بوتين مُستحضراً سوفوروف: عن الأزمة الروسية الأوكرانية ثقافياً

يُعْتَبر بطلاً قومياً في سويسرا وذكره بوتين مؤخراً.. من هو ألكسندر سوفوروف؟ وماذا يمثّل في وعي الروس والأوكرانيين؟ وما أهميّة إزالة نصبه التذكاري؟  

في خطابه إلى الشعب الروسي، وقبيل اعترافه بجمهوريتيّ الدونباس (دونيتسك ولوغانسك) ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المصير المُحْزِن لنصب ألكسندر سوفوروف التذكاري في مدينة بولتافا الأوكرانية. مما قاله: "في الآونة الأخيرة، أزيل نصب تذكاري لألكسندر سوفوروف في بولتافا. ماذا يمكنني أن أقول؟ هل يمكن للمرء أن يتخلّى عن ماضيه، عمّا يُسمَّى بالتراث الاستعماري للإمبراطورية الروسية؟". فمَن هو ألكسندر سوفوروف؟ وماذا يمثّل في وَعي الروس والأوكرانيين؟ ما أهميّة إزالة نصبه التذكاري كإحدى الحركات على رقعة شطرنج الأزمة الثقافية الموازية للأزمة السياسية بين البلدين؟  

بالفعل، كان النصب التذكاري للقائد العسكري القيصري ألكسندر فاسيليفيتس سوفوروف (1730 - 1800) قد أزيل من موقعه في بولتافا في 4 شباط/ فبراير 2022، بذريعة أنه يحمل عناصر من "الدعاية السوفياتية الموجَّهة"، على الرغم من أن سوفوروف رحل قبل أكثر من قرن على ولادة الاتحاد السوفياتي، إلا أنه وصِمَ بحمله "عناصر بصرية سوفياتية".

وقد بادر "المعهد الأوكراني للذاكرة الوطنية" إلى إزالته، معتبراً أنه "لا يتمتَّع بأية قيمة فنيّة". قبل تفكيكه في بولتافا، كان هذا التمثال الذي أنشئ سنة 1974 يقف في العاصمة الأوكرانية كييف، بجوار مدرسة إيفان بوهون العسكرية، التي حملت أيام الاتحاد السوفياتي إسم سوفوروف نفسه، وبعد انهيار الاتحاد وتغيير إسم المدرسة أزيح من واجهتها إلى فنائها. وبناء على طلب إدارة المدرسة العسكرية، فُكِّك ونُقِل إلى متحف الطيران في بولتافا قبل أن يلقى مصيره الأخير.  

انتزع سوفوروف من العثمانيين حصن إسماعيل عام 1790 الذي يقع اليوم في مقاطعة أوديسا، فقضى على الوجود العثماني في البلاد. أما في مدينة تولشين التي تقع اليوم في مقاطعة فينيتسا الأوكرانية، فقد انتهى سوفوروف من كتابه المرجعي "عِلم النصر".    

حضر سوفوروف في خطاب الرئيس الروسي كذلك عندما أشار إلى أن الأميركيين بنوا مركزاً للعمليات البحرية في مدينة أوتشاكوف الأوكرانية. أوتشاكوف التي تقع اليوم في مقاطعة نيقولاييف (ميكولاييف) الأوكرانية كانت إبان الحقبة العثمانية قلعة تركية منيعة، وسقطت بأيدي جنود ألكسندر سوفوروف فغدت جزءاً من روسيا القيصرية (1788)، كما انتزع سوفوروف من العثمانيين حصن إسماعيل (1790) الذي يقع اليوم في مقاطعة أوديسا، فقضى على الوجود العثماني في البلاد. وفي مدينة تولشين التي تقع اليوم في مقاطعة فينيتسا الأوكرانية انتهى سوفوروف من كتابه المرجعي "عِلم النصر".    

النصب التذكاري

  • تمثال سوفوروف في العاصمة الأوكرانية كييف
    تمثال سوفوروف في العاصمة الأوكرانية كييف
  •  بورتريه القائد العام للجيوش الروسية القيصرية ألكسندر سوفوروف
    بورتريه القائد العام للجيوش الروسية القيصرية ألكسندر سوفوروف

يعتبر فنان الشعب الروسي النحَّات ديمتري توغارينوف صاحب نصب سوفوروف التذكاري في سويسرا، أن القائد الروسي يُعْتَبر بطلاً قومياً في سويسرا نفسها، إذ تُكرَّم ذكراه في العديد من الأماكن في البلاد، لأنه بفضل سوفوروف والجيش الروسي القيصري، تمكَّنت سويسرا من الحصول على استقلالها عن فرنسا. فـ "سوفوروف شخص ذو أهمية قصوى ليس فقط للماضي، ولكن أيضاً للمستقبل.. إذا ما وصلوا إلى المسّ بسوفوروف في أوكرانيا، فهذا يعني أن حفل الجنون سينتهي قريباً".

أزِيل التمثال من مكانه في بولتافا، ونُقِلَ إلى مخزن "متحف بولتافا للطيران"، الذي يعتبر كبير الباحثين فيه بيتر رومانيوك أن ما يربط بولتافا بسوفوروف أبعد بكثير، ففرقة حرس "دنيبروبيتروفسك - بودابست" الــ 13 حائزة على وسام سوفوروف من الدرجة الثانية، وكذلك قسم الطيران الخاص بالقاذفات الثقيلة.

يُعْتَبر سوفوروف بطلاً قومياً في سويسرا، إذ تُكرَّم ذكراه في العديد من الأماكن في البلاد، لأنه بفضل سوفوروف والجيش الروسي القيصري، تمكَّنت سويسرا من الحصول على استقلالها عن فرنسا.

وقد حارب ألكسندر سوفوروف نفسه ضدّ قبائل نوجاي، التي كانت تأْسر الأوكرانيين وتستعبدهم وتبيع الأطفال والنساء في سوق العبيد. ورأى أن عمال متحف بولتافا قادرون على إنقاذ النصب التذكاري من التخريب. (روسيسكايا غازيتا). لكن مَن يمكنه أن ينقذ التماثيل الأخرى في المدينة، ومنها النصب التذكاري لبطرس الأول، الذي يقف هناك كتذكير بمعركة بولتافا؟ يُقال إنه يشهد اعتداءات على أيدي القوميين الأوكرانيين الذين لديهم رؤية أخرى، ورواية مُغايرة لتاريخ بلادهم. فهل على روسيا الحديثة أن تنقذ عدداً غير محدود من الآثار والمنحوتات التي تذكِّر بالحقبتين القيصرية والسوفياتية، والمنتشرة على مساحة كبيرة من الأراضي خارج حدودها الحالية، أم الحدود نفسها ستتغيّر؟ 

قائد الجيوش الروسية

  • تمثال سوفوروف قبل وبعد إزالته أمام متحف بولتافا للطيران
    تمثال سوفوروف قبل وبعد إزالته أمام متحف بولتافا للطيران
  • مدرسة ألكسندر سوفوروف العسكرية في كييف أيام الاتحاد السوفياتي
    مدرسة ألكسندر سوفوروف العسكرية في كييف أيام الاتحاد السوفياتي

يصعب تصوّر القرنين الأخيرين من حياة روسيا القيصرية من دون وجود شخصيّة مؤثّرة كبيرة مثل القائد العسكري العام ألكسندر سوفوروف، ومن نافلة القول إن بوتين هَدَفَ من وراء استحضار إسمه وإزالة تمثاله إلى ما هو أبعد بكثير من مستوى التمثال، الذي لا يذكر إسم نحّاته، بل إلى استحضار حقبة من تاريخ روسيا القيصرية، كانت الجيوش الروسية فيها تجوب أوروبا تحت قيادة سوفوروف، الذي لم تقتصر معاركه على الحروب المُتكرِّرة مع السلطنة العثمانية جنوباً، بل وصلت إلى مسافات بعيدة غرباً في قلب أوروبا القديمة، فحمل لقب "القائد العظيم الذي لا يُقْهَر"، وكان أعداؤه بطبيعة الحال أكثر بكثير من مُحبّيه. ويُعْتَبَر إلى جانب عدد قليل جداً من القادة العسكريين في العالم، أنه لم يخسر أية معركة خاضها في حياته العسكرية. 

تركت العائلة العسكرية بصماتها في سيرة ألكسندر منذ الطفولة. التحق بالخدمة في فوج سيمينوفسكي، حيث أمضى نحو 7 سنوات، ودرس الفنون القتالية. شارك في الأعمال القتالية الأولى سنة 1759، وبات يشغل منصب الضابط المناوب تحت إمرة القائد العام، وغدا قائد فوج.

 بوتين هَدَفَ من وراء استحضار إسم سوفوروف وإزالة تمثاله إلى ما هو أبعد بكثير من مستوى التمثال، الذي لا يذكر إسم نحّاته، بل إلى استحضار حقبة من تاريخ روسيا. 

بين عامي 1769 و1772، أثناء الحرب الروسية ضدّ "اتحاد بار" الليتواني - البولندي قاد سوفوروف ألوية من أفواج عدّة.

في كانون الثاني/ يناير 1770 رُقيَّ إلى رتبة لواء. ربح معارك عدّة ضدّ البولنديين، وحصل على وسام القدّيس جاورجيوس، وهو أرفع وسام حربي.

في أيلول/ سبتمبر 1786 حصل على رتبة الجنرال العام. وكان العَقْد الأخير من حياته مليئاً بالأحداث، إذ تخطّى حدود بولندا بعد قمع ثورتها ضدّ روسيا القيصرية (1794)، واقتحمت قواته عاصمة التشيك براغ، ثم شارك في الحملة الإيطالية والسويسرية قبيل وفاته. 

إذن، فالمسألة أبعد بكثير من تمثال أُزِيلَ من موقعه لقائد وكاتب. وربما توحي بأن الروسي الذي وصل إلى قلب أوروبا بالسيف والبارود ذات يوم، هو في قلبها اليوم بتأثير أسلحة أخرى في زمن تغيَّرت فيه أدوات الحرب. 

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.