تراجع قياسي في السيولة النقدية بروسيا خلال 2025.. هل تتزايد الثقة بالبنوك؟

حجم السيولة النقدية في روسيا، يسجّل انخفاضاً قياسياً منذ ثلاث سنوات، متراجعاً بأكثر من تريليون روبل مطلع 2025، في إشارة واضحة إلى تزايد ثقة المواطنين بالمصارف، واتساع الاعتماد على الأدوات المالية غير النقدية.

0:00
  • مقر البنك المركزي الروسي في موسكو (رويترز)
    مقر البنك المركزي الروسي في موسكو (رويترز)

سجلت روسيا انخفاضاً حاداً هو الأكبر منذ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، في حجم النقد المتداول خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، حيث تراجع بمقدار 1.08 تريليون روبل ليصل إلى 17.4 تريليون، وفقًا لإحصاءات البنك المركزي الروسي.

ورجّحت صحيفة "إزفيستيا"، أنّ يكون السبب هو تغيّر في سلوك المواطنين المالي، فبحسب ما أكده المكتب الصحفي لبنك روسيا، فإن انخفاض حجم النقد المتداول يعكس تحولاً ملحوظاً نحو الادخار، مدفوعاً بارتفاع العوائد على الودائع.

وفي وقت بلغ فيه الحد الأقصى لعائدات الودائع 24%، بل وحتى 30% في بعض العروض الخاصة خلال ذروة الفائدة، أصبح من الممكن اليوم إيداع الأموال بعائد يصل إلى 20%، بحسب بنك "VTB"، ما دفع الكثيرين إلى إعادة النظر في الاحتفاظ بالنقد، وتوجيه مدخراتهم إلى البنوك.

إثر ذلك، قفز حجم الودائع الروسية إلى 39.5 تريليون روبل مع بداية عام 2025، بزيادة سنوية بلغت نحو 11 تريليون روبل، وفقاً لكريستينا أكسينوفا من بنك "BBR".

وفي حديث مع الصحيفة الروسية، قال المحلل الاقتصادي فلاديمير تشيرنوف، إنّ "الأموال المتدفقة إلى البنوك منذ بداية العام تراوحت بين 1.5 و2 تريليون روبل، وهو ما لا يُعزى فقط للسيولة النقدية، بل أيضاً لارتفاع الرواتب، وذلك في ظل توقعات بزيادة التضخم بنسبة 7 إلى 8% خلال العام الجاري".

من جهته، رأى فلاديمير إيفستيفيف، رئيس قسم التحليلات في بنك "زينيت"، أنّ "ظهور حسابات التوفير عالية العائد قد يُسهم في زيادة تدفق الأموال من السكان، إذ يُتيح هذا المنتج الحفاظ على سيولة الاستثمارات".

وأكد "بوست بنك"، تزايد اهتمام الروس بمنتجات الادخار، فمنذ بداية عام 2025 وحده، ارتفع عدد الودائع التي فتحها العملاء في البنك بنسبة 44%. وزاد متوسط المبلغ بنسبة 4% ليصل إلى 485 ألف روبل.

كذلك، أشار إلى أن اهتمام العملاء قد تحول من المنتجات قصيرة الأجل إلى المنتجات متوسطة الأجل.

وبعد بدء العملية العسكرية الخاصة وفرض العقوبات، سُجِّل طلب قياسي على النقد (1.4 تريليون روبل في 25 فبراير وحده)، ورفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي بشكل حاد إلى 20%، مما أدى إلى ودائع بعوائد أعلى من هذا المستوى.

وهو ما أدّى إلى انخفاض حجم النقد المتداول بشكل حاد، نتيجة سعي الروس لتحقيق عوائد مرتفعة وسط حالة من عدم اليقين، وفقاً لما ذكرته "AKBF".

وحينها في العام 2022، رفع سعر الفائدة الرئيسي بشكل مفاجئ من 9.5% إلى 20% دفعة واحدة، بحسب ما أوضحه فلاديمير إيفستيفيف من بنك "زينيت"، واستغرق الاقتصاد الروسي خمسة أشهر فقط لاستعادة توازنه والعودة إلى مستويات ما قبل الأزمة.

لكن بحسب الصحيفة الروسية،  المشهد في عام 2025 مختلف، بحيث أنّ دورة رفع سعر الفائدة بدأت منذ يوليو 2023، واستقرت عند مستوى 21% منذ أكتوبر 2024، ما يشير إلى نهج أكثر تحفظًا واستمرارية، لا إلى قرارات طارئة.

وعلّق فاسيلي كوتين، مدير التحليلات في بنك "إنغوستراخ"، قائلاً "إن ثقة الناس بالنظام المصرفي قد تعززت بشكل ملحوظ"، مشيراً إلى أنّ "الوضع لم يعد يبدو بنفس الخطورة، والمؤسسات المالية الروسية أصبحت أكثر خبرة ومرونة في التعامل مع التحديات الجيوسياسية، ونجحت في التكيف مع واقع اقتصادي معقد".

متى سيخفض البنك المركزي سعر الفائدة، وكيف سيؤثر ذلك على النقد؟

بدوره، أكد بنك "VTB" أن حصة النقد في المدخرات والاستثمارات، باستثناء منتجات التقاعد والتأمين، وصلت الآن إلى أدنى مستوياتها التاريخية خلال السنوات الست الماضية.

وأشار المكتب الصحفي للبنك المركزي إلى أن تطوير التقنيات المالية له تأثير طويل المدى على حجم النقد المتداول، وهذا ما يفسر نمو المدفوعات غير النقدية.

كريستينا أكسينوفا من بنك "BBR"، اعتبرت أنّ المواطنين اعتادوا على الدفع عبر التحويلات البنكية، وأن خدمات الدفع والتجارة الإلكترونية تتوسع بنشاط ويمكن القول إن "النقد أصبح قديماً".

وأشارت أكسينوفا، إلى أنّ هذا يعد أمراً إيجابياً بالنسبة للدولة، لأن تحويل الحد الأقصى الممكن من المعاملات إلى غير النقدية يسمح بشفافية أكبر، ويعقد المعاملات غير القانونية، ويزيد من تحصيل الضرائب.

وقال فلاديمير تشيرنوف من "فريدوم فاينانس غلوبال"، إن جزءاً من انخفاض السيولة النقدية قد يُعزى إلى تحسن النظام المصرفي في المناطق الجديدة.

وأوضح أنه بعد ضمها إلى روسيا عام ٢٠٢٢، تم تحرير كمية كبيرة من السيولة النقدية لتأمينها، كما بدأت البنوك الآن بتقديم خدماتها بنشاط هناك، وفتحت فروعاً لها هناك وطورت خدمات رقمية. وبالتالي، يتم تحويل جزء من السيولة النقدية إلى حسابات المواطنين.

ورجّح فلاديمير إيفستيفيف من بنك "زينيت" إلى أنّه "بعد أن يبدأ البنك المركزي في خفض سعر الفائدة الرئيسي، ستستمر الأموال العامة في البنوك في النمو".

اقرأ أيضاً: الخزانة الأميركية تفتح الباب لعودة روسيا إلى نظام "سويفت"

اخترنا لك