صمت دبلوماسي يعرقل محادثات التجارة بين ترامب والاتحاد الأوروبي

وسائل إعلام أوروبية تتحدث عن مقاطعة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للمفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، منذ عودته للرئاسة، ما يُعقّد فرص التوصل إلى اتفاق شامل بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

0:00
  • رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الأميركي دونالد ترامب (أرشيفية)
    رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الأميركي دونالد ترامب (أرشيفية)

منذ عودته إلى البيت الأبيض، لم يتواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بحسب ما أورد موقع "يورونيوز".

توتر العلاقات بين ترامب والاتحاد الأوروبي ليس بالأمر الجديد، إذ لطالما عبّر الرئيس الأميركي عن رفضه للمشروع الأوروبي، واصفاً إياه بـ"الكيان الاحتكاري" المصمم، حسب رأيه، للإضرار بالولايات المتحدة.

كما أعرب مراراً عن انزعاجه من تفضيل الأوروبيين لشراء منتجاتهم المحلية، بدلاً من السلع الأميركية، رغم تأكيده على محبته للدول الأوروبية كلٌ على حدة.

وقال ترامب خلال إعلانه عن فرض الرسوم الجمركية: "تظنون أن الاتحاد الأوروبي ودود؟ إنهم يخدعوننا، إنه لأمر محزن ومثير للشفقة".

في المقابل، تسعى بروكسل لتفنيد هذه الرواية من خلال استعراض الصورة الكاملة للتبادل التجاري بين الطرفين. ففي عام 2023، حقق الاتحاد الأوروبي فائضاً في تجارة السلع مع الولايات المتحدة بلغ 156.6 مليار يورو، لكنه سجّل في المقابل عجزاً في تجارة الخدمات بقيمة 108.6 مليار يورو، ما يعكس نوعاً من التوازن في العلاقة التجارية.

ورغم حجم التبادل التجاري والمصالح المشتركة، لم يحرز الجانبان سوى تقدم محدود لتفادي اندلاع حرب تجارية محتملة.

ومع مرور الوقت، بات الصمت بين ترامب وفون دير لاين أكثر إحراجاً، حيث حاول فريق رئيسة المفوضية، قبل تنصيب ترامب، ترتيب لقاء مباشر بين الطرفين، لكن المحاولات باءت بالفشل.

وسرعان ما تصاعدت التوترات بعد توليه المنصب، خصوصً ًمع إطلاقه تصريحات مثيرة للجدل مثل مهاجمته غرينلاند والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ما أثار استياءً واسعاً في أوروبا، وعرقل مسار الحوار السياسي.

وعلى الرغم من أن فون دير لاين لا تزال تُعرف نفسها بأنها "أطلسية مؤمنة" و"صديقة عزيزة للولايات المتحدة"، فقد أصبحت لهجتها أكثر صرامة. ففي مقابلة مع صحيفة "تسايت" الألمانية، صرّحت قائلة: "أوروبا لا تزال مشروع سلام. نحن لا نغزو جيراننا، ولا نعاقبهم، ولا تحكمنا أوليغارشية أو أخوة يضعون القواعد".

وفي هذا السياق، يتولى المفوض الأوروبي ماروش شيفتشوفيتش، قيادة المحادثات مع الجانب الأميركي، حيث عقد اجتماعات مع وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك والممثل التجاري جيميسون غرير.

وكان آخر اجتماع في واشنطن قد تطرق إلى مقترح الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاق "صفر مقابل صفر" للسلع الصناعية، وهو المقترح الذي سبق أن رفضه ترامب. كما شملت المباحثات قضايا مثل أشباه الموصلات، والأدوية، والطاقة الفائضة في قطاعي الصلب والألمنيوم.

لكن، تلك المحادثات لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن. وتخشى المفوضية من احتمال تراجع البيت الأبيض عن المهلة المؤقتة التي أتاحها تعليق ترامب للرسوم الجمركية.

ويُعقّد الموقف أكثر تهديد أميركي محتمل بفرض رسوم جديدة على قطاع الأدوية، حيث أبدت الولايات المتحدة في البداية بعض القلق بشأن تأثيرها على سلاسل التوريد، لكنها قد تتخذ خطوات فعلية دون انتظار نتائج التفاوض.

أما على صعيد التكنولوجيا، فتعبّر بروكسل عن مخاوف من نية واشنطن تقويض الإطار القانوني للفضاء الرقمي الأوروبي، خصوصاً قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية، اللذين يفرضان رقابة صارمة على شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "ميتا"، "غوغل"، "إكس"، و"آبل". وتخضع هذه الشركات حاليًا لتحقيقات قد تفضي إلى غرامات ضخمة في حال عدم الامتثال.

ومع تصاعد الخلافات واتساع الهوة بين الطرفين، يرى مراقبون أن المفاوضات الفنية الجارية، قد تؤدي إلى اتفاق مؤقت، إلا أن فرص استمراره تظل ضعيفة في ظل تغير المواقف المفاجئ داخل الإدارة الأميركية.

وحتى لو نجحت فون دير لاين، في ترتيب اتصال مباشر أو لقاء شخصي مع ترامب، فإن مزاجه المتقلب قد يشكل عقبة حقيقية أمام التوصل إلى تسوية دائمة، حتى بوجود مسؤولة محنّكة تمرّست في إدارة الأزمات المتعاقبة.

وكان ترامب قد قدّر احتمال التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي بنسبة "مئة بالمئة"، في تصريحات أدلى بها خلال استقباله رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، قائلاً: "إنهم يريدون ذلك بشدة، ونحن كذلك. أتوقع تماماً التوصل إلى اتفاق".

ويكتسب الاتفاق المحتمل أهمية خاصة للطرفين، وإن كانت الدوافع مختلفة. ففي حين يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تجنّب الآثار السلبية للتعريفة الجمركية البالغة 20%، التي أعلن عنها ترامب ثم علّقها لاحقاً، ترى الولايات المتحدة في الاتفاق فرصة لتهدئة الأسواق، وطمأنة المستثمرين، وتحقيق إنجاز سياسي.

زيارة ميلوني، الأولى من نوعها لزعيم أوروبي منذ إعلان ما يُعرف بـ"الرسوم الجمركية المتبادلة"، شكّلت مرحلة جديدة في المساعي الدبلوماسية. وفي اليوم السابق، التقى ترامب بوفد تجاري من اليابان، مؤكداً: "الجميع على قائمة أولوياتي".

ميلوني، التي تسعى لتعزيز دورها كلاعب رئيسي بين ضفتي الأطلسي، عبّرت عن تفاؤلها ودعت ترامب لزيارة رسمية إلى إيطاليا، وقالت: "أنا متأكدة من قدرتنا على التوصل إلى اتفاق، وأنا هنا للمساعدة"، موضحةً أنّه "لا يمكنني التعامل باسم الاتحاد الأوروبي".

وبسبب "الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة"، لا يمكن لترامب أن يعقد اتفاقاً مع إيطاليا دون التفاوض مع المفوضية، وتحديداً مع أورسولا فون دير لاين، التي لم يتحدث إليها منذ توليه الرئاسة.

وفي حين خفف ترامب من حدة تصريحاته في لقائه مع ميلوني، قائلاً: "لسنا في عجلة من أمرنا"، بدا أن وعود "المئة بالمئة" تراجعت، حتى قبل أن تُختبر.

وعند سؤاله عن إمكانية لقاء فون دير لاين، قال إن فريقه أجرى "عدة محادثات مع دول أخرى"، دون أن يأتي على ذكر رئيسة المفوضية، مكتفيًا بالتأكيد على موقفه بأن "الرسوم الجمركية تُغني أميركا".

اخترنا لك