جهود للحفاظ على الفسيفساء التراثية في لبنان

تهديدات متنوّعة تتعرض لها الفسيفساء في لبنان، ومنها أعمال البناء الجديدة، والنهب، ونقص المهنييّن المدربين لإدارة احتياجات الحفظ المستمرة.

  • جهود للحفاظ على الفسيفساء التراثي في لبنان
    عمل الفريق على لوحة فسيفساء 

أقيم احتفال بمشاركة الهيئات المشاركة والمتعاونة في إقامة الدورة في مدينة صيدا جنوب لبنان ختاماً للدورة التدريبية لـ"حفظ الفسيفساء الأثري في المخازن"-مبادرة (موزايكون)، وهدف المبادرة الحفاظ على الفسيفساء القديمة في المخازن في جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط.   

الهيئات المشاركة في الدورة هي المديرية العامة للآثار في لبنان، و"معهد غيتي لحفظ التراث" (GCI)، و"المركز الدولي لدراسة صَوْن وترميم الممتلكات الثقافية" (ICCROM) من خلال مكتبه الإقليمي في الشارقة.

المبادرة مستمرة منذ 14 عاماً، ومنذ عام 2008، ساهمت في تدريب أكثر من 200 فرد في مجال حفظ الفسيفساء من بلدان جنوب وشرق حوض البحر الأبيض المتوسط.

في بداية الحفل الختامي، قام فريق العمل بمناقشة نتائج الاختبار الذي جرى بموجبه تقييم المتدرّبين، ومدى اكتسابهم للمهارات العمليّة، والمبادئ النظريّة لحفظ الفسيفساء في المخازن، ثم قدّمت الدكتورة عائشة بن عابد- منسقة برنامج "موزايكون”- محاضرة عن تاريخ الفسيفساء في حوض البحر الأبيض المتوسط، وشرحت أهميتها، وأنواعها، وأشكالها.

وقام المدير العام للآثار في لبنان المهندس سركيس الخوري، والدكتور زكي أصلان- مدير المكتب الإقليمي لحفظ التراث الثقافي في الوطن العربي (إيكروم- الشارقة)- بتفقّد موقع التدريب، واطّلعا على قطع الفسيفساء التي خضعت للترميم، والمخزن الذي جرت صيانته، ثم قاما بتوزيع شهادات المشاركة على المتدربين، وأثنيا على جهودهم، وأكدّا على أهمية متابعة أعمال ترميم الفسيفساء وتأهيل الكوادر الوطنية.

وبالمناسبة، تناول المهندس الخوري التحديات الهائلة التي واجهتها المديرية خلال العامين الماضيين، ذاكراً أن حالة الصون الرديئة للفسيفساء في محزن صيدا دفعتنا إلى وضع منهجيّات معالجة بسيطة، وغير مكلفة، ومستدامة لتخزينها على المدى الطويل وفقًا لاحتياجات لبنان".

أما المدير العام للمركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية (ICCROM) ويبر ندورو، فلفت إلى أنه "منذ أكثر من عقد من الزمن، حظيّ المركز الدولي لدراسة صَوْن، وترميم الممتلكات الثقافية، بشرف العمل مع شركاء ملتزمين ومشاركين بارزين ضمن مبادرة موزايكون"، مثنياً على  استمرار هذا الأمر في حين نعد قادة المستقبل ضمن الجهود المبذولة لحفظ تراث الفسيفساء".

تهديدات

تهديدات متنوّعة تتعرض لها الفسيفساء، ومنها أعمال البناء الجديدة، والنهب، ونقص المهنييّن المدربين لإدارة احتياجات الحفظ المستمرة.

جمعت الدورة ثمانية موظفين في المديرية العامة للآثار، واثنين من الموظفين الحكوميين في الأردن لتعزيز قدرة السلطات في هذين البلدين على الحفاظ على تراثهما الفسيفسائي، وتعلّم المتدربون من خلال التجربة العملية منهجية مختلفة للتوثيق، وحفظ الفسيفساء المرفوعة باستخدام ملاط الجير لتثبيتها، وإعادة تركيبها مرة أخرى، جنبًا إلى جنب مع أساليب وقائية تناسب تخزينها على المدى الطويل.

وحول هذا الموضوع، تحدّث توماس روبي، كبير أخصائيي المشروع في معهد غيتي لحفظ التراث، عن "أهمية عقد هذه الدورة في لبنان، وهو واحد من أولى الدول التي بدأنا فيها مبادرة "موزايكون" في الأصل"، معرباً عن ثقته بأن "المشاركين في الدورة التدريبية سيستفيدون من المعرفة والخبرة العملية المكتسبة خلال العمل التدريبي الميداني لمواصلة حماية التراث الأثري المعرض للخطر في المنطقة لسنوات قادمة، بالإضافة إلى توجيه المتخصصين في الحفاظ على الفسيفساء في المستقبل لمواصلة هذا العمل المهم".

وأشار إلى إجراء تمارين عملية مع المشاركين باستخدام أمثلة تضم مجموعة كبيرة من الفسيفساء مرفوعة من وسط بيروت، ومُخَزَّنة في صيدا من دون أي دعم منذ عام 1998، وبعد تقييم الأوضاع السيئة لقطعة فسيفساء واحدة، تم تنفيذ تدابير عاجلة لتوفير دعامات الملاط، وإزالة السطوح الخارجية المتدهورة المستخدمة في رفعها قبل عقود. 

 النموذج الأولي

كذلك، انتهت عمليات المتدربين الخاضعة للإشراف بنقل القطعة إلى نموذج أولي لوحدة رفوف تخزين معدنية للحفاظ على بقائها لفترة طويلة، ومن خلال المهارات، والمعرفة المكتسبة من هذه التجربة، يمكن أن تبدأ أخيراً المهمة التي سوف تستغرق عدة سنوات للحفاظ على المجموعة الكاملة من فسيفساء بيروت القديم ضمن مرفق التخزين المصمم لهذا الغرض بعد 25 عاماً.

أما الدكتور زكي أصلان فأعرب عن سعادته بتتويج عقدٍ من العمل مع دول البحر الأبيض المتوسط لمعالجة حفظ الفسيفساء بما في ذلك مناطق التخزين المخفيّة، والمُهمَلة في كثير من الأحيان، والتي تحوي على العديد من قطع الفسيفساء الرائعة، مثل تلك التي تمّ اكتشافها في وسط بيروت في التسعينيات”.

وقال أصلان: "تظل هذه القطع الفنية ومثيلاتها شواهد للأجيال القادمة، والأشخاص، والباحثين ليتعلموا منها، ويستمتعوا بها، وتستحق جهودًا متواصلة للحفاظ عليها من خلال تبنّي المنهجيّات التي قدّمها البرنامج، والتي سينشرها "قادة المستقبل" الذين شاركوا في دورات مبادرة "موزايكون".

وعُلِم أن المديرية العامة للآثار التابعة لوزارة الثقافة في لبنان ستقيم دورة تدريبية أخرى أخيرة لمبادرة "موزايكون" للفسيفساء المرفوع في جبيل بلبنان في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبرالحالي.

دورة صيدا استمرت من 10 تشرين الأول/ أوكتوبر) حتى4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 الجاري.

 أهمية الفسيفساء إنه إرثٌ حضاريّ قديم يؤشر إلى رُقيّ الحضارات التي اعتمدته، وثرائها، نظراً للتقنيّات العالية، والأكلاف الباهظة التي تتطلبها دقة صناعته من حجارة صغيرة ودقيقة بأحجام متساوية، لكن بألوان مختلفة، وتركيبها بلوحات فنية لفنانين مهرة، متخصّصين، ولا يستطيع اعتماده إلا الميسورين، والدول الغنية، لذلك يلاحظ انتشاره في الامبراطوريتين الرومانية، والبيزنطية، وفي الحضارة العربية الإسلامية، وتزدان به القصور، ودور العبادة، ويدلّ على رخاء هذه الدول في أزمنتها التاريخية المختلفة.