فرنسيو الضواحي والأرياف المنسيون ودورهم في الانتخابات الرئاسية

الانتخابات الرئاسية هي الانتخابات الوحيدة التي لا تزال فيها هذه الفئات، في الأغلبية، تصوت بكثافة. وإذا انتقلت بمزاجها من ضفة إلى أخرى، فستحدد النتيجة النهائية ميكانيكياً.

  • المرشح للانتخابات الرئاسية
    المرشح للانتخابات الرئاسية "إريك زمور" يلقي خطاباً شمال غرب فرنسا 19شباط/فبراير 2022 (أ ف ب).

بعد أقل من 50 يوماً على الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية، سيتم استدعاء ما يقارب 48 مليون مواطن للاقتراع في نيسان/أبريل المقبل. من بين هؤلاء، هناك جزء محدد بعينه، يتمثل بأولئك الذين يعيشون في محيط المدن الفرنسية وفي المناطق الريفية، وغالباً ما يوصفون بأنهم "منسيون"، ومن بينهم ملايين الفقراء وملايين المهمشين الذين يعيشون في المناطق "المنسية" و"الصامتة" و"الغاضبة"، والذين يتركزون عادة في محيط المدن والمناطق الريفية.

مفهوم "فرنسا المنسية" يظهر في العادة في استراتيجية العديد من المرشحين وخطاباتهم، من أجل جذب الناخبين بشكل أفضل. وقبل شهر ونصف الشهر من الجولة الأولى لانتخاب الرئيس، أصبح الفرنسيون الذين يعيشون في هذه المناطق المحيطة بالمدن أو القطاعات الريفية يتمتعون بشعبية، ويتم اقتباس ما يقولونه طوال الوقت، وخصوصاً أن ولاية إيمانويل ماكرون التي امتدت 5 سنوات تميزت بحصول حركة اجتماعية كبيرة عبّرت عنها "السترات الصفراء".

الانتخابات الرئاسية هي الانتخابات الوحيدة التي لا تزال فيها هذه الفئات، في الأغلبية، تصوت بكثافة. وإذا انتقلت بمزاجها من ضفة إلى أخرى، فستحدد النتيجة النهائية ميكانيكياً، كما يحلل الجغرافي كريستوف جيلوي في مقابلة مع "لو فيغارو".

من الناحية الاجتماعية، نجد غالبية السكان النشطين هم العمال والموظفين والفلاحين، الذين يمكننا أن نضيف إليهم صغار الحرفيين والعاملين لحسابهم الخاص. في المتوسط، تشكل هذه الفئات فرنسا ذات الدخل المتواضع وأولئك الذين تقل دخولهم 2000 يورو ومجاميع من العاطلين من العاطلين من العمل الذين ضاقت بهم سبل الحياة.

"السترات الصفراء" لم تجد بعد منفذاً سياسياً

بعد 3 سنوات من زعزعة السلطة، لا يوجد ممثل رئاسي على خط البداية للحركة الاجتماعية "السترات الصفر"، وهي كقوة مشوشة للغاية، لم تنجح في هيكلة نفسها من أجل التمكن من الاصطفاف خلف زعيم وترجمة ذلك كقوة انتخابية، على الرغم من مؤشرات على توزعها بين عدد من مرشحي اليسار. الكثير من قادة الحركة مشتتون الآن أو تخلوا عن القتال، حتى مع انطلاق احتجاج جديد مثل "قوافل الحرية". 

إذاً، إنَّ  "فرنسا الأطراف" "الصامتة" هدف لكلّ طرف سياسي له تعريفه الخاص لماهية "فرنسا المنسية"، وهذه هي فرنسا التي يظهر اسمها كل 5 سنوات في خطابات المرشحين، بدافع الأمل في تحويل الغضب البليد إلى جمهور ناخب كبير. 

ربما يحمل برنامج المرشح عن "فرنسا غير الخاضعة" جان لوك ميلونشون تعبيراً واضحاً عن آمال وطموحات الفرنسيين المنسيين، لكن من الواضح أن معالجة هذا الأمر في فرنسا هي حجة انتخابية أو ضرورة انتخابية أساسية، لكن عليك أن تعرف كيف تجد الكلمات المناسبة لجذب المنسيين، بحسب ما يؤكد جيروم سانت ماري، خبير استطلاعات الرأي وعالم السياسة، الذي يوضح أن هذا الجزء من السكان مرغوب فيه أكثر هذا العام بالتحديد.

المتحدث باسم مارين لوبان، سباستيان تشينو، يقول: "فرنسا المنسية أسوأ اليوم. لقد أصبحت ككل مجموعة مواطنين متخلى عنهم ومحتقرين". وبحسب قوله، إنّ مرشحة التجمع الوطني التي تعمل منذ عدة أشهر للقيام بحملة ميدانية بعيدة أحياناً عن الكاميرات، "تجسد أكثر من غيرها هذه الفرنسا، فهي تجلب الأمل، بعد أن مضى وقت طويل منذ أن فهمت حياتهم. هذا هو العنصر الأساسي الذي يميزها عن إريك زمور الموجود على أجهزة التلفزيون فقط".

ومع ذلك، إنّ خصم لوبان من المعسكر القومي إريك زيمور يحاول أيضاً اللعب على هذا الحبل، فقد ركز اليميني المتطرف في البداية على الهجرة والأمن، ويريد الآن أن يكون صوت فرنسا غير المرئية التي تقع في المناطق الريفية. في الآونة الأخيرة، كلما دُعي للتحدث أمام وسائل الإعلام، لا ينسى الإشادة بفرنسا الريفية التي أهملها "السياسيون" و"التكنوقراط" و"البوبو"، أي طبقة المرفهين في العاصمة. 

تصويت مبعثر

تريد فاليري بيكريس أيضاً معالجة "فرنسا المنسية"، في حين لا تتوقف أبدًا عن الإشادة بفن العيش الفرنسي، المصنوع من "النبيذ الجيد، واللحوم الجيدة، والجبن الجيد"، ويقول النائب الجمهوري داميان أباد: "نحن بحاجة إلى التحدث أكثر إلى هؤلاء السكان الذين أدار ماكرون ظهره لهم". 

بينما يكافح إيريك زيمور وفاليري بيكريس لزيادة شعبيتهما مع هؤلاء الفرنسيين المنسيين، هناك مناطق ريفية في فرنسا لم تعد موجودة عملياً، وقد دمرت أساليب حياتها، إذا ما تحدثنا عنها، منذ فترة طويلة. لقد غزت الرأسمالية التجارية كل شيء.

المعادلة أكثر تعقيداً في جانب اليسار، لأن "فرنسا الناس العاديين" كانت منذ فترة طويلة جزءاً من حمضها النووي. يتذكر جيروم سانت ماري قائلاً: "في زمن ميتران، كان الحزب الاشتراكي لا يزال يمتلك أرضاً خصبة للتكاثر الاجتماعي والجغرافي في فرنسا".

اليوم، يُظهر المرشحون، دعاة حماية البيئة، وكذلك الاشتراكيون، رغبتهم في التحدث إلى "أولئك الذين يريدون العيش من عملهم"، وإلى سكان "الضواحي والأرياف التي حرمت الخدمات العامة"، لكن هذه الملاحظة لا يمكن إنكارها ومشاركتها حتى في صفوفهم. يجادل أحد المسؤولين التنفيذيين في الحملة الاشتراكية قائلاً: "تريد آن هيدالغو أن تكون مرشحة جميع الآخرين"، قبل الإقرار بأن الحزب الاشتراكي "فقد الاتصال بالجميع قليلاً ...".

يبدو أن فرنسا غير الخاضعة والشيوعيين يحملون وحدهم خطاباً مسموعاً بالنسبة إلى بعض الطبقات الشعبية، والبعض الآخر من العمال.

المتحدث باسم مرشح الحزب الشيوعي الفرنسي، إيان بروسات، يقول إن فابيان روسيل، المرشح الشيوعي، "هو الشخص الوحيد الذي لا يعيش في منطقة باريس، بل يعيش في الشمال مع زوجته وأطفاله الخمسة. قلة من المرشحين يمثلون فرنسا المنسية".

قبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية، فإن خطر اختيار هؤلاء الفرنسيين المنسيين الامتناع عن التصويت هو خطر حقيقي. "في السابق، كان لديك اليمين واليسار، وهما في الأساس الأحزاب الكبيرة للطبقات الوسطى. اليوم، لديك تصويت النخبة إلى جانب ماكرون، وتشتت أصوات الناس العاديين كثيراً، فمن سيكون له الصوت الأعلى بين هذه الفئات الاجتماعية التي لطالما كانت خارج جدول أعمال غالبية الأحزاب؟ وكيف ستصبّ أصواتها في معركة شرسة ومصيرية ستحدد مستقبل فرنسا للسنوات الخمس المقبلة؟".

اخترنا لك