"لا للفرنسية نعم للإنكليزية".. ماذا يحصل في المغرب؟

حملة شعبية في المغرب شعارها "لا للفرنسية نعم للإنكليزية". ما قصتها؟

مع بداية الموسم الدراسي الحالي في المغرب تعالت الدعوات إلى اعتماد اللغة الإنكليزية لغة أجنبية أولى بدلاً من اللغة الفرنسية، بعد تراجع ملحوظ لهذه الأخيرة لصالح اللغة الإنكليزية التي تحتلّ المرتبة الأولى عالمياً من حيث الانتشار.

باتت نسبة مهمّة من الشباب المغربي مقتنعة بأن اللغة الإنكليزية ستحقّق طموحاتها الثقافية والاقتصادية، خصوصاً بعد إنشاء عدد مهمّ من المعاهد البريطانية والأميركية لتعليم هذه اللغة التي استقطبت، في جلّ المدن المغربية، أعداداً مهمّة من التلاميذ والطلبة الذين يقود بعضهم حملة على مواقع التواصل الاجتماعي شعارها "لا للفرنسية نعم للإنكليزية".

وتدعو هذه الحملة إلى اعتماد الإنكليزية لغة أولى بدل الفرنسية، مثيرةً فكرة مناهضة التبعيّة لِلغة المستعمر، وضرورة الاعتماد على لغة تُعتبر لغة العصر والرقمنة والبحث العلمي وسوق العمل، خاصة أنها تتيح الانفتاح على ثقافات العالم والارتباط بالمستجدّات التقنية والعلمية عكس اللغة الفرنسية التي عرفت تراجعاً في عدد من دول العالم.

لذلك يرى الناشطون في حملتهم، باحثينَ وطلبة، أن من غير المنطقي الاستمرار في اعتماد اللغة الفرنسية لغة أجنبية أولى خصوصاً بعد تداول تصريحٍ لرئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوار فيليب نشره على صفحته في "تويتر"، مفاده أن "إتقان اللغة الإنكليزية بشكل جيّد يعني ضمان مستقبل أفضل، وكل طالب في نهاية المرحلة الثانوية سيكون قد اجتاز اختبار اللغة الإنكليزية بتمويل من الدولة".

وتأتي هذه الحملة الافتراضية الواسعة في ظلّ استمرار طغيان الفرنسية على المناهج الدراسية في المغرب؛ فهي تُدرَّسُ ابتداء من التعليم الأوّلي. أما اللغة الإنكليزية فلا تُدرَّس في المؤسّسات التعليمية العمومية إلا ابتداء من السنة الثالثة إعدادي، وتتراوح ساعات تدريسها  في المرحلة الثانوية بين 3 ساعات إلى 5 ساعات أسبوعياً حسب المسالك والشِعب.

وبالرغم من أن المغرب اعتمد منذ الموسم الدراسي 2014-2015 نظام المسالك الدولية في البكالوريا الذي يُتيح للتلاميذ حقّ اختيار اللغة الأجنبية في دراسة المواد العلمية، بقيَ واقعُ اللغة الإنكليزية هشّاً في المنظومة التربوية المغربية برعاية من الطبقة الفرنكوفونية المرتبطة ارتباطاً ثقافياً قوياً بفرنسا، والتي تحرص على عدم المَسِّ برمزيّة اللغة الفرنسية ومكانتها في المغرب، وترفض كلَّ ما توصف به من كونها أصبحت متجاوَزة وتعطِّلُ تنمية الشعوب التي تعتمدها ولم تعد منتجة في العلوم أو التكنولوجيا. 

وقد أثارت هذه الحملة اهتمام مراكز دراسات ومؤسّسات ثقافية مثل "المجلس الثقافي البريطاني"، الذي أجرى دراسة مستقلّة على 1200 شاب مغربي أظهرت أن الغالبيّة العظمى من الشباب المغربي يعتبرون اللغة الإنكليزية لغة حيوية لمستقبلهم ومستقبل بلادهم.

  • ندى الحجاري
    ندى الحجاري

وبحسب تقرير بعنوان "التحوّل إلى اللغة الإنكليزية في المغرب" والذي تزامن نشره مع "اليوم العالمي للغة الإنكليزية" في 23 نيسان/أبريل، أبدت غالبيّة كبيرة من الشباب المغربي، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 25 عاماً، رغبتهم في اعتماد اللغة الإنكليزية لغة أجنبية أولى في المناهج الدراسية والبحوث والإدارات.

وأظهرت الدراسة أيضاً أن 65٪ ممّن شملهم الاستطلاع يفضّلون لغة شكسبير على لغة موليير، ويعتقدون أن اللغة الإنكليزية ستتيح الوصول إلى تعليم أفضل ووظيفة في الخارج، وأن هناك جاذبية حقيقية للغة الإنكليزية في الطبقات المتوسّطة والثريّة، وأن الوظيفة الاقتصادية للغة الإنكليزية هي التي تجذب الشباب خصوصاً وأن عدداً من المؤسّسات والشركات وأرباب العمل في المغرب يشترطون أن تتضمّن الملفات الشخصية للمترشّحين للتوظيف ما يشهدُ بامتلاكهم لغتين أجنبيّتين على الأقل. 

  • تصريح إدوار فيليب
    تصريح إدوار فيليب

ولتقصّي وضع اللغتين الفرنسية والإنكليزية في المغرب، والوقوف على مدى تأثير التمدّد اللغوي الإنكليزي في الأوساط الثقافية والتعليمية، استطلعت الميادين الثقافية آراء بعض المتخصّصين والمهتّمين في هذا المجال.

يرى أستاذ اللسانيّات التطبيقية والتواصل الثقافي محمد كَمكَامي أن: "بنية الظاهرة اللغوية في المغرب أصبحت متشعّبة ومعقّدة نظراً إلى التطوّر العلمي والتكنولوجي الحاصل الذي نعيشه، ما ساهم في طرح إشكالات عدّة تخصّ التواصل اللغوي في المجتمع. وفي هذا الإطار لا بدّ من الرجوع إلى المسار التاريخي الذي يحكم تفاعل اللغات في مجتمع ما؛ فالعوامل الكولونيالية لعبت دوراً هاماً في التحكّم اللغوي الخاص بالمغرب، حيث لا يخفى الدور الفرنكوفوني المحوري في تجسيد اللغة والثقافة الفرنسيتين عبر العالم كوسيلة للتحكّم واستمرار السيطرة بعد حقبة الاستقلال".

ويضيف: "لكن في العصر الحالي ظهرت لغات عالمية أخرى تتحكّم في الاقتصاد والعِلم العالميين هما: الإنكليزية والصينية، جعلت كل طرف يعمل على كسب مزيد من التوسّع اللغوي والثقافي عبر أجندات لسانية، وذلك بإنشاء وتثبيت المدارس والمراكز اللغوية المختلفة والبعثات في جلّ ربوع المملكة، ما حتّم على السياسة اللغوية المغربية الانفتاح على هذه الامتدادات لما لها من جانب دبلوماسي حسّاس جداً في ميزان قوى العلاقات الدولية أبرزها الامتداد اللغوي الإنكليزي الذي استقطب شريحة كبيرة من الطلبة والباحثين والمثقّفين وأوقع الطبقة الفرنكوفونية في حَرَج كبير".  

أما رئيس "الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية" في المغرب فؤاد بوعلي، فيعتبر أن: "الفرنسية لغة متجاوَزة تساهم في تعطيل تنمية الشعوب التي تعتمدها، لأنها لم تعد لغة منتِجة سواء في مجالات العلوم أو التكنولوجيا أو حتى الأدب (....)، والشعوب التي خرجت من عباءة الفرنسية مثل رواندا التي أصبحت تعتمد الإنكليزية، تمكّنت من تحقيق نهضة اقتصادية بعد عقود من التخلّف، لهذا يجب النهوض بوضعيّة اللغة الإنكليزية في التعليم وجعلها لغة البحوث والانفتاح على سوق الشغل من دون التأثير على الوظائف التواصلية للغات الوطنية".

  • فؤاد بوعلي
    فؤاد بوعلي

وترى الباحثة في الأدب الإنكليزي ندى الحجاري أن الطالب لا يمكنه مواكبة أحدث الأبحاث والدراسات مواكبة دقيقة وسريعة إلا إذا كان مُلِمّاً باللغة الإنكليزية، فهي لغة قوية عالمياً "وتستمد قوّتها من تطوّر البحث العلمي والهيمنة الاقتصادية، خاصة في زمن العولمة الذي نعيش فيه، حيث تفرض  اللغة الإنكليزية نفسها كلغة عابرة للقارات في الإنتاج والسوق والتواصل عبر الأجهزة الذكية، لهذا لا يمكننا إنكار أهميّة تعلّمها وإتقانها منذ مرحلة التعليم الإبتدائي، لأنها ستكون جسراً بين التلميذ وطموحاته العلمية والاقتصادية، ولأنها فعلاً لغة البحث العلمي والإنتاج الفكري".

هذه الحملة لقيت دعماً من قِبَل بعض أساتذة اللغة الفرنسية أيضاً، مثل حسن بوخريص الذي يقول:" كوني أستاذاً للغة الفرنسية والترجمة لا يعني أن أكون مدافعاً عن اللغة الفرنسية، فهي من مخلّفات الاستعمار ومازالت تكرّس التبعية الثقافية لفرنسا؛ فأن تحب اللغة الفرنسية وتقرأ بها الآداب العالمية والفنون والفلسفة شيءٌ، وأن تدافع عنها لتعوّض اللغات الوطنية في الإدارات والشركات، أو تعتمد في المنهاج الدراسي لغة أولى بدل اللغة الأولى عالمياً، وهي الإنكليزية، شيءٌ آخر. أجل أرحّب باعتماد اللغة الانكليزية لغة أجنبية أولى، فهي لا شكّ ستحقّق الانفتاح الواسع على الثقافة العالمية والتطوّر العلمي، هذا مع ضرورة الحذر من السقوط في فخّ الانسلاخ الثقافي".

ويتّضح، بعد هذه الآراء، وبعد استقراء الواقع الثقافي واللغوي، أن الوضع اللغوي الفرنسي في المغرب دخل مرحلة حرجة بسبب الاهتمام المتزايد باللغة الإنكليزية من قِبَل الباحثين والطلبة، الذين تأسّست لديهم قناعة كبيرة بأهميّتها على الصعيدين الثقافي والاقتصادي، وبضرورة التعبير عن رأيهم بشكل منظّم ومؤثّر، فكان أن أسّسوا الحملة الافتراضية الواسعة الداعية إلى التخلّي عن الفرنسية واعتماد الإنكليزية لغة أجنبية أولى، وهذا يشير إلى أن هذه اللغة تحقّق شيئاً فشيئاً حضورها القوي بين فئات مختلفة من المجتمع المغربي التي أصبحت مقتنعة أنها سَتُعْتَمَد في الخمس سنوات المقبلة لغة أجنبية أولى في المغرب بعد إدراك قيمتها وأهميّتها في عالم اليوم.