الفن الهابِط والمشوّه وعقوبة " ناي العار"!

مُحترِفو الفن الهابِط من شريحة باعة اللحن والصوت يتحكَّمون بمنابر وإذاعات وشاشات الدول العربية، ويفرضون حضورهم وفنّهم المقيت بالنِفاق والعلاقات الفاسِدة وبتدمير الذوق.

  • الفن الهابِط والمشوّه وعقوبة
    الفن الهابِط والمشوّه وعقوبة " ناي العار"!

من الممكن مُشاهدة نسخة من "ناي العار"، أو "SchandFlöte" باللغة الألمانية، في "متحف جرائم القرون الوسطى" في روتنبورغ في ألمانيا أو في "متحف التعذيب" في أمستردام.

"ناي العار" كان أداة تعذيب مُخصَّصة للموسيقيين السيّئين والفاشلين، وكان يُثبَّت على الرقبة بواسطة طوقٍ حديدي تُلْصَق عليه بإحكام يد الموسيقي ما يُحْدِث ألماً لا يُطاق.

نسوق هذا المثال الوحشي للعقوبات التي تلقّاها بعض الفنّانين في تلك العصور، للدلالة على حجم الأذى والإساءة التي كانوا يتسبَّبون بها للذوق العام.

ففي تلك الأيام لم يكن أولي الأمر ولا عامة الناس يتساهلون مع الإنحراف والإستهتار الفنيين، بحسب مقاييسهم وتقاليدهم، لكنه أيضاً مثال، ليس للإحتذاء به طبعاً، في هذا الزمن الفني العربي الفالِت من عِقاله والمفتوحة أبوابه على كل ما هبَّ ودبَّ، من مُدَّعي فن وغناء ممَّن لا يُقيمون وزناً أو إحتراماً للأصول أو القواعد أو الأخلاق الفنية والثقافية والإجتماعية.

مُحترِفو الفن الهابِط من شريحة باعة اللحن والصوت يتحكَّمون بمنابر وإذاعات وشاشات الدول العربية، ويفرضون حضورهم وفنّهم المقيت بالنِفاق والعلاقات الفاسِدة وبتدمير الذوق. منظومة تسليع الأغنية والموسيقى التي تمكَّنت من حجز حيِّزٍ واسعٍ لها في سوق الساحة الفنية أصبحت تمثّل تهديداً للفن بحد ذاته وللوَعي الفني – الثقافي للجمهور، على حساب هوية ودور الفن الأصيل والهادِف. 

فنّانون وفنّانات بالآلاف يتوالدون من سوق شركات الموسيقى وبرامج وشبكات تصنيع المُغنّين والموسيقيين المُنتشرة بكثافةٍ في معظم الدول العربية، إما بهدف إغراق المجتمعات العربية بفنّانين رديئين أو بهدف تصنيع منظومة فنية تجارية لا هدف لها سوى الربح والتجارة.

إذا كان واقع الفنون في جميع الأمم يتراوح بين الجيّد والسيّىء إلا أن مرارة الواقع في المجتمعات العربية تكمُن في غياب القوانين والمعايير لضبط الإنتاج الفني، وتراجُع حركة النقد الفني أو وقوعها في أَسْر الرأسمال وسيطرة منظومات سياسية تجهد لضرب وتهديم البناء الفني العربي، إنطلاقاً من أهدافٍ سياسيةٍ وارتباطات مشبوهة.

يلعب الفنّان دوراً وازِناً في تشكيل الوَعي والهوية، وله تأثير على الضمير الجَمْعي والعواطف والمشاعر لعامة الناس. وكلما إرتقى الفن، كلمة ولحناً، إرتقى الذوق العام وتبلور الوعي، والعكس هو الصحيح في حال تحوَّل الفن إلى سلعةٍ بلا قيمة ولا هدف سوى تعميم السطحية وتشويه السماع وتحفيز الغرائز.

ومنذ وجدت الموسيقى ظهر الصراع بين أسلوبين وفئتين ولم يهدأ على مرّ السنوات وتَغيُّر الظروف، وسوف يستمر على المستوى نفسه، لكن مسؤولية تصويب حركة الفن تُلقى على عاتق النُخَب الثقافية والفنية كجزءٍ من معركتها الحضارية للتصدّي لموجة إفساد الفنون بما هو متوافر من أدوات وإمكانات، إضافة إلى دور وازِن للإعلام (وما أصعبها من مهمة) كمنصَّة يُفتَرض بها إعلاء صوت القِيَم الفنية والخروج من عباءة الرأسمال الفني الذي يتحكَّم بالبثّ والترويج.

كما تبرز أهمية النقابات الفنية كمُراقِبة ومنظِّمة لعمل الفنانين وكفاءاتهم، ووجوب أن تلعب أدواراً نقدية لتقييم الأعمال الفنية وتوافقها، على الأقل، مع الذوق العام من دون تشويه أو دَجَل وغشّ.