قرية إيرانية سبقت المدن وشكّلت نموذجاً عالمياً.. كيف؟

ربما لم يدر في خلد من يشن الحرب على إيران أن هذه البلاد هي "أمّة" ضاربة في التاريخ والحضارة بكل ما في الكلمة من معانٍ، وهي تعد موطناً لأقدم الحضارات الكبرى في العالم، حيث يعود تاريخها الحضري والتاريخي إلى 7000 قبل الميلاد.

وعلى سبيل المثال، يبلغ عمر الولايات المتحدة 248 عاماً، حيث يعود تاريخ استقلالها إلى تصديق الكونغرس القاري الثاني للولايات المتحدة على إعلان الاستقلال في عام 1776..

و بمساحة تبلغ 1,648,195 كم²٬ تتميز إيران بموقع جيوسياسي يجعلها نقطة التقاء لثلاث مجالات آسيوية.

لن نغوص في التاريخ السحيق، فبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، واجهت هذه الجمهورية الفتية، حرباً أميركية غربية ضروساً، شملت شتى المجالات، وغطّت العقوبات كل مرافق الدولة والأرصدة والبنك المركزي والمصارف وقطاعات النفط والصناعة والطاقة والشركات والأفراد.

التقاء حضارات واجتراح معجزات

حتى يومنا هذا تجدد الولايات المتحدة، لا بل تشدد هذه العقوبات، بحججٍ فارغة وواهية، ويناضل الإيرانيون لبقاء نظام الثورة ودولتها، بالوسائل المشروعة كافة، في وجه أعتى أشكال الظلم والأحابيل والتأليب.

في هذا البلد الذي يشكّل التقاء حضارات منذ أمد التاريخ، برهن الشعب الإيراني على تعاضده وتميّزه، فهو اجترح رغم العقوبات الجائرة معجزات في مجالات الصناعة والتكنولوجيا والطاقة النووية والطب والفضاء وغير ذلك..

كما أن الحرب التي تُشنّ اليوم، لم تفت من عضد أبناء الجمهورية الإسلامية في إيران، بل متّنت اللُحمة الوطنية، والتفاف الشعب حول المرشد والقادة والجيش وحرس الثورة، لا بل عبّر معارضون  بانتماءٍ واندفاع عن وقوفهم إلى جانب بلدهم في وجه العدوان.

تشهد العاصمة الإيرانية #طهران وعدد من المدن الأخرى، اليوم الجمعة، مسيرات حاشدة تحت شعار "جمعة الغضب والنصر".

وتأتي هذه التظاهرات، التي تُعتبر الأولى من نوعها بعد بدء الحرب، في ظلّ عدوان إسرائيلي مستمر على #إيران، منذ ليل 13 حزيران/يونيو الجاري.#الوعد_الصادق_٣ pic.twitter.com/PiJWjn0X3J

— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) June 20, 2025

وعلى الرغم من استهداف العدو للمرافق المدنية والطبية والإسعافية والإعلامية والمنشآت الحيوية، ومنها مبنى التلفزيون الإيراني، إلاّ أن أفراد الشعب الإيراني أظهروا أرقى سبل التعاضد والمساعدة في هذا الظرف العصيب، وبينما يقبع المستوطنون في "إسرائيل"  في الملاجئ أو يجهدون للهروب من الكيان، لم يفارق الإيرانيون الساحات في صرخة تقول للعالم إنهم صامدون.

"ما رأيتموه.. والصوت الذي سمعتموه، هو صوت الاعتداء على صوت الحق والحقيقة."

كلمات المذيعة الإيرانية سحر إمامي، في اللحظات الأخيرة قبل أن يُستهدف مبنى التلفزيون الإيراني بالقصف الإسرائيلي.#الميادين #الوعد_الصادق_٣ pic.twitter.com/Ltc4oKNtgT

— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) June 19, 2025

 كما لفت مثلاً، تعاطي التجّار والبائعين إبّان الأزمة مع الناس من خلال بيعهم المنتجات برأسمالها، من دون ربح، وعبّر كثير من الفنانين والرياضيين والمشاهير، الذي يعيشون خارج إيران عن تضامنهم مع بلادهم..

مواطن إيراني يعبر عن شعوره العميق بالفخر لكونه إيرانيا، بعد موقف إنساني مؤثر عاشه في محافظة مازندران. ففي أحد المتاجر، اكتفى البائع بتقاضي رأس المال من قيمة مشترياته، بالنظر لظروف الحرب:
"الناس يتبادلون المودة بطريقة عجيبة وغريبة، تحية لهذا الأصالة ولهذا النبل. ستنتهي الحرب… pic.twitter.com/jwIq3ZMDvs

— مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) June 18, 2025

"بنيس" الصغيرة نموذج للاقتدار الإيراني

إذاً، رفل الإيرانيون في رفد وطنهم على مدى عقودٍ من الزمن، وهم تفانوا، لا بل تنافسوا لجعل مدنهم وقراهم في حللٍ قشيبة مهيبة، تدراكاً لمستقبلٍ واعدٍ باليُمن والعطاء، من هنا سنضيء على بلدة "بنيس" الصغيرة التي تحوّلت إلى مثالٍ للمدينة النموذجية بكل ما في الكلمة من معانٍ..

أذربيجان الشرقية... رحلة عبر الزمن

تتجاوز "أذربيجان الشرقية" كونها مجرد محافظة على الخريطة الإيرانية، لتصبح لوحةً تلتقي فيها عظمة الجبال بهدير الأنهار، وهمسات التاريخ بصخب الحاضر. هنا،حيث تتداخل ألوان الثقافة بين أسواقها النابضة بالحياة وريفها الساحر، تُكتب قصص تعود إلى آلاف السنين.
 ليست أذربيجان الشرقية مجرد وجهة سياحية، بل رحلة عبر الزمن تلامس جذور التاريخ وتستشرف المستقبل. كل زاوية فيها تحكي حكاية، وكل مشهد يُجسد إرثًا حضارياً لا يزال ينبض بالحياة. من الأسواق التقليدية إلى المناظر الطبيعية الخلابة، تقدم المحافظة تجربة فريدة تختزل جزءًا أصيلًا من تاريخ إيران وثقافتها المتجددة.

اليونسكو: "بنيس" قرية نموذجية للسياحة البيئية

وفي قلب محافظة أذربيجان الشرقية شمال غرب إيران، وعلى سفوح جبل "ميشو"، تقع قرية "بِنيس"(BENISS)، "النموذج الإيراني الفريد الذي كسر القواعد، وتحوّل إلى مدينة صغيرة بلا أمّيّين ولا عاطلين من العمل، بل ويحتضن أول جامعة قروية في البلاد أنشأها السكان أنفسهم"، كما تصفها وكالة "مهر" الإيرانية.

"بنيس"، التابعة لقضاء شبستر، تقع على بُعد 65 كيلومتراً من مدينة تبريز، وتمتاز بطبيعتها الساحرة وينابيعها العذبة، ما جعلها تُختار عام 1999 من قبل اليونسكو كواحدة من القرى النموذجية للسياحة البيئية في إيران.

لكن هذا لم يكن كل شيء..

اللافت هنا، أنه في هذه القرية الخلابة لا يتعدى عدد سكانها 2000 نسمة، نقع على بنية تحتية مذهلة: طرقات معبّدة، شبكات اتصالات، مراكز صحية، مياه شرب، كهرباء، غاز، ومدارس  وصولاً إلى الجامعة.

ففي "بنيس"، حرفياً، لا يوجد أميّ، ولا عاطل من العمل!

وعلى الرغم من أن الزراعة  موجودة،، لكن جلّ أبناء القرية يشتغلون في قطاع إنتاج الحلويات والمعجنات، أو في تجارة الورق والطباعة، وهم إلى كل ما تقدّم  بثقافة يتمتعون بثقافة تنموية جماعية عالية ولافتة.

حاج بیوک رسولوی و زنده کردن  روستای بیس

حاج بیوک رسولوی که نامی بزرگ و سازنده برندهای مشهوری چون نیلو و درنا است، تصمیم گرفت تا کارخانه‌‌ی دیگری را پایه‌ریزی کند. حاج بیوک رسولوی به خاطر دغدغه‌هایی که برای روستای آبا و اجدادی‌اش یعنی بنیس شبستر داشت، کارخانه بنیس که تولید کننده pic.twitter.com/QtuQqYu5Wk

— Amirreza Shokouh (@ARSH1388) July 5, 2023

نعم، فجهود الأهالي تعاضدت مع المساعي الحكومة، فأسست مرافق تعليمية وخيرية، كما شيدت أول جامعة قروية إيرانية عام 2003، تخرّج فيها أكثر من 1500 طالب حتى اليوم، وهي بالمناسبة تقدّم الدراسة عن بُعد في 22 تخصصاً.

🟥 رئيس الجمهورية يضع حجر الأساس للمشروع الوطني لنهضة بناء المدارس

وضع رئيس الجمهورية، مسعود بزشكيان، حجر الأساس للمشروع الوطني لنهضة بناء المدارس في محافظة خوزستان (جنوب غرب البلاد)، مرتديًا الزي المهني العمالي، في خطوة ترمز لدعم قطاع التعليم وتعزيز البنية التحتية المدرسية في… pic.twitter.com/c9vGp7Q6W1

— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) January 23, 2025

مرافق كاملة في قرية!

زدّ على ذلك، أن بنيس هي واحدة من القرى النادرة التي تمتلك منشآت حضرية بكل ما في الكلمة من معنى: بنوك، مركز بريد، بيت صحة، مستوصف، جامعة، مركز ثقافي، مسبحاً، 15 مسجداً، وملعباً رياضياً نموذجياً يتسع لـ 1200 متفرج!

نسبة البطالة "صفر"!

وفي مفارقة لافتة، قد لا نجدها في الدول والمدن التي تدعي الحضارة،  صرحت معصومة زاهدي، رئيسة إدارة المنطقة الوسطى من قضاء شبستر، أن نسبة البطالة في بنيس "صفر"، وأن المشكلة الأساسية باتت تتجلى في نقص الأيدي العاملة، خصوصاً في مواسم الذروة الصيفية، مع وجود مصانع ومراكز إنتاج غذائي تجذب العمال من مدن ومحافظات مجاورة.

وأشارت زاهدي إلى أن بنيس تُعد من أكبر مراكز صناعة "الكيك" والبسكويت والشوكولاتة في البلاد، وتتمتع بمنتجات ذات جودة عالية تُوزع في الأسواق، وتصدّر إلى دول العالم.   

وجهة سياحية وعلمية

تتمتع بنيس بمرافق سياحة ريفية وأيضاً صناعية، إذ تحتضن بساتين واسعة، طرقات نظيفة، خدمات فندقية، وحضانات، ما جعلها وجهة فريدة للراغبين في استكشاف نموذج التنمية الريفية الإيرانية الناجحة.