عراقتشي: الدبلوماسية بعد الحرب لن تشبه ما قبلها.. ولا ترتيب لبدء مفاوضات جديدة
وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقتشي، يتحدث عن فرض الحرب الأخيرة واقعاً جديداً في المنطقة، ويتطرق إلى رؤية إيران وموقفها بشأن العلاقات الخارجية والدبلوماسية ما بعد الحرب.
-
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي (أرشيف)
أكّد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقتشي، اليوم الخميس، أنّ نظامين نوويين حشدا وخططا لإجبار إيران على الاستسلام، في إشارة إلى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، لكن "لم ينجح أي منهما في تحقيق هدفه"، مشدداً على أنّ مقاومة الشعب الإيراني جديرة بالثناء وستبقى "رمزاً لمقاومة الشعب الإيراني في منعطف تاريخي".
وفي مقابلة مع التلفزيون الإيراني، أشار عراقتشي إلى أنّ الإيرانيين دافعوا عن البلاد صفاً واحداً، في ظل الهجمات والضغوط، مضيفاً: "تحملنا سنوات طويلة من العقوبات لحماية حقوقنا النووية، ورغم استخدام كل الوسائل من تهديدات ومفاوضات، فشل الأعداء في حرمان شعبنا حقوقه المشروعة".
وأوضح الوزير الإيراني أنّ سياسة الضغط الأقصى التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منذ بداية ولايته، رافقتها دعوات متناقضة للتفاوض ورسائل تهديد ودبلوماسية، مضيفاً أنّ طهران "رفضت المفاوضات المباشرة مع واشنطن لكنها درست مفاوضات غير مباشرة بشروط جديدة".
وقال عراقتشي: "سياستنا المتبعة كانت أنّ إيران لا تعارض الدبلوماسية والمفاوضات، لكنّها غير مستعدة للتفاوض في ظل الشروط التي حددتها الولايات المتحدة".
ولفت إلى أنّه بعد فشل أميركا في فرض شروطها عبر المفاوضات، "أُطلقت يد العدو الصهيوني لارتكاب أعمال عدائية ضدنا"، في ما أكّد أنّه يُعدّ "خيانة للدبلوماسية"، مشدداً على أنّ إيران "أثبتت شرعيتها أمام العالم والشعب باتباعها طريق التفاوض، ما أسهم في تعزيز التضامن الداخلي".
ليس هناك أي ترتيب لبدء مفاوضات جديدة
كما بيّن عراقتشي أنّه "لم يتم التوصل إلى أي اتفاق أو ترتيب أو حوار لبدء مفاوضات جديدة"، موضحاً أنّ طهران كانت بصدد تقديم مقترح متوازن في المفاوضات، لكن اندلاع الحرب ضيّع الفرصة.
وأوضح أنّ مقترح إيران استند إلى 3 محاور رئيسية، هي: استمرار التخصيب داخل إيران، ورفع العقوبات بالكامل، والالتزام بعدم السعي نحو سلاح نووي.
وأكّد عراقتشي أنّه "في حال توفرت هذه الأركان الثلاثة، فإنّ إمكانية التوصل إلى اتفاق ستكون قائمة".
وأضاف أنّ المفاوضات التي "خدعنا بها الأميركيون" انتهت في النهاية لمصلحة إيران، لأنّها منحتها "الشرعية في موقف الحرب"، مؤكداً أنّ العودة إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة "قيد الدراسة وتُبنى على أساس المصالح الوطنية".
وأشار الوزير الإيراني إلى أنّ "المفاوضات ليست مقدسة ولا مستهجنة ولا تعني بالضرورة التوصل إلى اتفاق، بل هي ظاهرة تُحسم بناءً على حسابات التكلفة والعائد، ووفقاً للمصالح العليا"، لافتاً إلى أنّ العودة إلى طاولة الحوار "تتطلب تحديد طبيعة هذه الطاولة ومواصفاتها، لأنّ الأوضاع تغيّرت بالكامل".
عراقتشي: لا مفاوضات مع العدو الإسرائيلي
كما شدّد على أنّ جميع الروايات التي تتحدث عن "وجود مفاوضات بين إيران والعدو الإسرائيلي أو مع الولايات المتحدة غير صحيحة".
وأشار إلى أنّ "العدو الإسرائيلي بلغ من اليأس حد إيقاف العدوان، وعندما توقفوا نحن لم نواصل أيضاً".
الدبلوماسية بعد الحرب لن تشبه ما قبلها
وفي هذا السياق، أشار إلى أنّ الدبلوماسية بعد الحرب لن تشبه ما قبلها، وأنّ شكل العلاقات المستقبلية سيجري تنظيمه بناءً على سلوك الدول خلال الأزمة.
وأوضح عراقتشي أنّ الملف النووي "كان يسير باتجاه حل سلمي سابقاً، ولكن تغيرت الظروف الآن ولم يعد بالإمكان التوصل إلى اتفاق بسهولة".
وقال إنّ الخطأ الذي ارتكبته الولايات المتحدة "لم يُسهم في حل المسألة النووية، بل جعلها أكثر تعقيداً وصعوبة".
تعويضات وحسابات جديدة في السياسة الخارجية
وأوضح عراقتشي أنّ "الصمود الشعبي" بات ركيزة مركزية للسياسة الخارجية، وأوجد منطقاً جديداً في التفاعلات الدبلوماسية، مؤكداً أن المطالبة بالتعويضات باتت من "القضايا المحورية المدرجة في جدول أعمال الدبلوماسية الإيرانية".
وفي الإطار، أشار إلى "تكليف قسم الشؤون الدولية في الخارجية الإيرانية بمتابعة تحديد المعتدي في الأمم المتحدة والمطالبة بالتعويض عن الأضرار".
وقال عراقتشي إنّ الدول التي تعتبر نفسها حامية القانون الدولي مثل ألمانيا وفرنسا "عليها اليوم أن تكون مسؤولة ومُحاسبة".
تحذير لأوروبا من تفعيل "آلية الزناد"
وفي هذا الخصوص، بيّن عراقتشي أنّ فرنسا وبريطانيا، بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن، تمتلكان القدرة على تفعيل "آلية الزناد"، محذّراً من أنّ تفعيلها سيكون "أكبر خطأ استراتيجي" ترتكبه أوروبا، لأنّها ستُقصي نفسها من الملف النووي الإيراني بالكامل.
وأضاف: "لا الهجمات العسكرية ولا آلية الزناد ستضعف موقع إيران، بل ستقصي أوروبا من المعادلة".
ولفت عراقتشي إلى أنّ "أوروبا كانت شبه غائبة عن المشهد خلال فترة التفاوض مع أميركا، ولم يكن ذلك برغبة من طهران بل بقرار أميركي"، مضيفاً أنّ "الأوروبيين يسعون الآن إلى تعويض ذلك التهميش، ويرغبون في العودة إلى الساحة".
إيران ليس لديها خطة لاستقبال غروسي
كما صرّح وزير الخارجية الإيراني بأنّ "الجمهورية الإسلامية ليست لديها حالياً أي خطة لاستقبال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي"، لافتاً إلى أنّ مسألة حضور المفتشين "تخضع حالياً لدراسة دقيقة" للتأكد من توافقها مع بنود القانون الذي أقره مجلس الشورى.
وأشار إلى أنّه "في ظل تدمير بعض المنشآت، فإنّ تنفيذ عمليات التفتيش يعني منح معلومات دقيقة عن الأضرار"، وهو ما يستدعي حذراً في التعامل مع طلبات الوكالة الدولية.
وقال إنّ خبراء منظمة الطاقة الذرية بدأوا بعد توقف العدوان الأميركي تقييماً دقيقاً للأضرار، واصفاً إياها بأنها "خطيرة وجسيمة"، لافتاً إلى أنّ عمليات اتخاذ القرار السياسي تجري بالتوازي مع الدراسات الفنية.
الهجوم الإيراني على القواعد الأميركية كان رداً على واشنطن
وِبشأن الهجوم الإيراني الأخير على القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، شدّد عراقتشي على أنّه "كان رداً مباشراً على تهديدات الولايات المتحدة".
وقال إنّ الهجوم الإيراني على القواعد العسكرية الأميركية "لم يكن يحمل أي رسالة أو نية عدائية باتجاه الدول العربية المجاورة".
وأشار إلى أنّ بعض الدول مثل قطر، "أبدت انزعاجها بعد الهجوم"، قائلاً إنّ ذلك "أمر طبيعي، لكنّنا أوضحنا أنه كان موجّها ضد أميركا فقط"، وأنّه "ليس لدينا أي عداء مع حكومات المنطقة".
وتابع: "لدينا وثائق تثبت أنّ القواعد الأميركية في المنطقة لعبت دوراً في دعم إسرائيل".
وعليه، أشار الوزير الإيراني إلى أنّ طهران "تسعى جاهدة إلى فصل حساب أميركا عن حساب دول الجوار"، مضيفاً أنّ "غالبية هذه الدول تفهمت هذا المنطق، وأكّدت أنّها لن تسمح باستخدام أراضيها ضد إيران".
سياسة إيران تقوم على حسن الجوار
وفي هذا السياق، بيّن عراقتشي أنّ "سياسة إيران تقوم على تعزيز علاقات حسن الجوار، خصوصاً مع دول مجلس التعاون الخليجي والعراق ومصر".
وقال إنّ العلاقات الحالية بين إيران ومصر "أعمق وأكثر فاعلية من العديد من علاقاتنا الرسمية مع دول تربطنا بها علاقات دبلوماسية".
ولفت إلى أنّ "مستوى التبادل والتعاون والتفاعل كان ملحوظاً للغاية على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية مع مصر".
وقال عراقتشي إنّ مستوى التفاعل مع مصر "كان ملحوظاً للغاية خصوصاً في القضايا الإقليمية والملفات المهمة مثل الحرب الأخيرة"، مؤكّداً أنّ إيران تنظر إلى مصر "باعتبارها دولة كبرى ومؤثرة في العالم الإسلامي والمنطقة وترغب في إقامة تعاون أوسع معها".
وختم بالقول إنّ طهران "لا تتعجل في مسألة استئناف العلاقات الرسمية مع القاهرة بحيث تركت قرار ذلك بالكامل للحكومة المصرية".