العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟

يحاول بعض الفلاسِفة وضع تصوّرات ترسم مسارات الخروج من الظلام والمِحَن انطلاقاً من مُقارَبتهم لأزمة "كورونا".. فماذا قالوا؟

  • العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟
    العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟

سنةٌ من الألم والخوف والموت تُشارِفُ على نهايتها تارِكةً في البشر أسوأ ذِكريات وأفكاراً من الخوف واللايقين.

في العام 2021 تُشرِف الحياة البشرية على مأزقٍ وجودي بأبعادٍ ثلاثة. فكوكب الأرض وصل إلى مستوى كارثي من التدهور المناخي – البيئي يُنْذِر بعواقب وخيمة على استمرار الحياة. الصِراعات التي فجَّرها النظام الاستبدادي – الاستعماري الجديد تُشْعِل الجغرافيا بالحروب والاحتلالات والظلم والبؤس. 

فيروس "كورونا" الذي تسيَّد الساحة منذ أكثر من عام، وضع صحَّة البشر في تحدٍّ مصيري غير مسبوق وهدَّد الاقتصادات العالمية بالانهيار.

تُكافِحُ شعوب العالم، كل على طريقتها ووفق إمكاناتها، لمُعالجة تداعيات الأزمات الثلاث لكنها في الطريق إلى البحث عن الحلول، تفترق وتنقسم وتختلف حول الوسائل الفُضلى للشروع في طريق الخلاص.

قد تبدو كلمة خلاص غاية طموحة ودونها مراحل وتعب وتضحيات، لا سيما أن "كورونا" كشف بشكلٍ فاضحٍ تشابُك الأزمات وتجذّرها واستعصاء بعضها. لكنه أدَّى خدمة جليلة بتأكيده مُسلََّمة أن الحياة لم تعد مُمكنة، أو بمعنى آخر باتت مُستحيلة، إذا لم يتغيَّر وعي الإنسان ويُقارِب بطريقةٍ عقلانيةٍ مصادره الطبيعية ويتوجَّه إلى أَنْسَنة الأنظمة السياسية والإقتصادية والصحية. أي أن التغيير يجب أن يحدث أفقياً وعامودياً لوقف الاندفاعة المُخيفة للانهيار.

في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ الحضارة الإنسانية، ووسط تخبّط وضياع الأنظمة السياسية شرقاً وغرباً، يحاول بعض الفلاسِفة، في الغرب عموماً، وضع تصوّرات ترسم مسارات الخروج من الظلام والمِحَن انطلاقاً من مُقارَبتهم لأزمة "كورونا".

إدغار موران: مناهضة الليبرالية المتوحّشة

  • العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟
    العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟

يدفع الفيلسوف وعالِم الاجتماع الفرنسي إدغار موران بنظرية العودة إلى سيادة دولة الرعاية الاجتماعية، والدفاع عن المرافق العمومية ضدّ الخَصْخَصة، وإعادة التمركُز والتصدِّي للعَوْلَمة ومُناهَضة الليبرالية المُتوحِّشة.

يرى إدغار موران أن ارتدادات أزمة الديمقراطية، الفساد، انتصار الديماغوجيات، الأنظمة السُلطوية الجديدة، نموّ القوميات، التي تكره الأجانب والعُنصرية. هذه الارتدادات ستظلّ مُحْتَملة إذا لم يتبلور مسارٌ سياسي جديد بيئياً واقتصادياً واجتماعياً يهتدي بنزعةٍ إنسانيةِ مُتجدِّدة، ترفع من إيقاع إصلاحات حقيقية، وتتجاوز منطق الميزانيات، وتتعلَّق بالحضارة والمجتمع والحياة.

نعوم تشومسكي: أمميّة تقدمية

  • العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟
    العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟

الفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي وفي مُداخلةٍ عَلنيةٍ في القمَّة الافتتاحية لـ Progressive International ، التي تأسَّست في أيار/مايو الماضي وتحوَّلت إلى منصَّةٍ افتراضيةٍ بسبب الوباء، يُلاحِظ حقيقة أن "عقارِب ساعة نهاية العالم تقترب من مُنتصف الليل". 

وبحثاً عن تفادي هذه الكارثة يُشدِّد على بناءِ ديمقراطيةٍ حيَّةٍ لا يمكن من دونها مواجهة التهديدات الجيوسياسية والبيئية، أو التعامُل معها بهدوءٍ، كما يقول.

بالنسبة إلى تشومسكي، فإن الصِراع عالمي. في هذا الصَدَد، يُعارِض الفيلسوف "الأممية الرجعية" ويدعو إلى أمميةٍ تقدّميةٍ من شأنها أن تجمع الحركات المدنية في العالم بأجمعه. ويختم بالقول: "ليس من المُبالغة القول إن مصير التجربة الإنسانية يعتمد على نتيجة هذا الصراع."

يورغن هابرماس: حماية "الحياة الضرورية" أولوية كونية 

  • العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟
    العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟

يُحلِّل الفيلسوف الألماني الشهير يورغن هابرماس النتائج والآثار الأخلاقية والسياسية للأزمة الصحية العالمية الحالية، ويحثُّ الاتحاد الأوروبي على مُساعدة الدول الأعضاء الأكثر تأثّراً، ويرى أن الحل يكمُن في مُكافحة وإلغاء النيوليبرالية.

ويُشدِّد الفيلسوف الألماني على أن حماية ما يُسمّيه "الحياة الضرورية"، يُمثّل الآن أولوية كونية تعلو على أية حسابات نفعية، أو أضرار اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية قد تتسبَّب بها القوانين الاستثنائية التي تتَّخذها الدول للحفاظ على حياة الناس.

ميشال أونفري: الصراع الطبقي إلى حدوده القصوى

  • العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟
    العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟

الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري يؤكِّد أن الأزمة الصحية الحالية تجعلنا نرى رؤية العين أننا نعيش نهاية حضارة، فأوروبا التي يُقدِّمها المُتحمِّسون لها كتنِّينٍ قادرٍ على مُصارَعة أشرس الأعداء، وجدناها عاجزة عن صُنْعِ كمَّامات بأعدادٍ كافيةٍ من أجل حماية مواطنيها وأُطُرها الصحية من الفيروس الفتَّاك.

ولأن الرأسمالية في نظر ميشال أونفري هي عبارة عن نظامٍ يزيد من ثروة الأثرياء وفُقُر الفُقراء، فإنه يؤكِّد أن جائِحة "كورونا" ستدفع بالصراع الطبقي إلى حدوده القصوى، وستُغيِّر الكثير في عالم الغد بعد أن تسقط الكثير من الأقنعة وتكشف عن زَيْفِ ونفاق وجوهٍ عدَّة.

هارتموت روزا: لا يوجد نموذج يُمكنه التنبّؤ بما سيحدث

  • العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟
    العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟

عالِم الاجتماع هارتموت روزا يقول إنه "لا يوجد نموذج اجتماعي أو اقتصادي أو نموذج آخر مُستقبلي يُمكنه التنبّؤ بما سيحدث الآن، لأنّه لا يعتمد على معرفتنا، بل على أعمالنا. علينا أن نبدأ من جديد ونكون مُبدعين: وفقاً لآنا أرندت، هذه هي خصوصيّة القُدرة البشريّة على العمل. تُسمّيها الولادة".

سلافوي جيجيك: نعيد اكتشاف حاجتنا لبعضنا بعضاً

  • العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟
    العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟

الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك الذي يخشى من حالٍ استبداديةٍ تسود العالم، يعتقد بأن الأزمة الحالية في العالم ستُعطي معنى جديدا للمجتمع، وسينبت منها فكر شيوعي جديد بعيد كل البُعد عن تلك الشيوعية التاريخية، وفق ما ذكر في حوار مع الصحافية الإيطالية آنا لومباردي من صحيفة "لاريبوبليكا".

ويعتقد الفيلسوف السلوفيني أن الحاجة للتعاون والتضامُن العالمي للتغلّب على الأزمة الصحية الحالية مثلاً بمثابة "اكتشاف مُبْتذَل" لكنه ثوري في الوقت ذاته، مُضيفاً "نحن نُعيد اكتشاف حاجتنا لبعضنا بعضاً، أشخاصاً وشعوباً"

مارسيل غوشيه: هشاشة الديمقراطية الغربية

  • العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟
    العالم الذي عرَّاه الوباء: ما العمل؟

بالنسبة إلى المؤرِّخ والمُفكِّر الفرنسي مارسيل غوشيه فإن الأزمة الحالية هي بمثابة اختبار لهشاشة الديمقراطية الغربية التي تسترجع دائماً قواها في مواجهة كل أزمة. هذه الديمقراطية برأيه " عانت من الضعف في البداية في مواجهة الأنظمة الشمولية، لكنها سُرعان ما تمكَّنت من الصَحْوة ومواجهتها من دون ارتخاء".

ويتساءل الفيلسوف الفرنسي عن " قُدرة هذه الديمقراطيات على مُمارسة الدور نفسه، خصوصاً وأن تطوّر المجتمعات الغربية جعل الحريات الفردية تحتلّ مركز الصَدارة على حساب التلاحُم الجماعي، بطريقةٍ لم يسبق لها مثيل في التاريخ".

جول غوفرين: الصالح العام أهمّ من الرفاهية الاقتصادية

الفيلسوفة جول غوفرين، أستاذة الفلسفة الاجتماعيّة في جامعة أوروبا في فلنسبورغ، ترى أن الحلّ من أجل التعامُل مع هذه الأزمات والأزمات المُستقبليّة، هو "ظهور عقلانيّة سياسيّة تتبع المَطالِب الاجتماعيّة أكثر من مصالح ريادة الأعمال، ما يضع الصالح العامّ فوق الرفاهيّة الاقتصاديّة، قد يتمُّ ذلك من خلال توزيعٍ عادلٍ للتكاليف اعتماداً على الثروة عبر فَرْض ضرائب على أصحاب المَداخيل الخياليّة".