مصر - حصاد الثقافة 2021: أعلام يرحلون وقضايا تعود إلى الواجهة

خسرت مصر في العام 2021 العديد من أعلام الثقافة، وشهدت الساحة الثقافية عدداً من القضايا التي عادت إلى الواجهة. إليكم التفاصيل.

مع انتهاء العام 2021 يمكن القول إنه كان عاماً ثقافياً بامتياز. فقد تفجّر خلاله العديد من القضايا المهمة، كما استطاعت وزارة الثقافة المصرية أن تثبت حضوراً ملحوظاً، سواء على مستوى الفعاليات والمعارض التي نظّمتها، أو من خلال حركة النشر التي لم تتأثّر رغم جائحة "كورونا". كذلك شهد هذا العام رحيل العديد من الأسماء الثقافية الهامة.

لعلّ أشهر القضايا الثقافية في مصر خلال العام 2021، تلك التي آثارها فيلم "ريش" في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعدما انسحب عدد من الفنانين المصريين، بينهم شريف منير وأشرف عبدالباقي، من العرض الخاص في الدورة الخامسة لمهرجان الجونة، بحجّة أن الفيلم"يسيء إلى الدولة المصرية".

موقف الفنّانين المصريين من الفيلم الروائي الأول للمخرج الشاب عمر الزهيري، أثار جدلاً حول ماهيّة الفن وتهمة الإساءة للدولة، وانقسمت الآراء ما بين تأكيد الإتّهام، وبين اعتبار انسحاب الفنّانين شكلاً من أشكال الوصاية على صُنّاعه، بحجّة أن رَصْد الفن الواقع لا يعني الإساءة، بل تبقى المسؤولية على عاتق من صنع واقعاً قبيحاً.

لكن هذه الأزمة انتهت بفوز فيلم "ريش"بجائزة أفضل فيلم عربي روائي طويل في "مهرجان الجونة"، وهو ما اعتبره البعض انتصاراً للفن بشكل عام، وللفيلم بشكل خاص. علماً أن "ريش" سبق وفاز بجائزتين في "مهرجان كان السينمائي".

في 5 كانون الأول/ديسمبر 2021، وقع حدث تاريخي تمثل في انتقال حق نشر أعمال الروائي نجيب محفوظ من دار "الشروق" إلى دار "ديوان"، بعد أشهر من المفاوضات بين إبنة الكاتب أمّ كلثوم وعدد من دور النشر المصرية والعربية.

كانت البداية مطلع الألفية الجديدة عندما أنهى نجيب محفوظ تعاقده مع ناشره الأول "دار مصر"، ليبدأ مرحلة جديدة مع "دار الشروق"، التي أصبحت في ما بعد صاحبة الحق الحصري في نشر أعماله بموجب عقد قيمته مليون جنيه.

ظلّت"الشروق" الناشر الرئيسي لأعمال أديب نوبل، لكن مع تزايد الشكوى من ارتفاع أسعار الكتب، وتدخّل الدار بالحذف والتنقيح لبعض أعمال محفوظ، توضّحت نيّة إبنة الكاتب في عدم الاستمرار مع "الشروق"، لاسيما مع اقتراب انتهاء العقد في نيسان/أبريل 2022، لتفتح الباب أمام عروض من دور نشر أخرى، والتي رست في المحصّلة على دار "ديوان".

وحصلت "ديوان" بموجب الاتفاق، على حقّ حصري بنشر جميع أعمال محفوظ وَرَقياً وصوتياً، وإلكترونياً بشكل جزئي؛ حيث تتشارك مع "مؤسّسة هنداوي" في الحقوق الإلكترونية، علماً أن الأخيرة حصلت على هذا الحق مؤخّرا ًولمدة 15 عاماً، على أن يبدأ سريان العقد في أيار/مايو 2022. وتشكّل "ديوان" لجنة من كبار النقّاد المصريين لمراجعة النسخ المطبوعة وإصدار طبعة محقّقة ومراجعة بدقّة.

"الثقافة" المصرية: مئات الفعاليات على مسارح الأوبرا

  • وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم
    وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم

بحسب بيان صادر عن وزارة الثقافة المصرية، فقد شهدت مسارح الدولة نشاطاً مكثّفاً خلال العام 2021. هكذا قدّمت "دار الأوبرا" المصرية على مختلف مسارحها، 926 فعالية فنية وثقافية متنوّعة. كما قدّم "البيت الفني للمسرح" 500 عرض في القاهرة والمحافظات، وقدّمت الفرق المسرحية التابعة لــ "الهيئة العامة لقصور الثقافة" 1950 عرضاً للفرق القومية والنوادي والتجارب النوعية على مستوى البلاد، فيما قدّم "البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية" 343 عرضاً.

كما نظّمت وزارة الثقافة مجموعة من المهرجانات الدولية والقومية، كانت منها الدورة الــ 30 من "مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية"، و"مهرجان قلعة صلاح الدين الدولي للموسيقى والغناء 29" ، و"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" بنسخته الـ 43 ، و"المهرجان القومي للمسرح المصري" في دورته الـ 14 ، و"مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي" في دورته الـ28 ، و"مهرجان التحطيب" في دورته الــ 11، إلى جانب الاحتفالات باختيار بور سعيد عاصمة للثقافة المصرية.

وضمن إستراتيجيّتها لنشر الكتاب بين المصريين والمساهمة في بناء الوعي الجمعي، أصدرت وزارة الثقافة ممثّلة في "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، و"الهيئة العامة لقصور الثقافة" و"المركز القومي للترجمة" و"المجلس الأعلى للثقافة"، و"دار الكتب والوثائق القومية"، 550 عنواناً جديداً بين مؤلّف ومُترجم عن اللغات الأجنبية.

ويأتي ذلك إلى جانب تنظيم 130 معرضاً للكتاب في القاهرة والمحافظات، كان أبرزها انعقاد الدورة الــ 52 من "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، بعد تأجيل 6 أشهر عن موعدها الأصلي بسبب جائحة "كورونا".

وأضافت الوزارة في بيانها إن عام 2021 شهد أكبر تحرّك مصري في مجال الدبلوماسية الثقافية منذ فترة طويلة، على الرغم من القيود التي فرضها فيروس "كورونا" على حركة التبادل الثقافي بين دول العالم المختلفة.

وحيد حامد ونوال السعداوي ومصطفى محرّم.. هؤلاء غيّبهم الموت في 2021

  • وحيد حامد
    وحيد حامد

كان الموت حاضراً منذ بدأ العام 2021. ففي 2 كانون الثاني/يناير رحل الكاتب وحيد حامد عن 76 عاماً. وهو يعدّ السيناريست المصري الأبرز طوال 5 عقود، قدّم خلالها عدداً من الأعمال السينمائية والدرامية التي نالت تقديراً نقدياً، وحقّقت نجاحاً جماهيرياً من بينها "البريء " و"طيور الظلام" و"اللعب مع الكبار" و"الجماعة".

بدأ وحيد حامد حياته المهنية بكتابة مجموعة قصصية بعنوان "القمر يقتل عاشقه"، حتى نصحه يوسف إدريس بأن يكتب للسينما، فكان منجزه الإبداعي الذي تجاوز 40 فيلماً ونحو 30 مسلسلاً تلفزيونياً وإذاعياً، خوّله نَيْل "جائزة النيل في الفنون" عام 2012 إلى جانب جوائز أخرى.

كما غيّب الموت نوال السعداوي، في 21 آذار/مارس عن عمر ناهز 90 عاماً. وتعدّ الراحلة من أشهر مَن دافعوا عن قضايا المرأة في العالم العربي، ذلك إلى جانب كتاباتها الروائية والقصصية، فقد صدر لها 40 كتاباً أعيد نشر بعضها وترجمتها إلى أكثر من 20 لغة، ونالت عدداً من التكريمات والجوائز الدولية.

في 22 نيسان/أبريل 2021 توفّى الكاتب والسيناريست مصطفى محرّم عن عمر 82 عاماً. اتّجه محرّم منذ منتصف التسعينات نحو الكتابة للدراما التلفزيونية، فكان أشهر أعماله مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" عن قصة لإحسان عبد القدّوس.

كما كتب محرّم أعمالاً درامية أخرى، منها: "عائلة الحاج متوليّ"، "ريّا وسكينة"، "زهرة وأزواجها الخمسة". وكان قبل ذلك كتب عدداً من الأفلام السينمائية، من بينها: "ليل وقضبان"، "أهل القمّة"، "ليلة القبض على فاطمة"، "الحب فوق هضبة الهرم".

وكان الفنان سمير غانم أشهر مَن رحلوا عن عالمنا خلال العام 2021، وقد توفّى يوم الخميس 20 أيار/مايو، إثر إصابته بفيروس "كورونا"، عن عمر ناهز الـ 84 عاماً. ويظلّ سرّ الصدى الكبير الذي خلّفه موته، بخلاف تاريخه الفني الكبير والمتنوّع، الذي جعل منه أحد أعمدة الكوميديا العربية، أنه لم يرحل منفرداً، بل تبعته بعدها بثلاثة أشهر تقريباً، زوجته وحبيبة عمره الفنانة دلال عبد العزيز عن عمر ناهز 61 عاماً إثر مضاعفات إصابتها بــ "كورونا".

في 17 آب/أغسطس، رحل شريك آخر في مسيرة سمير غانم. إنه الكاتب والسيناريست فيصل ندا، الذي كتب "المتزوّجون"، أشهر مسرحيات غانم وأكثرها نجاحاً. كما كتب أيضاً مسرحية "أهلاً يا دكتور". إلى جانب كتابته للسينما من بينها أفلام "يارب ولد" و"الشجعان الثلاثة" و"القاضي والجلاّد". وقد توفّى عن عُمر ناهز 81 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض.

أيضاً رحل هذا العام السيناريست المصري كرم النجار، عن عمر 76 عاماً، بعدما قدّم عشرات الأعمال ما بين السينما والتلفزيون، أبرزها فيلم "الصرخة" مع الفنان نور الشريف عام 1991، ومسلسلات "الرقص على سلالم متحرّكة"، "الأصدقاء"، "بابا نور". وكذلك مسلسل "لا إله إلا الله"، الذي أصبح به أول مسيحي يكتب عملاً عن النبي محمد.

كما طال الموت بعض الكتّاب الشباب، أولهم الكاتب أحمد مدحت، عن عمر يناهز 35 عاماً، إثر إصابته بفيروس "كورونا". وقد شكّل موته صدمة نظراً إلى جماهريّته الكبيرة، حيث كان يحظى بمتابعة 800 ألف شخص على "فيسبوك". وقد صدر له كتاب "التئام" عن "دار المصري للنشر والتوزيع"، كما صدرت له رواية "بسكاليا" عن نفس الدار.

لم تودّعنا 2021 من دون جرح أخير في جسد الثقافة المصرية، هو وفاة الشاعر الشاب حسام جويلي عن عمر ناهز 46 عاماً.

ويعدّ جويلي أحد أشهر شعراء ثورة 25 يناير، وقد عرف بكتابته للشعر بالعامية المصرية، وصدر له ديوان "بعد الأنا برسول" عن "دار إيزيس للنشر".

رحل حسام جويلي بأزمة قلبية حادّة، في مدينة دهب، التي اختار أن يسكنها، مبتعداً عن القاهرة بزحمتها وثورتها المهزومة، ليعود إليها جثّة، بينما أصدقاؤه يشيّعونه مردّدين آخر ما كتب على "فيسبوك":

قـُل سلاماً

لكل إللى جعل

من قلبه خيمة للـغريـب.

بعد أن عشنا في عام 2021 الكثير من الأحداث المهمة والمفصلية، يشرف هذا العام على الأفول، ولكنها ليست فقط نهاية عام عادية، هي بداية حقبة في حياة شعوب المنطقة والعالم.