شاهِمردان: حيث ظهر الإمام علي ورُجم حمزة

يعتقد أهلها بأن الإمام علي بن أبي طالب ظهر فيها، ورجموا شاعر قريتهم حتى الموت. ما هي حكاية شاهِمردان؟  

  • المقام وبعض معالم موقع القدم وسط الجبال
    المقام وبعض معالم موقع القدم وسط الجبال

شاهِمردان بقعة قصيّة بين الجبال الشاهقة في آسيا الوسطى. لم يعد الوصول إليها سهلاً، فهي اليوم جيب خارجي أوزبكستاني مطوق معزول داخل قرغيزستان في وادي فرغانة، تصل مساحتها إلى 90 كيلومتراً مربعاً.

لعبت المنطقة ببحيرتها وجبالها الشاهقة دورين ثقافيين شعبيين مدهشين وصلا إلى حد التناقض، فعرفت إبان الحقبة السوفياتية (1922-1991) بأنها منتجع حكومي سياحي، وأنها مسقط رأس الشاعر التنويري حمزة نيازي الذي رجم فيها حتى الموت بسبب أفكاره التحررية.

أما قبل الاتحاد السوفياتي وبعده، فكانت الغلبة الثقافية فيها للمكون الإيماني، حيث يعتقد أهل تلك المناطق بأن الإمام علي بن أبي طالب ظهر فيها فاكتسبت المنطقة اسمها منه (شاهِمردان تعني "سيد الناس")، وغالى بعضهم فقال إن الحج إليها واجب يُغني عن الحج إلى مكة. تختزل شاهِمردان مشهد التحول الثقافي عشية الذكرى الــ 30 على انهيار اتحاد جمهوريات السوفياتي الاشتراكية في كانون الأول/ديسمبر 1991، فما هي حكايتها؟  

حمزة القتيل

  • تمثال حمزة نيازي أمام متحفه في كوكاند
    تمثال حمزة نيازي أمام متحفه في كوكاند
  • روبل حمزة التذكاري 1989
    روبل حمزة التذكاري 1989

قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي، أصدر مصرفه المركزي سنة 1989 قطعة نقدية معدنية تذكارية، عمل عليها فنانان سوفياتيان: الرسام كالوتكين والنحات نوفيتشكوف، لمناسبة الذكرى السنوية المئة لولادة حمزة حكيم زاده نيازي (1889-1929)، عرفت باسم "روبل حمزة".

وحمزة كان قاصاً ومؤلفاً مسرحياً وشاعراً وملحناً وباحثاً وناشطاً سياسياً، يعتبر شخصية رائدة في تطوير التقاليد الأدبية الأوزبكية. ويسجل له أنه كان رائد الحركة الأدبية الواقعية في بلاده، وأول كاتب مسرحي فيها، ومؤسس الموسيقى الأوزبكية الحديثة.

لعبت شاهِمردان ببحيرتها وجبالها الشاهقة دورين ثقافيين شعبيين مدهشين وصلا إلى حد التناقض.

وكان نيازي ملماً بالعربية والفارسية والروسية والتركية. وكرّس أعماله للقضايا الاجتماعية فحارب انتشار الخرافات، ودافع عن حقوق المرأة، ونادى بالعدالة الاجتماعية. وكان هاجس حمزة الأول خلال مسيرته الأدبية نشر العلم في أوساط الناشئة والارتقاء بالمجتمع، وحضّ على تقديس الكتاب، وله قصائد مشهور في ذلك، منها: 

"ينبوع ماء حي، بهجة الروح هو الكتاب

يَهِبُ الإنسان العاقل كل شيء، مثل الحياة 

بداية كل البدايات، لؤلؤة جرأة لا تقدر بثمن

مثل لقمان الحكيم في مواجهة المرض والمعاناة هو الكتاب

وللقلوب الحائرة هو كضوء القمر في الظلام

جذوة حماسة الروح ومنارة البصيرة هو الكتاب

درع واق من كل المآسي الطارئة

سيف في مواجهة الجهل والشر هو الكتاب

من يعكف على الكتاب في شبابه

فسيكون الكتاب صديقه ومعينه إلى الأبد". 

بات حمزة كاتباً وطنياً في جمهورية أوزبكستان الاشتراكية السوفياتية عام 1926، وقد أطلقت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأوزبكي في عام 1967 "جائزة حمزة" لتكريم الإنجازات البارزة في الأدب والعمارة.

وسمّت العديد من المؤسسات في أوزبكستان باسمه، بما في ذلك محطة مترو طشقند وثلاثة مسارح، بالإضافة إلى العديد من المدارس والشوارع، ورفعت له التماثيل والنصب التذكارية، وأحدها في مسقط رأسه شاهِمردان نفسها التي سمّيت آنذاك باسمه "حمزَآباد". 

 اتهم حمزة نيازي بأنه حرّض 23 امرأة على نزع حجابهن وبالقيام بأنشطة معادية للدين، فرجمه أهل بلدته حتى الموت.

إلا أن لحكايته جانباً آخر، ففي مقابل الاحترام الذي حظي به سوفياتياً، كان عليه مواجهة المجتمع المحلي التقليدي، وترافق ذلك مع موجة دعاية سوفياتية اجتاحت آسيا الوسطى كلها لتحرير المرأة ودعوتها الانتقال الفوري من الخدمة المنزلية إلى المصنع والحقل ونزع الحجاب.

قاومت المجتمعات المحلية هذه الموجة بما أوتيت من قوة، وقد اتهم حمزة بأنه حرّض 23 امرأة على نزع حجابهن وبالقيام بأنشطة معادية للدين، فرجمه أهل بلدته حتى الموت بتاريخ 18 آذار/ مارس 1929.

موقع القدم

  • جانب من مقام شاهمردان
    جانب من مقام شاهمردان
  • سورة الفاتحة على صفحة القنطرة الرئيسية للمدخل
    سورة الفاتحة على صفحة القنطرة الرئيسية للمدخل
  • على صفاف قربان كول
    على صفاف قربان كول
  • في الطريق إلى شاهمردان
    في الطريق إلى شاهمردان

انهار الاتحاد السوفياتي سنة 1991. تفككت جمهورياته وتناحرت بعض شعوبه على أسس قومية وعرقية ودينية. استردّت شاهِمردان اسمها، نفضت عنها غبار الشيوعية. هدم أهلها تمثال حمزة نيازي وأعادوا بناء مقام "سيد الناس" بأبهى حلّة رفعوا عليه لافتة "حضرت علي شاهِ مردان".

استعادوا حكايات الأجداد التي أرشدتهم إلى "قدم جاي" (موقع القدم)، حيث آثار أقدام محفورة في الصخور يعتقدون أنها للإمام علي بن أبي طالب، صهر النبي محمد ووالد سبطيه، وتشكل هذه الآثار درباً بين البحيرة ومكان المقام الواقع في منطقة جبلية ساحرة، فأحاطوه بعدد من القباب والمشاهد، التي تروي حكاية ظهور "سيد الناس" في منطقتهم.

ونشطت حركة الحج إلى بحيرة "قربان كول"، بعد تعزيز اعتقاد قديم لديهم بأن زيارتها 7 مرات يعادل الحجّ الواجب إلى مكة.

وقد خصص الباحث سيّار إبراهيم عليم دراسة وافية عن منابع تلك المعتقدات بعنوان "على آثارهم"، ربطه برهبة المكان وجماله، والمياه المتدفقة إلى البحيرة من منابع مختلفة. 

 على الرغم من جميع الصعوبات ما زال بعض الحجاج يجتازون الحدود قاصدين شاهِمردان معتقدين بأن معالمها مقدسة.

ويروي الباحث في التاريخ أندريه كودرياشوف (صور الزيارة الميدانية المرافقة للنص بعدسته من موقع وكالة "فرغانة")، قصة هذا المقام الذي كان موجوداً في القرن الــ 18، ودمر بالكامل مرتين في زلزالي 1822 و1899، ثم أعيد بناؤه حساب شاكرخان ميرزاخدباييف.

  • في قرية شاهمردان
    في قرية شاهمردان
  • مدخل قرية شاهمردان
    مدخل قرية شاهمردان
  • مدخل المقام
    مدخل المقام

لكن السلطات السوفياتية دمرته وسوّته بالأرض مطلع عشرينيات القرن العشرين. بقي على حاله لــ 70 سنة إلى أن تفكك الاتحاد السوفياتي وتمتعت أوزبكستان بالسيادة على أراضيها، فأعيد بناء المقام والقباب والشواهد حوله، واستعادت بحيرة "قربان كول" شعبيتها الدينية.  

لكن أهل البلدة الــ 5 آلاف سرعان ما وجدوا أنفسهم محاطين بأراضي دولة أخرى، فغدا الوصول إلى شاهِمردان متعذراً في معظم الأحيان على غير أهلها، ويحتاج إلى تأشيرة مرور من الدولة القرغيزية حيناً ويمنع أحياناً.

ولم يعد تدفق الزوار إلى بحيرة "قربان كول" و"الدرب المبارك" والمقام كبيراً. إلا أنه من الملاحظ أن عدداً لا بأس به من الحجاج على الرغم من جميع الصعوبات، يجتازون الحدود قاصدين شاهِمردان معتقدين بأن معالمها مقدسة.