أبحاث لبنانية هامة حول الكهرمان الأحفوري

تم الحصول بوساطة أطياف الأشعة تحت الحمراء، وبتقنية تحويل فورييه، على بعضٍ من مادة الكهرمان الجديدة للحفاظ على بصمتها الكيميائية، ومقارنة ملف بنيتها الكيميائية بملفات الكهرمان الأخرى التي جُمعت من لبنان. 

0:00
  • اكتشاف جديد يغني أبحاث العنبر اللبناني
    العنبر كما وجد في الصخور اللبنانية

منذ أن عقد المؤتمر الأول المتخصص بالعنبر اللبناني منذ نحو خمسة عشر عاماً في مدينة جبيل اللبنانية، واصل البحاثة اللبنانيون محاولاتهم لاكتشاف المزيد، وإجراء الدراسات التي تكشف كيف كانت الحياة الطبيعية في لبنان منذ ملايين السنين.

من أبرز المهتمين بالعنبر الدكتور داني عازار الذي يتابع الملف، مع أخصائيين آخرين، وهو يعتقد في كلام لـ "الميادين نت" أن "الكثير من العنبر اللبناني فُقِد في الحفريات العشوائية التي تجري في مناطق مختلفة من لبنان"، مبدياً تخوّفه من "فقدان المزيد بسبب غياب الوعي على أهمية العنبر اللبناني الموجود في غابة لبنان القديمة التي غطته لملايين السنين". 

حصيلة جديدة من الكهرمان الأحفوري

آخر مكتشفات العنبر حصيلة جديدة من الكهرمان الأحفوري في بلدة عكار العتيقة (قضاء عكار، شمال لبنان) خلال تنقيب جيولوجي حديث.

اكتشف الموقع المُرقَّم الحادي والثلاثين للكهرمان العنبري في لبنان أقاصي الشمال اللبناني، وهو الصنف من الكهرمان الذي يحتوي على شوائب بيولوجية، وهو الأكثر انتشارًا بين هذه الاكتشافات حتى الآن. 

وبنظر عازار، يُثري هذا الاكتشاف الأبحاث والمتابعات الجارية على التنوع الحيوي القديم، والبيئة الترسبية القديمة للساحل الشمالي الشرقي لغوندوانا خلال العصر الباريمي المبكر (The North-Eastern coast of Gondwana during the early Barremian). 

مواقع الكهرمان

وتذكر دراسة شارك عازار فيها أن لبنان يحتوي على العديد من مواقع الكهرمان التي تعود إلى العصر الكمريدجيان (Kimmeridgian)، ومئات منها إلى العصر الباريمي (Barremian) السفلي.

يذكر عازار في منشور خصّ "الميادين نت" به أن "هذا العدد الأخير في تزايد مستمر، حيث ثَبُت 30 نتوءاً صخريًا حتى الآن، وجميعها تُنتج شوائب بيولوجية”. 

ويذكر إنّ الكهرمان اللبناني يعتبر من أهم أصناف الكهرمان، إذ يُوثق التنوع الأولي للعديد من سلالات الحشرات الحيوانية الموجودة، واختفاء بعض مجموعات الحشرات القديمة، ويسجل هنا اكتشاف نتوء صخري جديد من الكهرمان يُنتج شوائب بيولوجية عُثر عليه في قرية عكار العتيقة، ويفيد إن "اكتشاف الموقع تمّ في 25 يونيو/حزيران 2024، خلال مسح جيولوجي في المنطقة”.

وفّر هذا النتوء الصخري قطعًا من الكهرمان بحجم سنتيمتر، وحُلّل الكهرمان المُستخرج كيميائيًا باستخدام "جهاز تحويل فورييه  الطيفي بالأشعة تحت الحمراء (FT-IR).

الموقع الجيولوجي

تقع المنطقة الجديدة المُنتجة للكهرمان في نقطة تعرف محليّاً ب"الصياح" في بلدة عكار العتيقة، ويفيد التقرير أن هذا البروز يتضمن طبقات من الحجر الرملي- يصفه التقرير ب"الدلتاوي المَصَبّي"،  و"الهامشي الساحلي"، حيث تتكون من طبقة من الصخر الزيتي الأخضر الداكن المائل للسواد والحجر الطيني. 

الكهرمان الذي عثر عليه كان بحجم سنتيمتري، بشفافية متفاوتة، بألوان الأبيض، والكريمي، والأصفر، والأصفر الداكن، والبرتقالي، والأحمر، وبقايا الليجنايت (Lignite)، وشظايا نباتية صغيرة في الطبقات الداكنة من هذا الموقع. 

  • الباحث عازار مع قطعة عنبر
    الباحث عازار مع مجسّم للعنبر

من الناحية الجيولوجية، يقع هذا البروز أو النتوء في الحجر الرملي الباريمي المبكّر من التكوين الطيني- "“Grès du Liban"- في الطبقات الباريمية السفلية التي تهيمن عليها الصخور السيليكوكلاستية، وقد ترسّبت في البيئة القديمة على ضفاف الأنهر، وجُمعت المواد من عكار العتيقة. 

قُطعت قطعة الكهرمان المحتوية على الشوائب يدويًا باستخدام شفرات حلاقة مُسننة، ثم صُقلت بورق "صنفرة" (برداغ أو sandpaper) ذي جودة عالية، مع "الدياتوميت"، ثم دُفنت العيّنة بين غطاءين مجهريين مع وسط "بلسم كندا" لتحسين الرؤية. 

فُحصت شوائب الكهرمان وأجسام البالينومورف (palynomorphs) المُستخرجة، وصُوّرت باستخدام كاميرا متخصصة(BX53). 

وُضعت عيّنات الكهرمان تحت المجهر المجسم Zeiss AxioZoom V16 وصُوّرت، ثم عولجت الأشكال والرسوم التوضيحية باستخدام برامج لتحليل الأشعة تحت الحمراء. وجرى سحق الكهرمان، وخلطه                                                                                                      مع بروميد البوتاسيوم (KBr)، وحُضِّرت كريات باستخدام مكبس يدوي هيدروليكي. 

وحُصِّلت الأطياف شديدة الدقة، باستخدام 40 مسحاً ضوئياً بدقة 4 "سم-1" (cm-1 )، وأُجريّ مطياف الأشعة تحت الحمراء بتقنية تحويل فورييه، وباستخدام مطياف بروكر فيرتكس (Bruker VERTEX)، ثم جُمعت الرواسب التي تحتوي على الكهرمان لإجراء دراسة حبوب اللقاح للموقع، واستنتاج بيئته القديمة.

 حُضِّرت هذه العينات وفقاً للطريقة القياسية لاستخراج أشكال حبوب اللقاح من مصفوفة الرواسب، وذلك عن طريق التعرض للأحماض في جهاز تبخير [حمض الهيدروكلوريك (Hcl)، وحمض الهيدروفلوريك (HF) على مدى عدة أيام، وحمض النيتريك (HNO3)]. 

المرحلة الباريمية السفلية

تم الحصول بوساطة أطياف الأشعة تحت الحمراء، وبتقنية تحويل فورييه، على بعضٍ من مادة الكهرمان الجديدة للحفاظ على بصمتها الكيميائية، ومقارنة ملف بنيتها الكيميائية بملفات الكهرمان الأخرى التي جُمعت من لبنان. 

ويعتقد عازار إنه من المفضّل إجراء مثل هذه التحليلات على الرغم من أنه من المعروف اليوم أنها ذات أهمية محدودة للغاية، لأن معظم أطياف الأشعة تحت الحمراء بتقنية تحويل فورييه للكهرمان متشابهة إلى حد كبير دون توفير بيانات دقيقة لتحديد الأصل النباتي للراتنج الأحفوري. 

ويخلص عازار إلى أن اكتشاف المزيد من العنبر من المرحلة الباريمية السفلية، كالتي عثر عليها في عكار العتيقة، تزيد من معرفتنا، وفهمنا، للتنوع الحيوي القديم، والبيئة القديمة للغابة العنبرية اللبنانية خلال العصر الطباشيري المبكر (Early Cretaceous period)، مؤكداً أن حفريات أكثر كثافة يجب أن تجرى على هذه الموجودات التي عثر عليها، وبذل المزيد من الجهود بهدف الحفاظ عليها.

 

 

 

اخترنا لك