بعد التضخم.. أميركا تحاول تفادي الانكماش الاقتصادي

الاحتياطي الفدرالي الأميركي يتطلع إلى إبطاء التضخم من دون أن يتسبب بانكماش اقتصادي، بالتوازي مع إقرار زيادة كبيرة في معدلات الفائدة.

  • بنك الاحتياط الفدرالي الأميركي
    بنك الاحتياط الفدرالي الأميركي

يأمل الاحتياطي الفدرالي الأميركي أن يتمكن مرة جديدة من إبطاء التضخم، من دون التسبب بانكماش اقتصادي، مع ترقب إقراره زيادة كبيرة في معدلات الفائدة الرئيسية، غير أنّ الموازنة بين التوجهين ستكون عملية دقيقة.

يأتي ذلك، بعد تحذير رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول، قبل أيام، من أنّ "شدّة التضخم فاجأت بشكل واضح السلطات النقدية"، محذّراً من "احتمال حدوث مفاجآت أخرى".

وقالت جولي سميث، أستاذة الاقتصاد في جامعة "لافاييت" في إيتون بولاية بنسلفانيا الأميركية، في حديث إلى وكالة "فرانس برس"، إنهم "يريدون أن يحاولوا تحقيق ما يطلقون عليه تعبير هبوط ناعم، من خلال محاولة تفادي انكماش".

وأضافت: "السؤال المطروح هو إن كان بإمكانهم تحقيق ذلك. إنه سؤال يصعب الرد عليه في المرحلة الراهنة".

وتابعت: "أعتقد أنهم سيزيدون المعدلات بمقدار 75 نقطة أساسية، لكن يبقى من الممكن أن يفاجئنا الاحتياطي الفدرالي".

ورأت سميث أنّ "أعضاء اللجنة النقدية سيناقشون على الأرجح هذه الفرضية"، لمجرد أنّ أرقام التضخم تبقى سيئة جداً في الولايات المتحدة. لكنها اعتبرت أنّ "المؤشرات الأخرى تفيد بأنّ الزيادات السابقة في معدلات الفائدة بدأت على الأرجح تعطي مفعولها، أقلّه لإبطاء الطلب في سوق السكن".

ووفق اللجنة النقدية في اجتماعها يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، فإنها ستُقرّ خلاله زيادة جديدة في معدلات الفائدة التي تتراوح حالياً بين 1,50 و1,75%.

لكن هذا الإبطاء المتعمد للنشاط الاقتصادي يجب الّا يكون شديداً إلى حد ينعكس سلباً على الاقتصاد، وبصورة خاصة على سوق العمل.

من جهته، قال دونالد كون، نائب الرئيس السابق للاحتياطي الفدرالي، في مقابلة مع "فرانس برس": "أعتقد أنّ انكماشاً طفيفاً مع بطالة أعلى من نسبة 3,7%، التي يتوقعها البنك المركزي الأميركي للعام 2022، سيكون ضرورياً لكسر هذه الدوامة التضخمية"، معتبراً أنّ انعدام اليقين "هائل".

ويبدو أنّ هناك إجماع حول فرضية زيادة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة (75 نقطة أساسية)، تساوي الزيادة التي أقرتها اللجنة في اجتماعها الأخير، في منتصف حزيران/يونيو الفائت، وكانت الأعلى منذ 1994.

وأورد أحد أعضاء هيئة حكام الاحتياطي كريستوفر والر مؤخراً احتمال زيادة قدرها نقطة (مئة نقطة أساسية)، ما سيكون أمراً غير مسبوق منذ الثمانينيات، حين كان رئيس البنك المركزي بول فولكر يواجه تضخماً يزيد عن 10%.

كذلك، سجلت السوق العقارية تباطؤاً شديداً بسبب أسعار الأملاك الباهظة ومعدلات الفائدة المتصاعدة.

"هامش مناورة" 

من جهتها، أوضحت كاثي بوستيانيتش، رئيسة قسم الاقتصاد في معهد "أوكسفورد إيكونوميكس"، في مذكرة أنّ "البيانات الاقتصادية الأخيرة تدعم زيادة في معدلات الفائدة قدرها 75 نقطة أساسية، ولو أنّه من الممكن بحث زيادة بمقدار مئة نقطة أساسية".

ورأت بوستيانيتش أنّ متانة سوق العمل والاستهلاك توفر للاحتياطي الفدرالي "هامش المناورة الضروري" لمواصلة زيادة معدل الفائدة الرئيسية بصورة سريعة.

وحذرت من أنّ احتمال تحقيق "هبوط ناعم" بنجاح تتراجع "مع تزايد احتمالات الانكماش".

وشددت وزيرة الخزانة جانيت يلين مؤخراً على أنّ "تحقيق ذلك يتطلب مهارات وتوافر فرصة"، معتبرةً في المقابل أنّ "وضع الاقتصاد الأميركي جيد إلى حد يتيح له تجنّب الانكماش".

وفي مواجهة الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الغذائية والسكن والسيارات وغيرها في الولايات المتحدة، يعمد الاحتياطي الفدرالي، منذ آذار/مارس، إلى زيادة معدلات فائدته الرئيسية تدريجياً.

ويهدف هذا الإجراء في ظل تضخم واصل تسارعه، في حزيران/يونيو، ليصل إلى 9,1% بمعدل سنوي، إلى جعل القروض أعلى كلفةً على الأسر والشركات على السواء، سعياً لإبطاء الاستهلاك وحلحلة الضغط تالياً على الأسعار.

وفي الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، دفع التضخم البنك المركزي الأوروبي أيضاً إلى زيادة معدلات الفائدة، يوم الخميس الماضي، ولأول مرة خلال أكثر من 10 سنوات، مُقرّاً حتى زيادة أسرع مما كان متوقعاً بلغت نصف نقطة، ما وضع حداً لحقبة النسب السلبية.

اخترنا لك