مسلسل "فوضى": "إبهار" إسرائيلي على حساب الفلسطينيين
هي علاقة مربحة بين نتفليكس و"إسرائيل"؛ مسلسلات عدة كان آخرها "فوضى" و"الجاسوس" و"عندما يطير الأبطال"، مواد دسمة، يشبع الطلب عليها جيوب نتفلكس ويحقق أهدافاً سياسية للشريك الإسرائيلي
-
مسلسل "فوضى"
ربما استنزف القائمون على الترويج للتطبيع العربي مع "إسرائيل" كل الوسائل السياسية والاقتصادية، وربما الاستخباراتية، لكنهم لم يفلحوا في اختراق المجتمعات العربية بالغالب، فلجأوا إلى الدراما والسينما للتأثير على اللاوعي العربي، وجعله يتقبل "الوجود" الإسرائيلي ويصل إلى مرحلة التعاطف ربما.
هذا الأمر استوجب تقديم هذا الصراع من خلال قوالب درامية وبصرية تختزن الكثير من المواقف الإنسانية، وقد كان لافتاً في هذه الفترة ما يحكى عن مسلسل كويتي "أم شاؤول" يتم التحضير لعرضه في رمضان، بينما كانت "نتفليكس" التي تحظى بمتابعة عربية مطردة، منصة لعرض مسلسل "فوضى".
"فوضى" مسلسل إسرائيلي من 3 أجزاء، يروّج لأفكار إسرائيلية. وربما تم اختيار منصة نتفليكس لتكون مكاناً لهذا الترويج الضخم، بعيداً من الخطابات السياسية التقليدية، بسبب انتشارها الواسع في البيوت العربية وخصوصاً في الأشهر الماضية.
يعتمد المسلسل على شخصية "دورن" الذي يعمل في وحدة إسرائيلية سرية تدعى "مستعرب"، هذه الشخصية المحورية في المسلسل ليست شبيهة بتلك الشخصية التي نراها حقيقة في نشرات الأخبار. هو لا يقتحم المنازل وحرمة البيوت. لا يقتل النساء والأطفال. هو ليس بالمغتصب لأرض فلسطين. على العكس، أرادت كاتبة المسلسل إظهاره بصورة الرجل المحترم، الشجاع والوفي، والأهم من ذلك شخصية العاشق. فهذه الشخصية تعد مادة دسمة للمشاهدين ليتعلقوا بـ"دورن"، ويغوصوا في تفاصيلها وينسوا ولو للحظات أنه "مستعرب".
تارة نرى "دورن" المتهور الذي يورط فريق عمله بالمتاعب، ويقتل. لكن تارة أخرى نراه في مشاهد إنسانية ولا يقدر أن يكبس على زناد مسدسه. لاحقاً يصبح رجلاً يتخلى عن عمله الخطر من أجل عائلته، كما يضع حياة أحبائه في خطر. ليعود ويفعل المستحيل لحمايتهم. ولكن في النهاية يظهر لنا "دورن" بشخصية الأب الشجاع والعاشق والذي يغفر لزوجته التي تخونه مع صديقه.
"دورن" أو "أمير محاجني" يدّعي أنه يعمل في الأمن الوقائي الفلسطيني يقع في غرام فتاة فلسطينية. أحداث المسلسل وتطوراتها تدور حول استغلاله لها في البداية من أجل عمله الاستخباراتي. ليقع في حبها لاحقاً. وبسبب الحبكة الدرامية يجد المشاهد نفسه يغفر للمستعرب كذبه، ويتعاطف معه.
يبدأ المسلسل من فوضى في غزة. ولكنه لا يقر بإنها من صنع الإسرائيليين، ويغفل المسلسل تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
نحن في الحاضر، والفوضى في كل مكان. وحدة سرية إسرائيلية تبحث عن "الفهد" الذي قتل أكثر من 100 إسرائيلي بينهم مستوطنين وجنود. إذاً الإسرائيليون باتوا هم في موقع الدفاع عن أنفسهم والمقاومة والثأر لدماء ذويهم.
يتعمد المسلسل إظهار الفارق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يظهر الإسرائيليون أصحاب مبادئ واحترام للصداقة، فيما الفسطينيون يبيعون من عاشروهم لمصالح شخصية. هكذا تحاول الكاتبة تصوير حركة "حماس" على أنها شبكة مفككة وأفرادها يبيعون بعضهم بعضاً عند أول مشكلة تواجههم.
من بين الشخصيات الأكثر إبهاراً في المسلسل، "الكابتن أيوب"، الرجل الصارم الذي يحقق مع الفلسطينيين ويحاول إقناعهم "بذكائه" ليشوا بأصدقائهم. ولكن في مواقف أخرى، يصوره العمل على أنه رجل "نبيل" يساعد كل من يقدم له العون في القبض على أسماء مطلوبة لدى الاستخبارات الإسرائيلية.
المسلسل يتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني والحصار الذي يعيش فيه. كاتبة المسلسل لم تصور حياة الفلسطينيين كما يرد في تقارير الأمم المتحدة التي حذّرت من أن قطاع غزة لن يكون مناسباً للسكن البشري بحلول عام 2020.
"فوضى" يجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم ويمحو الاحتلال العسكري بالكامل من خلال عدم إظهار معاناة الفلسطينيين والبنية التحتية المهترئة التي يعايشونها، والتي أوصلهم لها الاحتلال والحصار والاعتداءات العسكرية الإسرائيلية.
مقال نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرايئلية أشارت فيه إلى أن فيلم "عندما يطير الأبطال" الذي يعرض حديثاً على "نتفلكس" يشبه "فوضى" ويروي عطش محبي هذا النوع من المسلسلات.
هي ليست المرة الأولى التي تنتج فيها نتفليكس أفلاماً تدعم الرواية الإسرائيلية. ولكنها المرة الأولى التي يحتل فيها مسلسل إسرائيلي "الترند" (قائمة الأكثر تفاعلاً) على منصة "تويتر" في لبنان على شبكة قائمة المشاهدات في نتفليكس.
من بين المسلسلات على شبكة نتفلكس التي تدعم الرواية الإسرائيلية "من داخل الموساد"، وهو وثائقي شهد تحول الدعاية الإسرائيلية. هذا التحول بدأ منذ مدة قصيرة في أفلام ومسلسلات إسرائيلية كثيرة تتعمد إظهار الإسرائيلي بصورة أكثر إنسانية وتتحاشى إظهاره بصورة الكامل والمعصوم والجبار.
إذاً، هي علاقة مربحة بين نتفليكس و"إسرائيل"؛ مسلسلات عدة كان آخرها "فوضى" و"الجاسوس" و"عندما يطير الأبطال"، مواد دسمة، يشبع الطلب عليها جيوب نتفلكس ويحقق أهدافاً سياسية للشريك الإسرائيلي. فالهدف من البروباغندا الإسرائيلية، اليوم عبر نتفليكس، قلب الأدوار. أي إظهار الجلاد بصورة دفاعية تارة وأيضاً ضحية في مواقف أخرى.