعضاء، أو تقديم مكاسب شخصية لهم مادية ومعنوية. لأن الاتحاد كان ببساطة وسيلة من وسائل الصراع مع الدولة، لكن حين أصبح لهذه الأحزاب موطئ قدم في تسيير الشأن العام، حاولوا التخلّص من الإحراج الذي قد تسبّبه لهم مواقف الاتحاد، من دون أن يفّرطوا فيه نهائياً، ليوظّفوه متى كانت الحاجة ملحّة على ذلك.

في الفترة الأخيرة تحقَّق نوع من المسافة ما بين الاتحاد والأحزاب، فبرزت كثير من النقائص والعيوب للعموم، خاصة بعد أن أصبح الاتحاد بشكل مباشر حلبة للصراعات الشخصية، ووسيلة لتحقيق مآرب شخصية جداً، لا علاقة لها بالثقافة ومكانتها في المجتمع.

أما الحل الذي أقترحه، واقترحته سابقاً، والذي أعرف صعوبة تحقيقه، فيتمثّل في ابتعاد كل مَن تحمَّل المسؤولية في الاتحاد عن جميع الهياكل التنظيمية، وترك المسؤولية فيه لأسماء جديدة من الكُتَّاب القدامى والجُدُد، حتى نقطع دابِر المُتهافتين المُهرولين، الذين لم يعد الخجل يُكبّلهم ليعلنوا عن نواياهم في حَلْبِ بقرة الاتحاد إلى آخر قطرة في ضرعها.

لا يمكن نجاح أيّ حل يستعيد به الاتحاد عافيته إلا بابتعاد بعض الأشخاص الذين يتعاملون مع المنظمة بعقلية مُخابراتية، وهم لا يتوافرون على أي إنتاج أدبي، ومع ذلك يتدخّلون في شؤون الاتحاد الكبيرة والصغيرة، ويعقّدون الوضع أكثر فأكثر، لأنهم يستفيدون من الأزمة، والجميع يعرف أنْ ليس في رصيدهم غير بعض المقالات الصحافية. أي أن انتماءهم لاتحاد كُتَّاب المغرب مشكوك فيه أصلاً.

فاطمة الزهراء المُرابط (قاصَّة وصحافية): الاتحاد ميت منذ سنوات

  • أزمة
    أزمة "اتحاد كتّاب المغرب".. إلى أين؟

بعد مرور سنوات على انتهاء صلاحيّة المكتب التنفيذي، ماذا بقي لاتحاد كُتَّاب المغرب غير الصمت؟ وبعد مرور الضجّة الإعلامية التي خلّفها فشل المؤتمر ال 19، وما رافقه من أزمات وتبادُل الاتهامات وانسحاب مجموعة من الكُتَّاب: نتساءل هل سينبعث الاتحاد من جديد، أم سيعلن عن وفاته النهائية؟.

في اعتقادي، أن سبب هذه الأزمة هو طُغيان المصالح الشخصية على العامة وانصراف الاتحاد عن الهمّ الثقافي والأدبي -الذي تأسَّس من أجله- خاصة وأن مجموعة من الكُتَّاب انخرطوا فيه من أجل الاستفادة من خدمات الاتحاد والمُشاركات داخل المغرب وخارجه. هذا من دون أن ننسى الشروط المُجْحِفة للانتماء إلى الاتحاد (توافر الكاتب على إصدارين) والتي تسهم في إقصاء مجموعة من المُبدعين والباحثين الفاعلين في الحقل الثقافي. ما يجعلنا نقرّ بأن بعض مُسيّري الاتحاد لا يهمّهم النهوض بالشأن الثقافي وهموم المُثقف والكاتِب الذي يحتاج للاحتضان والدعم..

هذا الوضع يجعلنا نتساءل عن أهميّة الانخراط في الاتحاد الذي تتهافت عليه ثُلَّة من الكُتَّاب المغاربة مع أن العضوية لن تضفي صبغة الإبداع عليهم، إنها- للأسف-مُجرَّد جواز سفر لمَن يفتقر للبوصلة الثقافية والأدبية والشروط الأساسية للإبداع.

وعليه، أرى أن غياب الاتحاد واندثاره لن يخلَّف فراغاً كبيراً، لأنه ميت منذ سنوات، ولا أعتقد أنه سيتمكَّن من جمع شتاته هذه المرة، ليظل مُجرَّد ذكرى في تاريخ المشهد الثقافي المغربي، لأن الأزمة اشتدّت ولا نرى لها حلاً خصوصاً في الوقت الراهن.