انتكاسات المصارف الأميركية وتدخل الفدرالي.. لماذا تشتد الأزمة وتتمدد؟

ذعرٌ في الأسواق المالية العالمية بعد وصول الانهيار إلى ثاني أكبر مصرف سويسري، لتشعل أزمة "كريدي سويس" المخاوف من كارثة مالية عالمية جديدة، فهل تنجح السلطات المالية في الحد من الخسائر؟

  • أزمة المصارف الأميركية تتسع إلى
    أزمة المصارف الأميركية تتسع إلى "أزمة مصارف عالمية"، في أحدث مخاوف المستثمرين وأصحاب الودائع.

امتدّت عدوى انهيار المصارف الأميركية إلى أوروبا، فبعد إفلاس ثلاثة مصارف في الولايات المتّحدة الأميركية، أثار الانهيار في "كريدي سويس" ثاني أكبر المصارف في سويسرا، الرعب مجدّداً في أسواق المال في العالم.

ويبدو أنّ الأزمة التي يمر بها "كريدي سويس"، هي الأشدّ حدّةً منذ عقود، مع أنّها ليست الأزمة الأولى التي يمرّ بها، بسبب خسارته سبعة ملياراتٍ وثلاثمئة مليون فرنك سويسري، أي نحو سبعة ملياراتٍ وثمانمئة مليون دولار أميركي في العام 2022 وحده، وبذلك فقد البنك 98% من قيمته السوقية.

وبادر الرئيس التنفيذي للبنك، أولريش كورنر، لتأكيد سلامة الوضع المالي، وقدرة البنك على التعامل مع مدّةٍ تتجاوز الشهر من التدفّقات الخارجية، في حال وقوعه بحالة انعدام الاستقرار.

وصرّح رئيس مجلس إدارة "كريدي سويس"، أكسل ليمان، من الرياض، بأنّ الحصول على مساعدةٍ حكوميّةٍ ليس مطروحاً للنقاش، داعياً إلى الصبر وانتظار نتائج الإجراءات التي اتّخذتها الإدارة.

وللتصريح من الرياض دلالة كبرى، فالبنك الأهلي السعودي هو أكبر مسهمٍ في "كريدي سويس"، وأعلن رئيسه، عمّار الخضيري، أنّه لن يتمّ إعطاء البنك السويسري المزيد من السيولة، لأنّ ذلك يخالف القواعد التنظيمية التي تمنع زيادة حصّة الملكية عن 10%. 

واختار جهاز قطر للاستثمار، وهو ثاني أكبر مسهم في "كريدي سويس"، الصمت رغم امتلاكه حصّةً نسبتها 7%، وبإمكانه تنظيمياً زيادتها بنسبة 3%. 

وزاد الصمت القطري من مخاوف العملاء والمستثمرين، الذين رؤوا خطراً ما في تزامن تعثّر "كريدي سويس" الأوروبي، مع إفلاس المصارف الأميركية، "سيلفر كورب" و"سيليكون فالي" و"سيغنتشر".

وأُصيبَت الأسواق الأوروبية بالهلع، وتراجعت أسهم المصارف عموماً، بنحوٍ استثنائي دفع البورصات الأوروبية إلى وقف التداول بهذه الأسهم للحدّ من الخسائر.

مشاكل عميقة تتطلب حلولاً جذرية.. وإلّا ستتعمّق الأزمة

أوضح محلّل الميادين للشؤون الأوروبية والدولية، موسى عاصي، أنّه في حال استمرّت أزمة "كريدي سويس" ولم تُحَلّ، فإنّنا بالفعل سنكون أمام أزمة مالية كبرى في سويسرا، وعلى المستوى الأوروبي والأميركي، كون البنك منغمس بشكل واسع بالاستثمارات، والتي تبلغ 1300 مليار دولار.

وأشار عاصي إلى أنّ وفداً من "كريدي سويس" سافر إلى السعودية، من أجل محاولة حثّ السعوديين على العودة عن قرارهم الأخير بوقف ضخّ الأموال في البنك، وهذه مهمّة تبدو مستحيلة، على أساس أنّ السعوديين كان قرارهم بالأمس شبه حاسم، بأنّه لن يكون هناك تمويل إضافي. 

ولفتَ محلل الميادين إلى تهافت بالفعل من الزبائن من أجل سحب أموالهم من البنك، إن كان على المستوى الفردي أو على مستوى المؤسسات والشركات، مما سيزيد من مشاكل السيولة لديه.

وأكّد عاصي أنّ المطلوب اليوم من أجل أن يكون هناك حل فعلي ونهائي، أولاً إعادة نظر بالهيكلية التي أدارت "كريدي سويس" خلال السنوات الماضية، والتي فضّلت المخاطرة بالودائع وبالأموال الموجودة لديها، وثانياً على البنك المركزي السويسري أن يأخذ قراراً بشراء الأسهم، وألّا يقوم بتقديم القروض.

وأوضح عاصي أنّه يوجد دور مباشَر للحرب في أوكرانيا، في الأزمة، فالخسائر الكبرى نتيجة الحرب القائمة اليوم، هي مسألة التضخّم والركود، التي أدّت بالمصارف المركزية إن كان في الولايات المتّحدة الأميركية أو في أوروبا لرفع مستوى الفائدة. 

خطوات المتحكمين في الاقتصاد ستعزز عدم الثقة بالمصارف

وأشار محلل الميادين للشؤون الدولية والاستراتيجية، منذر سليمان، إلى مقدارٍ من عدم الثقة ومن التشكيك في أداء كبار الموظّفين الذين يديرون هذه البنوك، وكان واضحاً عملية السحب المفاجئ الذي تمّ لـ48 مليار دولار من البنك الأميركي "سيليكون فالي" و120 مليار دولار من "كريدي سويس".

وأكّد سليمان تزايد الشعور بعدم الثقة، بأنّ الإجراءات التي تتمّ حتى الآن، رغم أنّها كانت إجراءات سريعة في الداخل الأميركي، إلى أنّها كافية، كما ترسل عملية التصنيف للعديد من البنوك بأنّها في وضع سلبي، إشارة سلبية.

ولفت محلل الميادين إلى أنّنا أمام إمكانيّة أن يتمّ شراء هذه البنوك لتُصبح بنوك أكبر، وبالتالي التوغّل أكثر في المشكلة، والمشكلة الرئيسية أنّه لا توجد معالجة لإمكانيّة الركود الاقتصادي في الولايات المتّحدة، وعملية الاستمرار في رفع أسعار الفائدة ستؤدّي إلى استمرار هذه الأزمة.

وقرر الاحتياطي الاتحادي الأميركي توفير 168 مليار و800 مليون دولار، لدعم البنوك المتعثرة، بهدف تعزيز ثقة المودعين بالنظام المصرفي، وسينال مصرف "فرست ريبابليك" المتعثّر 30 مليار دولار.

وكانت المصارف الأميركية الصغيرة، والتي أفلست في السابق، وتجاوز عددها 500 مصرف، خلال عشرين عاماً، قد حُرمت من الدعم الحكومي، لتكون هذه الخطوة موضع استغلال من المُتّهِمين للحكومة الأميركية بأنها تدعم الأغنياء على حساب الفقراء.

اقرأ أيضاً: "فاينانشال تايمز": الرأسمالية الأميركية "تنهار أمام أعيننا"

وأوضح محلل الميادين للشؤون الإقليمية والثقافية، سليم بوزيدي، أنّ التداعيات الاقتصادية، خصوصاً في جوانبها الاجتماعية المؤثّرة، دائماً ما تكون في الدول الفقيرة، والتي تأتي الدول الأفريقية في مقدمتها.

وأشار بوزيدي، إلى أنّ مقوّمات الأزمة لا تتراجع، بل تشتدّ، لأنّ الذي حدث في الولايات المتحدة أو في سويسرا، هو أنّ هذه البنوك وإن كانت في دول قائمة على شفافية سياسية واقتصادية، إلّا أنّ جزءاً من التخبّط أو الأزمة الحادّة، كان بسبب سوء الإدارة، وفي جانب منها قد يكون الفساد سبباً رئيساً.

ولفت محلل الميادين إلى أنّ الكثير من الدول التي لديها ودائع معلَنة، تقول أنّ ودائعنا بأمان، في حين أنّ هذا الكلام قد يكون من قبيل رفع المعنويات فقط، فالسقوط المدوّي لبنوك أميركية بارزة لم يكن مُتوقّعاً، وبالتالي عندما يُقال هكذا كلام فهو بحاجة لنقاش.

ونبّه بوزيدي إلى مقالات ودراسات تتحدّث عن أنّ ما حدث في الولايات المتحدة وفي سويسرا، يجب أن يُعيد النظر في الطروحات التي قدمت المنظومة المالية التي ورثناها بعد الحرب العالية الثانية، بل يجب مراجعتها الآن.

اقرأ أيضاً: كيف وصل بنك "سيليكون فالي" الأميركي إلى الإفلاس؟

اخترنا لك