قلب الأرض يخبئ مخزوناً من الذهب والمعادن الثمينة تتسرب إلى السطح
خلال بدايات تكوّن الأرض، حين كانت النيازك تصطدم ببعضها البعض، تكوّن مستودع من المعادن الثمينة مع تشكّل النواة قبل نحو 4.5 مليارات سنة، وغالبية كمية الذهب أي أكثر من 99.95% توجد في النواة المنصهرة.
-
غالبية كمية الذهب على كوكب الأرض توجد في النواة المنصهرة إلى جانب عناصر ثقيلة أخرى مثل البلاتين
كشفت دراسة جديدة أنّ الذهب والمعادن الثمينة الأخرى تتسرّب من نواة الأرض إلى الطبقات العليا، لتصل في النهاية إلى السطح أثناء تكوّن الجزر البركانية مثل هاواي.
تأتي هذه النظرية نتيجة لتحليل استمر ثلاث سنوات لصخور البازلت في هاواي، والتي تشكّلت أصلاً من أعمدة تتكوّن من الصهارة تصعد من قاع المحيط.
وأشارت الأدلة المتمثّلة بوجود معادن ثقيلة في الصخور البركانية إلى احتمال تأكيد شكّ لطالما راود الجيولوجيين، مفاده أنّ نواة الأرض المنصهرة ليست معزولة، بل يحتمل أنها تنزف إلى الغلاف الصخري، وهو الطبقة الواقعة بين القشرة الرقيقة للأرض والنواة.
نيلس ميسلينغ، عالم الجيوكيمياء في جامعة غوتنغن بألمانيا، والمؤلف الرئيسي للتقرير الذي نُشر بتاريخ 21 أيار/مايو الماضي في دورية "Nature" قال إنه "قبل نحو 40 عاماً، ظهرت النظرية التي تقول إنّ النواة قد تكون تفقد بعض المواد لصالح الغلاف الصخري، لكنّ الإشارات التي حصلنا عليها حتى الآن كانت غير واضحة تماماً. أما الآن، فلدينا أول دليل قوي على أنّ جزءاً من النواة يصل فعلاً إلى الغلاف الصخري".
🇨🇳 CHINA JUST FOUND THE WORLD'S LARGEST GOLD MINE... MAYBE?
— Mario Nawfal (@MarioNawfal) May 31, 2025
Buried nearly 2 miles under a gold field in Hunan, geologists found something wild: what might be the largest gold ore deposit on Earth.
At first, they spotted 40 gold veins with about 330 tons of gold.
Then they ran… https://t.co/CpLePqyT3d pic.twitter.com/NGp5g0QV7v
غالبية كميات الذهب توجد في النواة المنصهرة
كان العلماء يعلمون بالفعل أنّ غالبية كمية الذهب على كوكب الأرض، أي أكثر من 99.95% بحسب ما ذكره ميسلينغ، توجد في النواة المنصهرة، إلى جانب عناصر ثقيلة أخرى مثل البلاتين.
خلال بدايات تكونّ الأرض، حين كانت النيازك تصطدم ببعضها البعض، تكوّن مستودع من هذه المعادن الثمينة مع تشكّل النواة قبل نحو 4.5 مليارات سنة.
لكنّ هذه الدراسة أوضحت أنّ كمية صغيرة على الأقل من الذهب قد وصلت إلى السطح، وإذا استمر هذا التسرّب، فقد يشقّ المزيد والمزيد من هذا المعدن الثمين طريقه من مركز الأرض إلى القشرة في المستقبل.
ماتياس فيلبولد، أستاذ في جامعة "غوتنغن" وأحد المشاركين بإعداد الدراسة، قال بدوره في بيان: "نتائجنا لا تُظهر فقط أنّ نواة الأرض ليست معزولة كما كنا نعتقد، بل يمكننا الآن أيضاً إثبات أنّ كميات هائلة من مواد الغلاف الصخري فائقة السخونة، تصل إلى مئات آلاف المليارات من الأطنان من الصخور، وتنشأ عند حدود النواة والغلاف الصخري، وتصعد إلى سطح الأرض لتكوّن جزراً محيطية مثل هاواي".
البحث عن المعادن الثمينة في قلب الأرض
-
قلب الأرض يخبّئ مخزوناً من الذهب والمعادن الثمينة تتسرّب إلى السطح
بهدف العثور على أدلّة لهذا التفاعل بين النواة والوشاح، حصل ميسلينغ وزملاؤه خلال الدراسة على بعض العيّنات من الصخور البركانية في هاواي من مؤسسة "سميثسونيان" في العاصمة الأميركية واشنطن.
قال ميسلينغ: "أخذنا بعض العيّنات بواسطة غوّاصة من بركان تحت البحر، لكن بخلاف ذلك، إنها في الأساس مجرّد صخور بازلتية عادية المظهر، بسيطة جداً، يمكنك أن تجدها بأيّ مكان في هاواي".
أضاف: "بدأنا بنصف كيلوغرام من الصخر، سحقناه إلى مسحوق، ثم أذبناه في الفرن باستخدام بعض المواد الكيميائية المختلفة، لننتهي بعيّنة على شكل سائل"، متابعاً: "من تلك العيّنة، استخرج الفريق جميع العناصر التابعة لمجموعة البلاتين، والتي تشمل البلاتين ذاته إضافة إلى العناصر الأقل شهرة مثل الروديوم، والبلاديوم، والإيريديوم، والأوزميوم، والروثينيوم".
ركّز العلماء على الروثينيوم، وهو معدن رمادي فضي نادر الوجود في قشرة الأرض بقدر ندرة الذهب تقريباً.
It is also interesting that the results of research by scientists from Göttingen University in Germany appeared almost at the same time. According to their analysis, as much as 99% of the world's reserves of gold and other precious metals are located in layers up to 3000 meters… pic.twitter.com/xiS3LsDl8J
— Djole 🇷🇸 (@onlydjole) May 30, 2025
وأشار ميسلينغ إلى أنّ "الوشاح الأرضي يحتوي على كميات شبه معدومة من الروثينيوم، وهو من أندر العناصر على وجه الأرض".
وتابع: "لكنّ الأرض تتكوّن أساساً من نيازك اصطدمت ببعضها البعض، وتحتوي النيازك على الروثينيوم، الذي انتقل إلى النواة عندما تشكّلت. لذا يكاد الوشاح يخلو من الروثينيوم، بينما تحتوي النواة على كلّ الروثينيوم. وينطبق الأمر ذاته على الذهب والبلاتين".
يتكوّن لبّ الأرض من طبقتين، الأولى كرة معدنية صلبة وساخنة من الحديد والنيكل تشكّل نحو 70%، ويبلغ نصف قطرها نحو 759 ميلاً (1,221 كيلومتراً).
أما اللبّ الخارجي وهو عبارة عن سائل معدني، فتبلغ سماكته نحو 1,400 ميل (2,253 كيلومتراً) ويمتد إلى عمق نحو 1,800 ميل (2,897 كيلومتراً) تحت السطح، أي إلى حدود الوشاح مباشرة.
في المقابل، فإنّ الوشاح، الذي يقع بين القشرة الخارجية للأرض واللبّ المنصهر، يتكوّن من صخور صلبة غالباً، وتبلغ سماكته نحو 1,800 ميل (2,897 كيلومتراً).
“Scientists discover Earth’s core is leaking gold and precious metals through volcanic activity”—@HealthRanger https://t.co/w5TEwwxwLz
— Brian Roemmele (@BrianRoemmele) May 28, 2025
ولتحديد ما إذا كان الروثينيوم المستخرج أصله من اللبّ وليس من الوشاح، درس الفريق نظيراً معيّناً، أو نوعاً محدّداً، من الرثينيوم يُعتقد أنه كان أكثر وفرة في المواد الأولية التي تشكّلت منها الأرض في بداياتها عندما تكوّن اللبّ قبل مليارات السنين.
أما بيدرو ووترتون، أستاذ مساعد في الكيمياء الجيولوجية بجامعة كوبنهاغن في الدنمارك، والذي لم يشارك في الدراسة فقال من جهته: "الغالبية العظمى من الذهب والمعادن الثمينة الأخرى مثل البلاتين، على الأرجح تمّ جلبها إلى الأرض من خلال اصطدامات نيزكية ضخمة في المراحل النهائية من تكوّن الأرض، وهي عملية تُعرف بالالتحام المتأخّر".
كذلك أشار وجود نظير الروثينيوم في عيّنات البازلت إلى أنّ جزءاً على الأقل من الصخور تكوّن من مادة مصدرها اللبّ المعدني المنصهر.
اقرأ أيضاً: أكثر المعادن إغراء.. لماذا يتنافس العالم على الذهب؟
وهناك إجماع على أنّ المواد التي تجمّعت خلال المراحل المبكرة من تكوّن الأرض لم تعد موجودة في السجل النيزكي.
وبحسب ميسلينغ فإنّ البصمة النظيرية في الصخور الناتجة عن البراكين النشطة مثل تلك الموجودة في هاواي تختلف تماماً عن أي صخرة أو نيزك معروف.
بمعنى آخر، فإنّ نظير الروثينيوم الذي وجده ميسلينغ كان قد حُبس في اللبّ منذ مليارات السنين، لذا فإنّ اكتشاف هذا النظير في الصخور البركانية اليوم أظهر أنه مقبل من اللبّ.
ما علاقة الذهب هنا؟
أوضح ميسلينغ بأنّ الذهب مشابه كيميائياً للروثينيوم، لذا إذا كان اللبّ يسرّب الروثينيوم، فهو يسرّب الذهب أيضاً بكميات مماثلة. ومع ذلك، ستكون هذه الكمية "ضئيلة للغاية". حتى لو أراد العلماء استخراج الذهب مباشرة من المصدر، أي من الحدّ الفاصل بين اللبّ والوشاح، فإنّ هذا العمق أبعد بكثير مما يمكن للتكنولوجيا الحالية حفره.
يبلغ هذا العمق في الواقع نحو 236 ضعف أعمق حفرة على الإطلاق، أي بئر "كولا" العميقة جداً في روسيا، التي يبلغ عمقها 7.62 أميال (12.3 كيلومتراً).
وبحسب ميسلينغ فإنّ الدليل على أنّ اللبّ ليس معزولاً يُعدّ مثيراً للغاية، لأنّ اللبّ والوشاح لا ينبغي أن يتفاعلا على الإطلاق: "كثافتهما مختلفة جداً، مثل الزيت والماء، لذلك من الناحية التقنية لا ينبغي أن يختلطا. ولا نزال نفتقر إلى آلية جيدة تفسّر سبب حدوث ذلك. نحن لا نعرف الكثير عن اللبّ في الواقع".
كذلك كشفت عيّنات الصخور من هاواي أنّ عملية التسرّب تستغرق ما بين 500 مليون إلى مليار سنة لتكتمل. أمّا إذا كانت عملية تسرّب المعادن الثمينة مستمرة، فقد يكون بعض الذهب الذي استخرجه البشر قد جاء من اللبّ، حتى وإن كانت كمية المادة المقبلة من اللبّ في كلّ صخرة ضئيلة، هو ما قد يفسّر السبب وراء تجدّد احتياطي الذهب في العالم.
وفي هذا الإطار أكدّ ميسلينغ: "هذه فكرة مثيرة للغاية، مع أنّ هذه العملية صغيرة وليس لها أي تأثير إذا نظرت إلى جزيرة واحدة فقط، لكن إذا وسّعت نطاقها على مدى 4.5 مليارات سنة، فقد تغيّر من تكوين الأرض".