إدارة ترامب تبني احتياطيات وتشتري حصصاً.. سباق عالمي على المعادن النادرة يرفع أسهمها

"فايننشال تايمز" تشير إلى أنّ سباق واشنطن لكسر هيمنة الصين على معادن الأرض النادرة رفع أسهم شركات التعدين إلى مستويات قياسية وسط دعم مباشر من إدارة ترامب.

0:00
  • عينات من معادن نادرة مُستقاة من إعادة تدوير البطاريات المستعملة في مصنع شركة
    عينات من معادن نادرة مُستقاة من إعادة تدوير البطاريات المستعملة في مصنع شركة "Lithion" في مونتريال الكندية (أ ف ب)

ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أنّ الولايات المتحدة دخلت في سباق اقتصادي واستراتيجي محموم مع الصين للسيطرة على سوق المعادن الأرضية النادرة، في وقتٍ تتصاعد فيه المخاوف من تحوّل هذه الموارد إلى ورقة ضغط جيوسياسية ضمن الصراع بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.

وأوضحت الصحيفة أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تخطّط لوضع سقوف للأسعار وإنشاء احتياطي استراتيجي من المعادن الأساسية، إضافة إلى الاستحواذ على حصص مباشرة في الشركات المنتجة داخل الولايات المتحدة وخارجها، في محاولة لبناء سلاسل توريد مستقلة عن الصين.

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإنّ هذا التحرّك الأميركي أحدث موجة صعود غير مسبوقة في أسهم شركات التعدين، إذ تضاعفت قيمة أسهم "MP Materials وUSA Rare Earth" و"Lynas" الأسترالية المدرجة في البورصة الأميركية خلال الأشهر الأخيرة، مع ارتفاعات متتالية في مؤشرات شركات المعادن الأساسية الأخرى مثل الليثيوم والكوبالت والجرمانيوم.

وأضاف التقرير أنّ واشنطن اشترت حصصاً في شركتين كنديتين "Lithium Americas" و"Trilogy Metals" خلال الشهر الماضي، في إطار سياسة (اعمل على المنجم - Mine It Policy) التي تتبنّاها إدارة ترامب لتسريع التصاريح وتقليص القواعد البيئية بهدف زيادة الإنتاج المحلي.

الصين تهيمن على أكثر من 70% من الإمدادات العالمية للمعادن النادرة

وأشار التقرير إلى أنّ البيت الأبيض يسعى لتقليص الاعتماد الكامل على الصين التي تهيمن على أكثر من 70% من الإمدادات العالمية للمعادن الأرضية النادرة، وهي مواد تُستخدم في الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية والطائرات المقاتلة من طراز "F-35" وصواريخ كروز وأنظمة الدفاع الجوي.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ الصين ردّت على هذه الخطوات الأميركية بفرض ضوابط تصدير جديدة تلزم الشركات الأجنبية بالحصول على موافقة مسبقة قبل تصدير أي مكونات تحتوي حتى على كميات ضئيلة من المعادن النادرة. كما أعلنت بكين عن إضافة 5 معادن جديدة إلى قائمة ضوابطها تشمل الهولميوم والإربيوم والثوليوم واليوروبيوم والإيتربيوم.

وقال تيموثي بوكو، مدير السلع في مجموعة أوراسيا، للصحيفة إنّ هناك اهتماماً استثمارياً هائلاً بهذا القطاع، موضحاً أن "عدد الشركات الغربية المدرجة في هذا المجال محدود جداً، ما يجعلها أهدافاً جذابة للمضاربة".

وأضاف أن بعض الشركات استغلت الزخم الإعلامي لجمع التمويل بسرعة، إذ جمعت شركة "ستاندرد ليثيوم" 130 مليون دولار في طرح عام، فيما أعلنت "كريتيكال ميتالز" جمع 50 مليون دولار من مستثمر مؤسسي لتطوير مشروعها في غرينلاند، وقد تضاعفت أسهمها 3 مرات منذ مطلع العام.

تحذيرات من فقاعة مالية في أسهم شركات التعدين النادرة

وفي السياق ذاته، كشفت "فايننشال تايمز" أنّ شركة "بيربيتوا ريسورسز" الأميركية، الساعية لإعادة تطوير منجم أيداهو لإنتاج الذهب ومعدن الأنتيمون، جمعت 425 مليون دولار في حزيران/يونيو الماضي من خلال طرح عام وخاص للأسهم.

لكنّ بعض المحللين حذّروا من أن الارتفاع السريع في أسهم شركات التعدين قد يحمل سمات فقاعة مالية، مشيرين إلى أن كثيراً من الشركات الصغيرة تصدر بيانات "غامضة وغير دقيقة" لتضخيم قيمتها السوقية.

وقال غاريث هاتش، مؤسس شركة "Strategic Materials Advisory البريطانية"، إنّ "الكثير من شركات التعدين الصغيرة للمعادن النادرة استفادت من حالة الهلع في السوق عبر إعلانات مبالغ فيها"، داعياً المستثمرين إلى "التروي ودراسة الوضع جيداً قبل ضخ الأموال".

وفي المقابل، رأى جاي دي سيلييه، الرئيس التنفيذي لشركة "Defence Metals" الكندية، أنّ تحديد أسعار أرضية مدعومة من الحكومة "خطير"، معتبراً أنّ السبيل الأفضل هو تراكم المخزونات الاستراتيجية لتثبيت السوق عبر وضع سعر مرجعي دائم.

وذكرت الصحيفة أنّ الإدارة الأميركية خصصت نحو مليار دولار لشراء المعادن الأساسية ضمن خطة لتأمين احتياجات صناعاتها الدفاعية والإلكترونية، بما يشمل الطائرات المقاتلة "F-35" وصواريخ كروز وأنظمة التوجيه المتقدمة.

واشنطن تستحوذ على حصص في شركات تعدين لتعزيز أمنها الصناعي

وفي تموز/يوليو الماضي، استحوذت الحكومة الأميركية على حصة 15% في شركة "MP Materials" بقيمة 400 مليون دولار، فيما حصل رئيس الشركة التنفيذي جيمس ليتينسكي على مكافأة أسهم بقيمة 15 مليون دولار بعد الصفقة. كما اشترت واشنطن حصصاً تتراوح بين 5% و10% في شركات تعدين كندية صغيرة، مما أدى إلى ارتفاع أسهمها ثلاثة أضعاف خلال ساعات من الإعلان.

ويرى ديفيد ميرمان، مدير الأبحاث في شركة "Project Blue" الاستشارية، أن ارتفاع أسعار الأسهم مدفوع بعوامل حقيقية، موضحاً أنّ "الشركات الكبرى مثل Lynas وMP ستضطلع بدور أساسي في سد الفجوة الناتجة عن قيود الصين على التصدير".

وأضاف أنّ "شركات التطوير الصغيرة تستغل هذا الزخم لتسويق نفسها كحليف محتمل للحكومة الأميركية، ما يرفع قيمتها السوقية ويخلق حالة من الضجة الإعلامية حول سوق المعادن النادرة".

وختمت "فايننشال تايمز" تقريرها بالتأكيد أنّ سباق المعادن النادرة بات يمثل فصلاً جديداً من الصراع الاقتصادي بين واشنطن وبكين، إذ تسعى الأولى إلى تحصين أمنها الصناعي والتكنولوجي، فيما تستخدم الثانية هيمنتها على سلاسل التوريد كأداة ضغط في مواجهة الضغوط الأميركية المتصاعدة.

اقرأ أيضاً: مستقبل الصراع على المعادن النادرة بين الصين والولايات المتحدة