لطيفة أبو حميد ... "سنديانة فلسطين" تنتظر أغصانها

ثلاثون عاماً مرّت ولم ينتهِ انتظار أمّ ناصر لترى أولادها خارج القضبان الحديدية. جنود الاحتلال في سجن عسقلان حفظوا وجه أمّ ناصر واعتادوا زيارتها وعملوا على منعها من مقابلة أبنائها لمرّات كثيرة رغم بلوغها السبعين. 45 دقيقة فقط هي المهلة التي تتحدّث خلالها مع أبنائها عن أحوالهم، وعن البيت ورام الله. عن كل الحياة خارج ذلك السور.

"سنديانة فلسطين" ... تنتظر أغصانها

لا تكاد تخلو قريةٌ فلسطينية من أشجار السنديان. فهي الشجرة الضخمة والمُعمّرة التي تتمتّع بقدرتها على مقاومة الظروف الطبيعية ولديها قدرةٌ عجيبة على تجديد نفسها، فكلما تشيخ، تنبت بجانبها أغصان جديدة.

لطيفة أبو حميد، واحدةٌ من أمّهات فلسطين لكنّها مختلفةٌ عن الكل. حُزنها مثل صبّارات جبال الجليل لا ينتهي شوكها، وألمها أوسع من بحر عكّا، أما شوقها لأبنائها فهو كشوق يعقوب ليوسف.

لطيفة أمّ لعشرة أولاد أحدهما شهيد والباقون أسرى، عددهم اليوم تسعة أفرج الاحتلال عن ستة؛ من بينهم الشهيد ليبقى منهم أربعة محكومين بالسجن المؤبّد. يصعبُ إيجاد لقَب يُنصف لطيفة أبو حميد. الفلسطينيون يلقّبونها بـ "سنديانة فلسطين" لكنها أكثر صبراً وشموخاً من السنديان.

فالسنديانة لا تحتمل أَسْر أغصانها لكن السيّدة الفلسطينية المولودة عام النكبة بقرية الرمل المحتلة تواجه بصبرٍ فلسطيني. تتحدّث أمّ ناصر بحزنٍ للصفحة الثقافية في الميادين نت عن أولادها الأسرى. ذاكرتها مُثقلة بالحزن. يزيدها أسى الحديث عن أبنائها الأسرى. تقول: "أكبرهم ناصر حُكم خمسة مؤبّدات وخمسين سنة، ولدي نصر حُكِم خمسة مؤبّدات، وشريف حُكِم عليه أربعة مؤبدات، إسم الرابع محمّد حُكِم عليه أربعة مؤبّدات وثلاثين سنة، أما الشهيد البطل المُلقّب بـ"صائد الشاباك" عبد المنعم أبو حميد، اغتالته وحدة (إسرائيلية) خاصةً بعد مطاردةٍ استمرّت لشهورٍ عام 1994"، حيث أُضيفت لوعةٌ جديدة إلى قلب الأمّ الذي عمَّر لنفسه قصوراً في أرض الصبر والألم.

مرّت ثلاثون عاماً ولم ينتهِ انتظار أمّ ناصر لترى أولادها خارج القضبان الحديدية. جنود الاحتلال في سجن عسقلان حفظوا وجه أمّ ناصر واعتادوا زيارتها وعملوا على منعها من مقابلة أبنائها لمرّات كثيرة رغم بلوغها السبعين. 45 دقيقة فقط هي المهلة التي تتحدّث خلالها مع أبنائها عن أحوالهم، وعن البيت ورام الله. عن كل الحياة خارج ذلك السور. تضيف أمّ ناصر بلوعةٍ "عندما يمنعني الجنود الصهاينة من زيارة أبنائي أقف وأتكلّم مع صوَرهم المُعلّقة على حائط المنزل".

يُضيّق العدو على عائلة أبو حميد، فتارةً يعتقل إسلام إبن أمّ ناصر اعتقالاً إدارياً مع التجديد، وذلك بزعم الضلوع في قتل جنديٍ (إسرائيلي) من وحدة "دوفدوفان" رونين لوبرسكي (20 عاماً)، في مخيّم الأمعري بعد إلقاء قطعة رخام على رأسه، وطوراً يهدم بيت العائلة في مخيّم الأمعري جنوبي مدينة رام الله. فقد هدم العدو بيت أمّ ناصر مرتين، وصباح 14-8-2018 أخطرت سلطات الاحتلال لطيفة بهدم منزلها كما منعها الجنود فجر قبل أيام من زيارة أولادها الأربعة في المعتقل (الإسرائيلي).

تصمت أمّ ناصر ثم تُكمل فجأة. "يتضامن العالم مع الأسير الفلسطيني حيث يخصّصون يوماً له في 17 نيسان من كل عام ، لكن أمّ وعائلة الأسير تُعاني كل يوم وكل ساعة كل دقيقة وكل لحظة"، وتضيف "هؤلاء الأسرى أقصد أولادي وغيرهم دافعوا عن الأرض عن المُقدّسات، عن الكرامة، هم شرف الأمّة وتاجها".

تتنهّد أمّ ناصر لتختم حديثها: "فلسطين تستأهل أن نُضحّي كرمالها".

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]