كيف يتحدى هذا الباص اللبناني الحرب والاعتداءات الإسرائيلية؟

"أمل رغم الألم" مجدداً.. باص لبناني يزرع البسمة على وجوه أطفال الجنوب والقرى المحاذية لفلسطين المحتلة، فمنذ اللحظات الأولى للاعتداءات على لبنان لم يألُ المخرج الجنوبي قاسم إسطنبولي جهداً كعادته، في رفد ناسه وأطفال بلده، تعزيزاً للصمود الأهلي.

  • "باص" الفرح في قرى الجنوب اللبناني (غر افيك: حوراء علي)

13 نيسان/أبريل 1975 تاريخ مقيت ينبذه جميع اللبنانيين من ألوان قوس القزح الوطني كافة، هي ذكرى إطلاق النار على ما سميّ يومها بـ "بوسطة" (باص) عين الرمانة، واندلاع ما يسمّيه البعض "الحرب الأهلية" التي كادت أن تمزّق لبنان الذي لا  تتعدّى مساحته الـ 10452 كم2 إرباً، لولا الجهود الجبّارة والتضحيات الكبيرة والدماء الزكية.

من رحم المعاناة بُعثت الحياة، كان بصيص الأمل محفّزاً رغم قساوة الألم، اجترح الشعب اللبناني معجزات ومآثر، فكيف ينسى التاريخ صداح مكبّرات صوت "جيش" الاحتلال الإسرائيلي في ثمانينيات القرن الماضي وهي يقول "يا أهل بيروت، لا تطلقوا النار، نحن منسحبون".

في 18 نيسان/أبريل 1996 كان لبنان أيضاً مع عدوان "عناقيد الغضب" الإسرائيلي ومجزرة "قانا" في عقر دار مقر قوات "اليونيفل" الدولية، وبعدها تحرير الجنوب عام 2000،  وهزيمة العدو في عدوان تموز/يوليو 2006، إلى أن أتى "التحرير الثاني" من الإرهابيين عام 2017.

اقرأ أيضاً: التحرير الثاني... الضربة القاسية للمشروع التكفيري

البلد الذي هزم "العدوَّين"

كيف ننسى أن لبنان كان البلد العربي الوحيد الذي هزم العدوَّين الإسرائيلي والتكفيري، وأخرجهما من أرضه بقوة السلاح وشكيمة أهل الأرض، شعبٌ تحمّل الضنك والحصار الاقتصادي والمالي والعقوبات والتفجيرات والفتن المذهبية المقيتة.

يطلق مطلعون عبارة "شعب جبّار" على اللبنانيين، فهم  سبروا عبر الزمن أصقاع قارات الكوكب، وكانت للأدمغة اللبنانية وللمتعلمين والمثقفين والمبدعين الباع الطولى في شتى المجالات، ولن نغالي إذا قلنا إن هذه الأدمغة قدّمت إنجازات لدول الاغتراب وللبشرية.

اقرأ أيضاً: هل أودى "سلاح العلم" بـ "أديسون العرب" اللبناني في أميركا؟

  • المتطوعون والأطفال في صورة أرشيفية
    المتطوّعون والأطفال في صورة أرشيفية

موقع لبنان الجيو - سياسي قرب فلسطين المحتلة جعله في "عين العاصفة" والعدوان على الدوام، وهذا ما نشهده اليوم بعد العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، بحيث طالت الاعتداءات الإسرائيلية مناطق الجنوب اللبناني وغيره.

على جريّ العادة، هذا الشعب لا يستسلم و لا يقنط،  فإضافة إلى المقاومة المسلحة التي تردع العدو، هنالك مقارعة الكلمة والموقف والقلم والموقف والريشة والمعول و... الصمود هو الأساس، فعناصره تقتضي العطاء والتضحية من الجميع.

قاسم إسطنبولي: رافد من بلادي

هكذا هو الفنان اللبناني الجنوبي من مدينة صور قاسم إسطنبولي، الذي ينهض شاهداً على ما ذكرناه أعلاه في رفد ناسه ومجتمعه بالأمل والفرح، إن لم نقل بالعزيمة المكتنزة بالوطنية.

 الممثل والمخرج اللبناني، مؤسّس المسرح الوطني اللبناني، حاصل عام 2022 على جائزة "الشراكة الثقافية"، في المسرح الوطني اللبناني في مدينة طرابلس، وذلك لمساهمته في إعادة تأهيل وافتتاح عددٍ من دور العرض المقفلة في لبنان، كما نال في عام 2023 جائزة "اليونسكو - الشارقة للثقافة العربية"، في دورتها الـ19.

  • اسطنبولي متسلماً جائزة "اليونيسكو"

 

اقرأ أيضاً: قاسم إسطنبولي يحصل على "جائزة اليونسكو - الشارقة للثقافة العربية"

منذ لحظات العدوان الحالي على جنوب لبنان لم يألُ إسطنبولي جهداً في رفد ناسه وأطفال بلده، مواكبةً لما يجري على أرض الجنوب، وتعزيزاً للصمود الأهلي.

فقد نظّمت "جمعية تيرو للفنون في المسرح الوطني اللبناني" التي أسسها  مؤخراً  "مهرجان صور السينمائي الدولي"، وهو كما قال الفنان الشاب للميادين نت بمثابة "تحية إلى أهلنا في غزة وقامت بتنظيم ورش تدريبية للأطفال والشباب النازحين من الحرب من المناطق الحدودية منذ شهرين، وشارك في هذه الورش التدريبية نحو 300 متدرّب في ورش المسرح والرسم والأشغال اليدوية والحكواتي والدمى والتصوير الفوتوغرافي، كما تمّ تنظيم عروض أفلام ومسرحيات لهم وللأهالي الموجودين في المدارس وخصوصاً خلال عيد الفطر" .

  • إسطنبولي يتسلّم جائزة "اليونيسكو" (فيديو)

"باص الفنون" الجوّال

اللافت أنّ  "جمعية تيرو للفنون" بالتعاون مع "مسرح إسطنبولي"  تنظّم الورش التدريبية للأطفال والشباب النازحين من الحرب في جنوب لبنان من القرى والبلدات الحدودية في "المسرح الوطنيّ اللّبنانيّ المجاني"، في مدينة صور ، وهي تعمل على نقل الطلاب من خلال "باص الفنون" الجوّال الذي تمّ إطلاقه عام 2018 للعروض الجوّالة في المناطق من المدارس الرسمية التي توجد فيها العائلات النازحة بسبب الحرب، وعلى تنظيم ورش تدريبية لهم في المسرح والرسم والأشغال اليدوية والدمى والحكواتي وعروض الأفلام بشكلٍ يومي".  

اقرأ أيضاً: المسرحي قاسم إسطنبولي ينال جائزة "الشراكة الثقافية"

أهمية المقاومة الثقافية

 إسطنبولي أكد في جوابه عن سؤال الميادين نت، "ضروة المقاومة الثقافية وأهمية إقامة الورش التدريبية للأطفال والشباب في ظل هذه الظروف الصعبة، فهي بمثابة وسيلة للتعبير وللخروج من تداعيات الحرب الصعبة على جميع الأصعدة".

"المقاومة الثقافية" هي أن يكون المسرح مفتوحاً للناس في ظل الأزمات وأن يساهم المسرح من خلال الفنون في التخفيف من الضغوطات، وفي تقديم أعمال تنقل الحقيقة وتعكس معاناة الإنسان، وفي تحريض الجمهور على عدم القبول بالأمر الواقع والمساهمة في التغيير الاجتماعي، وأن يشكّل المسرح فعلاً مقاوماً من أجل الحرية والإنسانية"، كما يوضح إسطنبولي.

وتساهم الورش التدريبية في تحفيف الضغط النفسي عن الأطفال من جرّاء تداعيات الحرب، وفي التعبير الحرّ بمختلف الفنون". 

أمّا الهدف من "جمعية تيرو للفنون" التي يقودها الشباب المتطوّعون فهو "إنشاء مساحات ثقافية حرة ومستقلة في لبنان من خلال إعادة تأهيل سينما الحمرا وسينما ستارز في النبطية، وسينما ريفولي في مدينة صور والتي تحوّلت إلى المسرح الوطني اللبناني كأول مسرح وسينما مجانية في لبنان، وسينما أمبير في طرابلس التي تحوّلت إلى المسرح الوطني اللبناني في طرابلس".

وأيضاً تعكف الجمعية على "إقامة الورش والتدريب الفني للأطفال والشباب، وإعادة فتح وتأهيل المساحات الثقافية وتنظيم المهرجانات والأنشطة والمعارض الفنية، وتقوم بالتعاون مع مؤسسة دروسوس السويسرية على برمجة العروض السينمائية الفنية والتعليمية للأطفال والشباب، وعلى نسج شبكات تبادلية مع مهرجانات دولية وفتح فرصة للمخرجين الشباب لعرض أفلامهم وتعريف الجمهور بتاريخ السينما والعروض المحلية والعالمية".

المهم في عمل الشباب المتطوّعين أنهم أفردوا مساحة لعروض الأفلام الخاصة بالمكفوفين والصم، والورش التدريبية لذوي الاحتياجات الخاصة".

  • "باص" الفرح في قرى الجنوب اللبناني (فيديو)

ومن المهرجانات التي أسستها: مهرجان لبنان المسرحي الدولي، مهرجان شوف لبنان بالسينما الجوالة، مهرجان طرابلس المسرحي الدولي، مهرجان صور الموسيقي الدولي، مهرجان لبنان المسرحي الدولي للحكواتي، مهرجان صور الدولي للفنون التشكيلية، مهرجان أيام صور الثقافية، مهرجان لبنان المسرحي لمونودراما المرأة، ومهرجان لبنان المسرحي للرقص المعاصر، مهرجان تيرو الفني الدولي، ومهرجان صور المسرحي الدولي.