"سلاح يفقد فعاليته".. هل نشهد نهاية عصر العقوبات الأميركية؟

من المنطقي أن يسعى أعداء الولايات المتحدة لابتكارات مالية تقلل من مزايا عقوبات واشنطن إذا حصلت.

  • الخزانة الأميركية: واشنطن تعتزم فرض سقف لسعر النفط الروسي
    بحسب المجلة، أدّى الإفراط في استخدام سلاح العقوبات إلى فقدان فعاليته

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية مقالاً تحدث مطوّلاً عن "نهاية عصر العقوبات، كيف قام أعداء الولايات المتحدة بحماية أنفسهم منها؟"، ويناقش "إفراط الولايات المتحدة في استخدام العقوبات"، ويشرح كيف أدّى ذلك إلى فقدان هذا السلاح لقيمته وفعاليته على الصعيد الدولي، متوقعاً أنّ "الأيام الذهبية للعقوبات الأميركية قد تنتهي قريباً".

فمع اعتماد واشنطن بشكل متزايد على العقوبات، بدأ عدد من الدول المخالفة لسياساتها في تحصين اقتصاداتها ضد هذه الإجراءات، وقد ساهمت ثلاثة أحداث بالتحديد، وقعت خلال العقد الماضي، في إقناع هذه الدول بضرورة التصرف ضد أي عقوبات أميركية محتملة.

إيران، روسيا والصين

يعدد الكاتب أجاث دماريز أبرز ثلاث محطات أثبتت أهمية وجود خطط لمواجهة عقوبات واشنطن، ففي عام 2012، قطعت الولايات المتحدة إيران عن نظام "سويفت" النقدي العالمي، في محاولة لعزل البلاد مالياً، وقد لاحظ أعداء الولايات المتحدة وخصومها الآخرون ذلك، متسائلين عما إذا كان دورهم سيأتي لاحقاً. 

وفي عام 2014، فرضت الدول الغربية عقوبات على روسيا بعد أن ضمّت شبه جزيرة القرم، ما دفع موسكو إلى جعل الاستقلال الاقتصادي أولوية. 

وفي عام 2017، بدأت واشنطن حرباً تجارية مع بكين، والتي سرعان ما امتدت إلى القطاع التكنولوجي، من خلال تقييد تصدير التكنولوجيا الأميركية المرتبطة بصناعة وتطوير أشباه الموصلات إلى الصين، ما شكّل تحذيراً لخصوم واشنطن من إمكانية حظر وصولهم إلى تقنيات التكنولوجيا المهمة.

وقد أدّت هذه الحلقات الثلاث إلى ظهور ظاهرة جديدة، أطلقت عليها "فورين أفيرز" ظاهرة "مقاومة العقوبات".

 تنبع سلطة الولايات المتحدة في فرض عقوبات على الدول الأخرى من أولوية الدولار الأميركي من جهة، ونطاق رقابة الولايات المتحدة على القنوات المالية العالمية من جهة أخرى.

ومن المنطقي إذاً، أن يسعى أعداء الولايات المتحدة إلى ابتكارات مالية تقلل من مزايا عقوبات الولايات المتحدة إذا حصلت، وقد وجدت هذه البلدان، على نحو متزايد، الحلّ في اتفاقيات مبادلة العملات، وفي بدائل لـ SWIFT، وفي العملات الرقمية.

اقرأ أيضاً: تقرير: الحظر الأميركي لأشباه الموصلات لن يعيق قدرات الصين العسكرية

المقايضة الثنائية للعملات وربط البنوك المركزية

وأوضح المقال أنّ إحدى الطرق التي جعلت البلدان نفسها أكثر مقاومة للعقوبات هي من خلال مقايضات ثنائية للعملات، والتي تسمح لها بتجاوز الدولار الأميركي عبر ربط صفقات البنوك المركزية مباشرة ببعضها البعض، ما يلغي الحاجة إلى استخدام عملة ثالثة للتداول.

تبنت الصين هذه الأداة بحماسة، ووقعت اتفاقيات مبادلة العملات مع أكثر من 60 دولة، بما في ذلك الأرجنتين وباكستان وروسيا وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية وتركيا والإمارات العربية المتحدة، بقيمة إجمالية تقارب 500 مليار دولار، وبهدف واضح: تمكين الشركات الصينية من الالتفاف على القنوات المالية الأميركية عندما تحتاج إلى ذلك.

وفي عام 2020، وللمرة الأولى، قامت الصين بتسوية أكثر من نصف تجارتها مع روسيا بعملة أخرى غير الدولار الأميركي، ما جعل غالبية هذه التبادلات التجارية محصنة ضد العقوبات الأميركية.

حلفاء واشنطن يتجهون نحو البدائل 

وأشار المقال إلى أنّ رغبة الصين المتزايدة في التخلي عن الدولار الأميركي أمر مفهوم، بالنظر إلى الحالة السيئة للعلاقات بين واشنطن وبكين، لكن المشكلة أصبحت أن حلفاء الولايات المتحدة باتوا يبرمون أيضاً صفقات مبادلة العملات.

في عام 2019، اشترت الهند صواريخ S-400 للدفاع الجوي من روسيا، وكان من المفترض أن تؤدي الصفقة البالغة 5 مليارات دولار إلى فرض عقوبات أميركية، لكن الهند وروسيا أعادتا إحياء اتفاقية مبادلة العملات التي يعود تاريخها إلى الحقبة السوفياتية، فاشترت الهند الصواريخ الروسية باستخدام مزيج من الروبل والروبية الهندية، وتمّ تجنب العقوبات الأميركية التي كان من الممكن استخدامها لوقف البيع.

وبالإضافة إلى المقايضة، طوّرت بعض البلدان أنظمة دفع موازية، لتجنّب الاعتماد بشكل كامل على نظام "سويفت"، وتأمين بديل حاضر في حال تمّ فرض عقوبات اقتصادية عليها.

كما اتجهت بلدان مثل الصين إلى اعتماد عملة رقمية مرتبطة ببنكها المركزي مباشرة، ويمكن استخدامها داخل البلاد، وكذلك يمكن الدفع بواسطتها للشركات الصينية من المشترين من خارج البلاد، ما ألغى الاعتماد على الدولار أو نظام "سويفت".

نهاية الطريق؟

ترى المجلة أنّه على المستوى الفردي، لن يكون لاتفاقيات تبادل العملات وأنظمة الدفع البديلة والعملات الرقمية تأثير نهائي في فعالية العقوبات الأميركية، ولكنّ هذه الابتكارات مجتمعة تمنح البلدان بشكل متزايد القدرة على إجراء المعاملات من خلال قنوات مقاومة للعقوبات وآمنة.

ويبدو أن هذا الاتجاه لا رجوع فيه، إذ لا يوجد سبب للاعتقاد بأن العلاقات بين واشنطن وبكين أو واشنطن وموسكو ستتحسن في أيّ وقت قريب، والسيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن الأمور تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ما سيدفع بكين وموسكو إلى مضاعفة جهودهما في الالتفاف على العقوبات والتقليل من تأثيراتها.

وبطبيعة الحال، فإنّ تفاقم التجزئة في النظام المالي العالمي وتحوّله إلى جزر منفصلة عن بعضها يشكل تهديداً للدبلوماسية الأميركية والأمن القومي.

فبالإضافة إلى تقويض فاعلية العقوبات، سيكون لظهور القنوات المالية المقاومة للعقوبات تأثير في قدرة الولايات المتحدة التي ستكون لديها نقطة عمياء بشكل متزايد عندما يتعلق الأمر بالكشف عن الأنشطة العالمية التي تعدّها "غير مشروعة"، إذ يعدّ تتبع المعاملات المالية المشبوهة أو التي تأتي من بلدان معينة أمراً حيوياً لواشنطن.

وكلّ هذا يعني أنه في غضون عقد من الزمن، قد يكون للعقوبات الأحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة تأثير ضئيل، ومن المحتمل أن تصبح الإجراءات المتعددة الأطراف البديل الأفضل بالنسبة لها، لكنّ صوغ هذه العقوبات سيكون أكثر صعوبة، لأنه سيحتاج إلى إجماع وجهود دبلوماسية.

اخترنا لك