"سيف البحر" و"ساحر الأوركسترا" في ليلة طربية إستثنائية

قامة طربية محترمة، التزم صاحبها الفنان "غسان صليبا" المدرسة الرحبانية وثابر على نهجها وفياً مبدعاً، وها هو ليل الخميس في 26 أيلول/سبتمبر الجاري، ضيفاً مشعاً على الأوركسترا الوطنية الشرق عربية بقيادة صاحب العصا السحرية المايسترو "أندريه الحاج" في سهرة على خشبة مسرح بيار أبو خاطر- الجامعة اليسوعية، بعنوان "لبنانيات"،استمرت مئة دقيقة، من الإمتاع السمعي، والإجادة النغمية لروائع لا تُنسى من المفكرة الإبداعية اللبنانية.

يصعب توصيف الحالة التي انتابتنا ونحن نتابع غناء الفنان "صليبا" الذي تنطبق عليه عبارة "يُغني كأنه لا يُغني"، هاضم لموروث كبير، ويتمتع بثقة كبيرة بالنفس، جعلته يبدو على الخشبة وكأنه يٌدندن لوحده، مسلطناً حيناً، ومتفاعلاً منسجماً حيناً آخر، وسط صالة ضاقت بالرواد (عدا عن الأعداد الغفيرة التي تجمعت عند بوابتي مبنى المسرح ومنعت من الدخول لعدم وجود مقاعد شاغرة) وتفاعل الحاضرون مع غناء "غسان"بشفافية، ولحظة بلحظة (كتبولي حبك، غريبين وليل، رح حلفك، الليل يا ليلى، من عز النوم، وطني بيعرفني، لمعت أبواق الثورة، زينوا الساحة) براحة، وانسجام وتطريب، وحركة لافتة على الخشبة كدليل على رضاه عن المناخ السائد مع الجمهور الحاضر، وعزفت الأوركسترا معزوفتي (قمر 14، ولونغا نهوند).
خيط رفيع ربط المايسترو بعازفيه الذين أثبتوا إجادة كبيرة ومتميزة في حضور العزف الراقي الذي يظهر عادة كلما قادهم المايسترو "الحاج"، وبالمطرب الذي نسّق معه على أرفع درجة من درجات التماهي والتقدير بين فنانيْن محترميْن يُقدران الفن الجميل ولا يرضيان بغير النخبوي، فيما كانت مشاركة نوعية لـ "كورال الغناء العربي في الكونسرفاتوار" الذي تدرب عناصره من الجنسين مع الفنانة "عايدة شلهوب زيادة"، وحصد الحضور النتيجة الإيجابية النموذجية التي تجعل من صانع التناغم بين العازفين والكورال والمطرب، سيد اللعبة المباشرة على الخشبة، فهو يحفظ عن ظهر قلب مهمة كل آلة فيدل عليها محفزاً إياها على الدخول في اللحظة المناسبة، ثم تمرير باقي الآلات بالسرعة والنمط نفسه حتى تكون الصورة النهائية متكاملة العناصر ونأنس نحن بالسمع والإحساس والتواصل الروحي لهذا المناخ الحميم والأقرب إلى القلب منه إلى الأذن.
هو موسم حفلات جديد للمعهد العالي للموسيقى – الكونسرفاتوار، والافتتاح بالفنان "صليبا" بركة وقيمة فنية ، لكن المطلوب تكثيف أو على الأقل مضاعفة عددها ما دام الإقبال الجماهيري عليها كثيفاً ونوعياً ويعبّر عن تقدير لكل ما له علاقة بالأصالة والتراث والفن الراقي، فلماذا لا يُصارإلى برمجة مختلفة تلحظ حفلات أكثر، ونجوماً أكثر، بدل مخاطبة الحضور بأن لا تكونوا معنا في الحفل المقبل وأفسحوا في المجال لغيركم كي يحضروا الحفلات، في دعوة علنية غير مقبولة ولا تليق بالكونسرفاتوار.