السقوط الإعلامي.. كيف يزيّف الإعلام الغربي والإسرائيلي الحقائق لتبرير العنف في غزة؟

حملة تضليل واسعة تطلقها وسائل إعلام إسرائيلية وتتلقّفها كبرى وسائل الإعلام العالمية والأوروبية لتبرير العدوان على قطاع غزة، في ظل هجوم غير مسبوق على المدنيين في القطاع.

  • السقوط الإعلامي.. كيف يزيّف الإعلام الغربي والإسرائيلي الحقائق لتبرير العنف في غزة؟
    السقوط الإعلامي.. كيف يزيّف الإعلام الغربي والإسرائيلي الحقائق لتبرير العنف في غزة؟

خلال مقابلة على قناة "سي أن أن" الأميركية أجهش منسّق الاتصالات الاستراتيجية، في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي بالبكاء قائلاً، من الصعب النظر إلى تلك المشاهد، هؤلاء بشر، لديهم عائلات، وأصدقاء وأشخاص يحبونهم". 

جنرال البحرية السابق، لا يرى أن الملايين الذين قتلتهم الولايات المتحدة خلال حروبها في فيتنام، وأفغانستان العراق وليبيا وسوريا بشرٌ، ولا أولئك الذين قتلتهم "إسرائيل" على مدى قرن من الزمن في فلسطين ولبنان وسوريا، أشخاص لديهم عائلات ومحبون. 

500 ألف طفل قتلهم حصار الولايات المتحدة للعراق قبل الحرب، يبدو أنهم ليسوا بشراً بنظره كذلك.

وزير الدفاع الإسرائيلي قال قبل أيام إنه يحارب "حيوانات بشرية"، رئيسه المباشر بنيامين نتنياهو كرّرها، طفت إلى السطح سريعاً المفردات التي حاول الغرب وأدواته إخفاءها لوقت طويل بغطاء من الديمقراطية الزائفة.

ما زالت عقلية "السيد والعبد" توجّه سياساتهم وسلوكهم، بالطبع السيد هو الغربي، والعبد هو كل الآخر في المناطق الممتدة من شواطئ الأطلسي الأفريقية، حتى شواطئ الصين الشرقية، وما ورائهما في أميركا اللاتينية.

قبل وقت غير بعيد، في سبعينيات القرن التاسع عشر، ظهرت حدائق الحيوان البشرية في العديد من المدن الأوروبية الكبرى مثل باريس وهامبورغ ولندن وميلانو، كما ظهرت في المدن الأميركية مثل نيويورك وشيكاغو. 

اقتلع الغربيون بعض العائلات الآمنة من شعوب تبعد عنهم آلاف الأميال، واقتادوها ليعرضوها في مجموعات تضم البشر مع الحيوانات والنباتات، في تجسيد فجّ لهذه العقلية الغربية.

لاحقاً تغيّرت الأوضاع الدولية، مضت السنون، فتغيّرت المفردات، وغُلّفت المفردات المؤلمة، بأخرى ملوّنة، وأوكلت المهام القذرة للوكلاء.

صباح السبت 7 تشرين الأول/أكتوبر، بزغ فجر جديد، انتشرت مقاطع لتفجير دبابات الميركافا بطائرة مسيّرة، ربما تجارية، وليست حتى انتحارية، صُدم الكثير من الخبراء في جيش الاحتلال، ومن ورائهم حلفاؤهم الغربيون، زادت الصدمة مع تعطيل أسلحة ذكية، ومنظومات اتصالات ودفاع جوي استثمر فيه الاحتلال المليارات، من قبل المقاومة الفلسطينية بدقائق، ومن دون أدنى كلفة. 

انتقلت المواجهة إلى الميدان، لا مجال للمقارنة، الأرض تعرف أهلها، تجوّل المقاوم في الأراضي، التي اقتُلع منها أبوه أو ربما جدّه، وكأنّه يعرف كل حجر وحبة رمل فيها. 

من جهة أخرى تسرّبت من ميدان المواجهات مقاطع فيديو أخرى، تظهر أن لا مجال للمقارنة بين شجاعة تلك النخبة المقاومة، والمحاصرة بمائها وطعامها وكل ما تملك، وبين جندي الاحتلال المدرّب والمجهّز بأحدث الوسائل والتقنيات. 

خلال اقتحامات المقاومين للمنازل المقامة على أراضيهم، كانوا حريصين على أن لا يواجهوا إلا جنود الاحتلال، أو من يحاربهم.

ما الحلّ للورطة الإسرائيلية؟ وكيف يكون التعامل مع مشهد الصدمة والخزي اللذين لحقا بأقوى جيش في المنطقة؟

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أمر "بفرض حصار كامل على غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام. نحن نقاتل الحيوانات البشرية، ونتصرّف وفقاً لذلك"، إضافة إلى إغلاق كامل للمعبر الوحيد بين مصر وقطاع غزة، بل وقصفه عدة مرات خلال يومين.

لم تكفِ هذه التوصيفات في الساعات الأولى لتجييش الرأي العام العالمي، المسيطر عليه أصلاً من قبل الإعلام الموالي للرواية الصهيونية، فبدأت حملة افتراء على المقاومين على أعلى المستويات السياسية والإعلامية، ونقلت قناة "آي 24" الإسرائيلية في تقرير لها، رواية عن أكثر من 40 طفلاً إسرائيلياً "قتلتهم المقاومة، بل وقطعت رؤوسهم".

تلقّفت القنوات العالمية الادعاء وبدأت بتكراره، من دون أدنى تدقيق أو تحقيق، في مخالفة لأدنى أساسيات العمل الإعلامي والصحافي. لم يتوقّف الأمر عند وسائل الإعلام، بل همس نتنياهو في أذن بايدن عبارات عن "قطع الرؤوس وقتل الأطفال والعائلات" فخرج الرئيس الأميركي ليكرّر أقوال نتنياهو كما سمعها. فأخذت الرواية "إقراراً" رسمياً من كل من بايدن ونتنياهو، وشهدت انتشاراً أوسع.

حماس تكذّب بايدن ونتنياهو

حركة المقاومة حماس نفت ما ألحق زوراً بحقّ مقاوميها؛ أصدرت بياناً أكدت فيه أن المقاومين لا يستهدفون الأطفال، وطالبت وسائل الإعلام الغربية توخي الدقة، وعدم الانحياز بشكل أعمى للرواية الصهيونية المليئة بالأكاذيب والافتراءات.

أثارت هذه الأخبار دهشة عدد من المتابعين الغربيين،خاصة أن القناة الـ 12 الإسرائيلية، نشرت مؤخّراً مقابلة مع مستوطنة كانت تسكن إحدى المستوطنات المحاذية لقطاع غزة (مستوطنة كفار عزة المستوطَنة نفسها التي زُعم أنها شهدت مقتل 40 طفلاً وقطع رؤوسهم) أثناء اقتحام المقاومين لتلك المستوطنات خلال ملحمة "طوفان الأقصى".

تروي المستوطِنة خلال المقابلة قصتها مع المقاومين الستة الذين دخلوا منزلها، قالت لهم بالإنكليزية: لدي ولدان، معي أطفال! 

فردّ عليها المقاومون: "لا تقلقي نحن مسلمون لن نؤذيكم"، تتغيّر علامات وجه المرأة مستغربة حين تتذكّر القصة، وتكمل أنّ كلام المقاومين فاجأها لكنه طمأنها في الوقت نفسه.

تتحدث المرأة عن طفليها كيف أن أكبرهما خاف قليلاً من شكل السلاح بحوزة المقاومين، وهذه إشارة أخرى أنهم حتى لم يرفعوا أصواتهم على العائلة المستوطنة، بينما كان الصغير يلعب بجهازه اللوحي، ولم ينتبه إلى شيء.

تضيف المستوطنة أن المقاومين تحدّثوا إلى بعضهم بالعربية، فسألها ولدها هل يتشاورون عن طريقة الاعتذار؟ ويستأذنها أحد المقاومين بأكل موزة.. لم تسمح له أخلاقه بأن يأخذها من دون إذن من مستوطنة اغتصبت أرضه وهجّرته وأهله منها.. ثم  يغادر المقاومون المنزل بعد ساعتين. 

أخلاق المقاومين.. موثّقة بعدسة الكاميرات

مقطع فيديو آخر انتشر لمقاوم فلسطيني داخل إحدى المستوطنات، تظهر إلى جانبه امرأة عجوز مريضة، تجلس إلى جانبها فتاة، يتحدث المقاوم في المقطع أنه "تنفيذاً لوصية رسول الله (ص) لايؤذي هذه المرأة، كون رسول الله أوصى أن لا نقتل امرأة، ولا شيخاً ولا طفلاً، ولا عابداً في صومعته" وأكد المقاوم بأنهم "قتلوا من حاربهم فقط".

كذبة عصية على التصديق

بعد انتشار كذبة "ذبح الأطفال" بشكل واسع بدأ البعض القليل بتحرّي القصة، عدة صحافيين متابعين للشأن الإسرائيلي على الأرض تابعوا القصة وحقّقوا فيها. الصحافي الإسرائيلي أورين زيف غرّد على منصة "إكس" قائلاً "لم نرَ خلال الجولة في كفار عزة أي دليل على ذبح حماس للأطفال، من المؤسف أن إسرائيل ستستخدم الآن هذه الادعاءات الكاذبة لتصعيد قصف غزة، وتبرير جرائم الحرب التي ترتكبها هناك".

كذلك علّق الصحافي الفرنسي المستقل صامويل فوريه على الأمر قائلاً: "كنت في كفار عزة أمس، لم يخبرني أحد عن عمليات قطع الرؤوس، ولا حتى عن 40 طفلاً مقطوعي الرؤوس"، أضاف الصحافي في منشوره "لقد تواصلت مع اثنتين من مقدمات خدمات الطوارئ اللتين قامتا بجمع عدد من الجثث، كلتاهما تقولان إنهما لم تشهدا مثل هذه الانتهاكات".

كبيرة المراسلين في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية بيل ترو نفت نشرها أخباراً عن "الأطفال مقطوعي الرؤوس" في "كفار عزة" قائلة: "لم يتمّ عرض الجثث علينا". 

حتى المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يستطع تأكيد الرواية لعدم وجود أدنى أدلة تدعمها، لا من قريب أو من بعيد.

استمرار جرائم الحرب 

لكن "جيش" الاحتلال الذي نفى المتحدث باسمه رواية الأربعين طفلاً، تابع حملته التضليلية، فنشر مؤخراً مقطع فيديو تمّ التلاعب به، يزعم أنه يقضي خلاله على مقاومين.

إلا أن فحصاً بسيطاً للقطات الفيديو قامت به صفحات على منصات التواصل أظهر أفراداً غير مسلحين يرفعون أيديهم، مستسلمين لجنود الاحتلال، قبل أن يقوم جنود "الجيش" الإسرائيلي بإطلاق النار عليهم وإعدامهم من الخلف، ثم (ربما) وضع بنادق بالقرب من الجثث.

يحاول الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية ومن يدعمهم تبرير شناعة الجريمة، غير المسبوقة من ناحية الحجم، التي ترتكب بحق أكثر من مليونين ومئتي ألف من المدنيين المحاصرين في غزة، والذين انقطعت عنهم الكهرباء بشكل كامل خلال لحظات كتابة هذه السطور، وستنقطع عنهم المياه قريباً، وينفد الغذاء إذا لم يتحرّك العالم للجم هذا العدو والانتصار لما بقي من إنسانية داخلنا.

اقرأ أيضاً: خامس أيام "طوفان الأقصى".. "إسرائيل" في مرمى صواريخ المقاومة وقتلاها إلى ارتفاع

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك