شوكولا بنكهة العبودية.. حُلوها في أوروبا مُراً في أفريقيا

ترتبط صناعة الشوكولاتة الأوروبية بصورةٍ غير مباشر بعمالة الأطفال في أفريقيا من خلال سلسلة التوريد الخاصة بحبوب الكاكاو، كيف ذلك؟

  • شوكولا بنكهة العبودية.. حُلوها في أوروبا مُراً في أفريقيا
    شوكولا بنكهة العبودية.. حُلوها في أوروبا مُراً في أفريقيا

خلف النكهة الرائعة للشوكولاتة، والمتعة الفريدة مع كل قضمة من المعشوقة السوداء، يبكي أطفالٌ أبرياء بلا ذنب، يعملون في ظروف لا إنسانية، ولا يذقون منها إلى نكهة الاستعباد وقساوة العمل. فمن أين نحصل على الشوكولا، وكيف تُصنع؟ وما حقيقة اتهام صناعة الشوكولاتة بالتسبب بإزالة الغابات وعمالة الأطفال واستغلال جهد البالغين؟

صناعة الشوكولا تمر عبر عدّة مراحل، تبدأ أولى هذه المراحل من أشجار الكاكاو، حيث يتم حصد ثمار الكاكاو وفصل الحبوب عن القرون واللب، ثم يلي ذلك تنظيف وتخمير الحبوب ثم إرسال الحبوب إلى المصانع لاستكمال عملية صنع الشوكولا، لكن بما أن بيئة أوروبا لا تصلح لزراعة الكاكاو، فمن أين تأتي مؤن حبوب الكاكاو للشركات الأوروبية العالمية؟!

لا تخلو صناعة الشوكولاتة عالمياً من تناقضات. إذ لا توجد الدول الأكثر إنتاجاً لحبوب الكاكاو ضمن قائمة الأكثر تصديراً للشوكولاتة.

كما أن أوروبا، التي لا تنتج الكاكاو بكميات وفيرة، تهيمن بشكلٍ شبه مطلق على تصدير الشوكولاتة عالمياً، بينما تخلو القائمة من أكبر منتجي الكاكاو مثل ساحل العاج وغانا والإكوادور وإندونيسيا، بحسب بيانات الأمم المتحدة لعام 2022.

أفريقيا الأولى في إنتاج الكاكاو

بدايةً الإنتاج العالمي من الكاكاو يبلغ حوالي 5 ملايين طن، وتقع معظم الدول المصدرة لحبوب الكاكاو في أفريقيا، باستثناء إندونيسيا والإكوادور والبرازيل والبيرو. وتعد ساحل العاج (كوت ديفوار) وغانا أكبر دولتين منتجتين للكاكاو في العالم، حيث تنتجان معاً أكثر من 40% من الإنتاج العالمي.

الكاكاو، يعد محصول تصدير رئيسي للعديد من البلدان الأفريقية. وفي الواقع، تعد أفريقيا أكبر منتج لحبوب الكاكاو في العالم، حيث تمثل أكثر من 70% من الإنتاج العالمي. 

وتأتي في صدارة الدول المنتجة للكاكاو، ساحل العاج "كوت ديفوار"، ويبلغ حجم إنتاجها السنوي من هذه الحبوب أكثر من 2 مليون طن سنوياً. فربع سكانها البالغ عددهم 26 مليون نسمة، يعملون في المزارع والصناعات الأخرى المرتبطة بإنتاج الكاكاو. 

فيما تعتبر غانا، الدولة الأفريقية الاستوائية المجاورة لساحل العاج، ثاني أكبر مصدر للكاكاو في العالم بإنتاج سنوي يقارب المليوني طناً.

الدول أكثر إنتاجاً لحبوب الكاكاو في العالم في عام 2021  (تصنيف إنتاج الدولة بالطن)
ساحل العاج 2,194,438
غانا 1,713,206
إندونيسيا 340,163
نيجيريا 279,784
الكاميرون 235,028
الإكوادور 205,955
البرازيل 188,498
بيرو 121,825
جمهورية الدومينيكان 104,461
ماليزيا 96,996
وفقاً لتقرير صادر عام 2021 عن منظمة الكاكاو الدولية (ICCO)

شوكولا بنكهة العبودية!

يقدّر متوسط استهلاك الكاكاو العالمي بحوالي 0.9 كيلو غراماً للفرد سنوياً. ومع ذلك، هناك تباين كبير في استهلاك الكاكاو بين مختلف البلدان. فالبلدان التي لديها أعلى استهلاك للشوكولاتة للفرد تقع بمعظمها في أوروبا، حيث تتصدر سويسرا القائمة بمتوسط 11.6 كيلوغراماً من الشوكولاته للفرد سنوياً. وتشمل البلدان الأخرى ذات الاستهلاك العالي للكاكاو الولايات المتحدة، بلجيكا، ألمانيا، هولندا، وفرنسا، إضافةً إلى المملكة المتحدة.

هذا الاستهلاك على حساب سكان الدول الأفريقية المنتجة للكاكا، الذين يتعرضون للاستغلال، وتعد قضية معقدة ولها تاريخ طويل. تعود جذور هذه المشكلة إلى الاستعمار، عندما أجبرت القوى الأوروبية المزارعين الأفارقة على زراعة الكاكاو من أجل التصدير. ويستمر نظام الاستغلال هذا حتى يومنا هذا، حيث يعيش مزارعو الكاكاو في غرب أفريقيا في كثير من الأحيان في فقر ويعملون في ظل ظروف لا إنسانية.

وترتبط صناعة الشوكولاتة الأوروبية بصورة غير مباشر بعمالة الأطفال في أفريقيا من خلال سلسلة التوريد الخاصة بها. فصناعة الكاكاو تعد محركاً رئيسياً لعمالة الأطفال في أفريقيا، حيث تمثل عمالة الأطفال مشكلة واسعة النطاق. فغالباً ما يُجبر الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم 5 سنوات حتى16  سنة، نصفهم من الإناث، على العمل لساعات طويلة تتجاوز 12 ساعة يومياً، في ظروف عمل خطرة وكثيراً ما يتعرضون في مزارع الكاكاو للمبيدات الحشرية والآلات الخطرة.

  • يُجبر الأطفال في أفريقيا على العمل لساعات طويلة تتجاوز 12 ساعة يومياً
    يُجبر الأطفال في أفريقيا على العمل لساعات طويلة تتجاوز 12 ساعة يومياً

علاوةً على ذلك يُحرم هؤلاء الأطفال من التعليم وهو ما ينتهك معايير عمل الأطفال التي وضعتها منظمة العمل الدولية، وبمجرد نقلهم إلى مزارع الكاكاو، قد لا يتمكن الأطفال من رؤية أسرهم لسنوات. ليس هذا فحسب بل غالباً ما تنطوي حالات العبودية في صناعة الكاكاو على أعمال عنف جسدي، مثل الجلد بسبب العمل ببطء أو محاولة الهرب، كما يتعرضون لخطر الاعتداء الجنسي. وغالباً ما ينحدر الأطفال الذين يضطرون للعمل في إنتاج الكاكاو، من أسر تعيش في فقر ما يضطرهم للعمل. وهذا يمكن أن يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال.

وعادةً ما يقوم أصحاب المزارع الذين يستخدمون عمالة الأطفال بتزويد الأطفال بأرخص الأطعمة المتاحة، مثل عجينة الذرة أو الكسافا والموز التي تنمو في الغابة المحيطة. وفي بعض الحالات، ينام الأطفال على ألواح خشبية في مبانٍ صغيرة بلا نوافذ ولا تتوفر فيها المياه النظيفة أو الحمامات الصحية.

كل هذا براتب يومي لا يتجاوز 0.5 دولاراً في اليوم، فيما يُجبر العديد من الأطفال الذين يتم تهريبهم إلى مزارع الكاكاو في غرب أفريقيا على العمل دون أجر.

وهناك أدلة على استخدام عمالة الأطفال في صناعة الكاكاو في بعض أجزاء أفريقيا. حيث تشير تقديرات منظمة "مشروع تدعيم الغذاء" غير الحكومية الأميركية صادر عام 2021، إلى أن نحو 2.1 مليون طفل يعملون في مزارع الكاكاو في غانا وساحل العاج، وهما أكبر دولتين منتجتين للكاكاو في العالم. 

ليس هذا فحسب، فزراعة الكاكاو المشبوهة لها تأثير سلبي على البيئة في الدول الأفريقية المنتجة للكاكاو، حيث يمكن أن تؤدي زراعة الكاكاو إلى إزالة الغابات وتآكل التربة وتلوث المياه. 

في ساحل العاج وحدها فقدت 47 ألف هكتار من الغابات في حزام الكاكاو في عام 2020، وهو معدل يقول الخبراء إنه يمكن أن يشهد استنزاف كامل للغطاء الحرجي للبلاد بحلول عام 2034. ويقضي قطع الأشجار غير القانوني المرتبط بالكاكاو على أنواع الأشجار المهددة بالانقراض. كما تسبب قطع الأشجار غير المشروع المرتبط بالكاكاو في خسائر هائلة في التنوع البيولوجي والحياة البرية في ساحل العاج "كوت ديفوار"، ولا سيما بين الأفيال والقرود.

ممنوع الاقتراب.. شركات الشوكولا تختبئ وراء محاربة عمالة الأطفال 

على مر السنين، أصبحت صناعة الشوكولاتة سرية بشكل متزايد، مما يجعل من الصعب على المراسلين الذين يعملون بالصحافة الاستقصائية، ليس فقط الوصول إلى المزارع التي لا تزال تحدث فيها انتهاكات لحقوق الإنسان، ولكن أيضاً نشر هذه المعلومات للجمهور. وفي عام 2004، جرى الحديث عن أن حاشية السيدة الأولى في ساحل العاج اختطفت وقتلت صحفياً كان يكتب عن الفساد الحكومي في صناعة الكاكاو. وفي عام 2010، اعتقلت السلطات في أبيدجان ثلاثة صحفيين بعد أن نشروا مقالاً يفضح الفساد الحكومي في قطاع الكاكاو.

لسنوات، لم تعالج صناعة الشوكولاتة بشكلٍ كافٍ الاتهامات بعمالة الأطفال في سلسلة التوريد الخاصة بها، وترفض العديد من الشركات الكشف عن معلومات بشأن مصدر الكاكاو الخاص بها. في الآونة الأخيرة، اعترف العديد من أكبر مصنعي الشوكولاتة في العالم بوجود عمالة الأطفال والعبودية داخل سلاسل التوريد الخاصة بهم، ولكن هذا فقط بسبب تعرضهم لضغوط من قبل المستهلكين.

وبما أن الشركات العاملة في مجال زراعة وصناعة الشوكولا، اضطرت إلى الاعتراف بهذه الممارسات المسيئة، فإنّ تكتيكها التالي هو أن تنأى بنفسها عن مسؤوليتها في إنهائها، فهي تعرب علناً عن قلقها بشأن عمالة الأطفال والعبودية من أجل صرف انتباه المستهلكين عن حقيقة أنهم يستفيدون من الحياة التي لا يمكن العيش فيها. 

وأظهرت الوثائق المسربة من الاجتماع الاستراتيجي لمؤسسة الكاكاو العالمية (WCF)، حيث حضر ممثلون من شركات مارس ونستله وهيرشيز وغيرها، أنّ الصناعة أعطت الأولوية للرسائل بشأن "إنجازاتها" في معالجة عمالة الأطفال والعبودية على حساب إنهاء تلك الانتهاكات فعلياً.

شركات الشوكولاتة الأوروبية.. كثير من الربح الملوث باستغلال الأفارقة

تقدّر قيمة سوق الكاكاو العالمية بنحو 138.8 مليار دولار، بحسب تقرير نشرته Fior Markets، عام 2021، ومن المتوقع أن ينمو الطلب على حبوب الكاكاو ليصل إلى 200.4 مليار دولار بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي قدره 4.8% الفترة 2021-2028.

  • أبرز الشركات الكبرى العاملة في صناعة الشوكولاته التي تستورد حبوب الكاكاو من أفريقيا (الميادين)
    أبرز الشركات الكبرى العاملة في صناعة الشوكولاته التي تستورد حبوب الكاكاو من أفريقيا (الميادين)

وهذا يعني أن شركات الشوكولا في الاتحاد الأوروبي تجني الكثير من الأموال من بيع الشوكولاتة. ومع ذلك، فإنّ مزارعي الكاكاو في أفريقيا، الذين يزرعون حبوب الكاكاو، يكسبون عادةً القليل جداً من المال مقابل محاصيلهم.

فالعائد الاقتصادي لأوروبا من الكاكاو لا يتم توزيعه بالتساوي. 

وفقاً لبيانات صادرة عن مؤسسة الكاكاو العالمية (WCF) عام 2023، فإن الاتحاد الأوروبي يعد أكبر مستورد لحبوب الكاكاو في العالم، حيث بلغ حجم وارداته 1.7 مليون طن في عام 2020.

ويمثل التفاوت في العائدات الاقتصادية بين أوروبا وأفريقيا مشكلة كبيرة في صناعة الكاكاو. وهو عامل رئيسي يساهم في الفقر وعمالة الأطفال في أفريقيا.

إذاً نكهة الشوكولا اللذيذة، ضحيتها أطفال أفارقة يتم استغلالهم على نطاق واسع دون أن يوفر لهم ذرة من الكرامة أو ضمان أيّ من حقوق الإنسان، وكل ذلك بموافقة ضمنية من الحكومات والشركات في جميع أنحاء القارة، مما يوضح استهداف هذه المناطق الفقيرة. لا علاقة لها بأي بعد أخلاقي في الصناعة.