ما مصير القطع الأثرية المنهوبة والمحطمة في متحف السودان؟

بعد استعادة الجيش السوداني السيطرة على وسط العاصمة، فوجئوا بحجم الضرر الذي طال معروضات المتحف، وعلى رأسها "غرفة الذهب" التي كانت تضمّ "مقتنيات لا تقدّر بالمال عُمر بعضها نحو 8 آلاف عام".

0:00
  • قطع أثرية منهوبة ومحطمة في السودان
    قطع أثرية منهوبة ومحطمة في متاحف السودان (سونا)

يعتبر المتحف الوطني السوداني من أكبر المتاحف في السودان، وتم افتتاحه في العام 1971، ويوجد فيه آثار من جميع فترات الحضارة السودانية إبتداءً بالعصور الحجرية وحتى الفترة الإسلامية وتتضمن الفترات النوبية والمسيحية.

وقد تم تصميم الفَناء الخاص به ليكون بمثابة متحف مُصغّر مفتوح يشمل عدداً من المعابد والمدافن والنصب التذكارية والتماثيل بمختلف احجامها – والتي تم انتشالها قبل أن تغمرها مياه السد العالي.

وفي العام الماضي، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، من أنّ "التهديد للثقافة في السودان وصل إلى مستوى "غير مسبوق" في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً في ظل ورود تقارير عن "نهب المتاحف والمواقع التراثية والأثرية والمجموعات الخاصة".

حطام تماثيل وسرقة آثار!

واليوم، يقف التمثال الضخم للملك "تهراقا" الذي حكم مملكة كوش القديمة لأكثر من عقدين، وحيداً في باحة متحف السودان القومي في الخرطوم بينما تناثر حوله حطام تماثيل وزجاج صناديق العرض المهشّمة.

وبعد عامين من إعلان نهب المتحف، لا يزال البحث جارياً عن عشرات الآلاف من القطع الأثرية التي ظهر بعضها في دول مجاورة.

وفي السياق، تقول ممثلة النيابة العامة السودانية في لجنة حماية المتاحف والمواقع الأثرية روضة إدريس "لم ينجُ من آثار المتحف القومي سوى الآثار الكبيرة أو الثقيلة التي يصعب حملها".

وفي مدخل المتحف، تحوّلت الحديقة التي كانت تضمّ أشجاراً نادرة ونموذجا مصغّرا لنهر النيل إلى ساحة يملؤها العشب الجاف، محاطة بتماثيل آلهة الحرب الكوشية، فيما يحمل السقف آثار قذائف.

مصير "غرفة الذهب"!

ويقول المدير السابق لهيئة الآثار والمتاحف حاتم النور لوكالة فرانس برس، إن المتحف القومي كان "يضمّ أكثر من 500 ألف قطعة تغطي مساحة زمنية كبيرة جداً شكّلت التاريخ العميق للشخصية السودانية".

في آذار/ مارس، دخل موظفو قطاع الآثار المتحف للمرة الأولى منذ عامين، بعد استعادة الجيش السيطرة على وسط العاصمة، وفوجئوا بحجم الضرر الذي طال معروضات المتحف، وعلى رأسها "غرفة الذهب" التي كانت تضمّ "مقتنيات لا تقدّر بالمال... قطعاً من ذهب خالص من عيار 24، عُمر بعضها نحو 8 آلاف عام"، وفق مديرة المتاحف في هيئة الآثار السودانية إخلاص عبد اللطيف.

وتقول المسؤولة التي ترأس أيضاً وحدة متابعة الآثار المسروقة، إن هذه الغرفة "سُرقت عن بكرة أبيها".

وتشرح أن غرفة الذهب كانت تضمّ حُليّاً تعود إلى أفراد في الأسر الحاكمة "بعضها قطع فريدة جداً"، إلى جانب أدواتهم المذهّبة وتماثيل مزخرفة بالمعدن الثمين.

ويعود كثير من تلك المقتنيات إلى حضارة كوش التي ازدهرت بالتزامن مع الحضارة الرومانية على مدى آلاف السنين، واتخذت من مدن نبتة (كريمة حاليا) ومروي في شمال السودان، مقارا لحكمها. وهي موضع اهتمام كبير بين علماء الآثار الذين يجدونها لا تقلّ ثراء عن الحضارة المصرية القديمة رغم كونها أقل شهرة.

كما ضمّ المتحف القومي في الخرطوم آلاف التماثيل الجنائزية المصنوعة من الحجر أو البرونز وبعضها مشغول بالذهب أو الأحجار الكريمة، وتعود إلى حضارات تعاقبت في السودان.

فما هو مصير هذه الآثار؟

عمليات سرية 

وفي نهاية العام الماضي، دعت منظمة الأمم المتحدة للثقافة (يونيسكو) الجمهور إلى الامتناع عن الاتجار بالقطع الأثرية، مشدّدة على أهمية ما كان يحتويه المتحف من "قطع أثرية هامة وتماثيل ذات قيمة تاريخية ومادية كبيرة".

  • قطع أثرية منهوبة ومحطمة في السودان
    متحف السودان القومي

وقال مصدر مسؤول في هيئة الآثار السودانية لفرانس برس إن السلطات تتعاون مع دول الجوار لرصد واستعادة الآثار التي يتم تهريبها عبر الحدود.

لكن لم تظهر أي من مقتنيات غرفة الذهب أو التماثيل الجنائزية في مزادات الآثار أو مسارات السوق الموازية حتى اليوم.

وتؤكد مديرة المتاحف في هيئة الآثار السودانية إخلاص عبد اللطيف أن الحكومة السودانية بالتعاون مع الإنتربول واليونيسكو تقوم "برصد كافة الأسواق"، إلا أنها تعتقد أن الجزء الأكبر من عمليات تداول الآثار يتم بسرية وفي حدود ضيقة.

من جهته، أكد الإنتربول لوكالة "فرانس برس" انخراطه في جهود اقتفاء الآثار السودانية المسروقة، من دون أن يعطي مزيداً من المعلومات حول العمليات.

وأفادت إدريس عن توقيف مجموعة أشخاص في ولاية نهر النيل في شمال السودان "تضم أجانب وبحوزتها قطع أثرية"، مضيفة أن "التحقيقات جارية لنعرف من أي متحف خرجت تلك الآثار".

وأفاد مصدران في هيئة الآثار السودانية بأن إحدى المجموعات التي عبرت الحدود إلى مصر تواصلت مع الخرطوم بغية إعادة آثار مسروقة مقابل مبالغ مالية.

 110 ملايين دولار 

ولم تسلم المتاحف في مناطق الحرب الأخرى من النهب والتدمير، وتتحدث مسؤولة عن " نهب أكثر من 20 متحفاً في السودان، في الخرطوم والجزيرة ودارفور" منذ اندلاع الحرب.

وتضيف "ما زلنا نجهل حجم الضرر في المناطق التي لم يتمّ تحريرها بعد".

وتقدّر الهيئة القومية للآثار والمتاحف الخسائر والأضرار التي أمكن إحصاؤها "بـ 110 ملايين دولار أميركي"، وفق إدريس.

ففي أم درمان، على ضفة النيل المقابلة للخرطوم، تحمل جدران "متحف بيت الخليفة" آثار طلقات رصاص وقذائف مدفعية، بينما تحطمت مقتنياته التي تعود إلى القرن الثامن عشر.

ويقول النور "تمّ أيضاً تدمير متحف علي دينار في مدينة الفاشر، وهو المتحف الأكبر في إقليم دارفور"، ومتحفي الجنينة ونيالا في دارفور كذلك.

اقرأ أيضاً: في خضم الحرب.. نهب الآثار من متاحف السودان وبيعها عبر الانترنت

وشهد متحف نيالا في جنوب دارفور الذي أمسى "ثكنة عسكرية"،  "قتالاً شرساً" في محيطه، وفق مصدر محلي، يتابع قائلاً "أصبحت المنطقة مدمّرة تماماً"، و"لا أحد يستطيع التحرّك فيها باستثناء أفراد الدعم السريع".

 

منتصف نيسان/أبريل 2023 تندلع مواجهات عنيفة في الخرطوم وعدة مدن سودانية، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وتفشل الوساطات في التوصل لهدنة بين الطرفين.

اخترنا لك