كيف هندست الدول الاستعمارية طريق إفقار الشعوب؟

فليسقط النظام، هذا ما توافقت عليه الدول الـ46 الأفقر في العالم، نتحدّث عن إسقاط نظام التمويل الدولي، فما الذي يجعل الدول الصغيرة تشكّك في جدوى نظام التمويل الدول وترى فيه أداةً للهيمنة؟

  • عمال أفارقة يعملون يدوياً لاستخراج الذهب
    عمال أفارقة يعملون يدوياً لاستخراج الذهب

العالم اليوم أمام دعوة صريحة لإجراء مراجعة كاملة للنموذج الاقتصادي الموروث عن اتّفاقيّة "بريتون وودز" المُبرَمة عام 1944، التي أسست لنظام التمويل الدولي الحالي. نظام يرى كثيرون أنّه مسؤول عن إفقار الدول الصغيرة بإخضاعها لأنظمة تمويل لا تحلّ مشكلاتها بل تُغرقها أكثر.

فالدول الصغيرة تشكّك في جدوى نظام التمويل الدولي، وترى فيه أداةً للهيمنة، ولكن هل في يدها حيلة؟ فمثلاً صندوق النقد الدولي، الذي هو واجهة هذا النظام، يمثّل في اعتقاد دول طوق النجاة للخروج من مشكلاتها، ولكنّه في الواقع، الاستبداد الذي لا بدّ منه، كما سمّاه أحد الكتّاب السياسيين، وثمة ناشطون عديدون يتّهمونه بأنّه يستخدم الإقراض وتخفيف الديون من أجل فرض سياساتٍ معيّنة.

اقرأ أيضاً: رئيس أفريقيا الوسطى: الغرب نهب ثرواتنا واحتجز الشعب رهينة

وهذه هي حال المنظمّات الدوليّة للتعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، وبنوك التنمية متعدّدة الأطراف التي صمّمها الأغنياء من أجل الأغنياء كما يقول الأمين العام للأمم المتّحدة نفسه، متّهماً النظام المالي العالمي بأنّه منحازٌ بشدّة ويُتيح التعامل مع أقلّ البلدان نمواً على نحوٍ غير منصف.

المفارقة أنّه كلامٌ لمرجعيّة أمميّة من المفترض أنّها مسؤولة عن حلول لرفع الضيم عن دول صغيرة ترزح إضافة إلى مشكلاتها تحت عبء الديون وفوائدها التي لا تنتهي، ولكنّه عوضاً عن ذلك يقوم بدور المتفرّج أمام صورةٍ هي أشبه بجلّادٍ يفتك بضحيّته.

الدول الاستعمارية تلجأ إلى أساليب ملتوية عندما تفشل بطريقة منظّمة

 محلل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتّحدة، نزار عبّود لفت إلى أنّه لا شكّ في أنّ عدد الدول الفقيرة ارتفع كثيراً من 25 في عام 1971 إلى 46 حالياً، مشيراً إلى أنّ هذا الرقم قد يكون أكبر من ذلك بكثير، كون هناك العديد من الدول ليست مصنَّفة على أنّها فقيرة، مثل الدول المنكوبة حالياً من جرّاء الحروب الكثيرة، على رأسها طبعاً دول في الشرق الأوسط مثل سوريا ولبنان وغيرهما.

وأضاف عبود، أنّ السبب الحقيقي هو استمرار النهب الاستعماري بشكل رئيسي واستمرار الهيمنة، وفرض السياسات، وفرض الحكومات الفاسدة، عدا عن المديونية التي تستهلك طبعاً 20% من إرادات هذه الدول، لكن هذه ليست وحدها هي السبب، مشيراً إلى أنّ دولة مثل "الكونغو هي من أغنى الدول في العالم لكن ليس فيها أي استقرار بسبب التدخّل الاستعماري"، كما قال رئيس جمهورية الكونغو مؤخّراً للرئيس الفرنسي عندما اتّهمه بأنّ دولته مسؤولة عن قتل 10 ملايين كونغولي بتغذية الحروب والنهب المستمر للثروات الكونغولية بوسائل ميليشيات. 

وتابع، أنّ" الدول الغربية تقوم بانقلابات منظّمة، نذكر مثلاً مسألة المرتزقة الفرنسيين الذين كانوا يديرون انقلاباتٍ في القارة الأفريقية، وعلى رأسهم بوب دينار الذي حوكم في عام 2006 وقال إنّه ليس نادماً على أفعاله، وأضاف عبود أن الدول الغربية تدير انقلابات منظمة أيضاً في العديد من دول الشرق الأوسط.

محلل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتّحدة، أكد أنّ "الدول الاستعمارية تلجأ إلى أساليب ملتوية عندما تفشل بطريقة منظّمة، ولا ننسى طبعاً التصحّر وتغيّر المناخ والأمراض وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى زيادة الفقر".

وعن تأثير رفع قيمة الفائدة بوتيرة متسارعة في الولايات المتحدة في الدول الأخرى، أشار عبود إلى أنّ المديونية حتى لو كانت إلى دول غير الولايات المتّحدة مثل فرنسا أو بريطانيا أو مصارف خاصة، تبقى محكومة برفع الفائدة الأميركية بشكل أساسي لأنّ البنك المركزي الأميركي عندما يرفع الفائدة فإنّ جميع بنوك العالم ترفع الفوائد، وبالتالي هذا ينسحب على الدول الفقيرة أيضاً.

لذلك، تدفع هذه الدول  20% من إيراداتها فوائد على الديون التي فُرضَت عليها في مشاريع غير مُنتجة.

وأكد عبود، أنّ "شريعة الغاب هي الشريعة التي تتبعها الدول الاستعمارية في تعاملها مع  الدول الفقيرة الضعيفة التي نُكبَت بالاستعمار لفترة طويلة.

وتابع أنّه لذلك، ترفع الأمم المتّحدة الصوت عالياً، وتدعو إلى إصلاح هذا النظام المالي الفاسد المتحيّز الذي يعطي الدول الغنية المزيد ويحرم الدول الفقيرة، لكن هذه أصوات لا تلقى آذاناً صاغية.

أفريقيا القارة الأغنى ولكنها الأفقر بسبب الاستعمار 

وأوضح مراسل الميادين من أبيدجان علي مرتضى، أنّ "دولة توغو حينما جاء الاستعمار الفرنسي لإعطائها استقلالها اشترط أنّ تدفع توغو الديون المترتّبة عليها نتيجة الاستعمار، استقلّت هذه الدولة سنة 1963 ودفعت أكثر من 40% من مجموع ديونها لفرنسا التي كانت تأخذ أصلاً من مواردها وأموالها".

وتابع أنّه عدا عن "الهندسة الماليّة التي تمّت لـ14 دولة قامت بها فرنسا في أفريقيا لربط هذه المستعمرات، وهذه الدول بعملة موحّدة وهي العملة الاستعمارية الفرنسية".

وأشار مرتضى، إلى أنّ الـcfa وهي العملة الأفريقية التي يتعامل بها أهل أبيدجان، فالدولة مجبورة ضمن اتّفاقات الاستقلال التي حصلت عليه من فرنسا، أن تضع أكثر من 80% من احتياطاتها من العملات الأجنبية في البنك الفرنسي المركزي ولا تستطيع الوصول إلّا إلى ـ15% منها"، مضيفاً أنّه "لهذا السبب تستطيع فرنسا أن تتحكّم باقتصادات هذه الدول".

اقرأ أيضاً: الفرنك الأفريقي في خدمة فرنسا.. عن آخر عملة استعمارية في العالم

ولفت مراسل الميادين في أبيدجان إلى أنّه من "ضمن كل ثلاثة مصابيح تُنار في فرنسا، يعني الكهرباء، هناك مصباح واحد يُنار من قبَل اليورانيوم الذي تأخذه فرنسا من الدول الأفريقية، بينما هذه الدول 80% من سكانها لا يحصلون على الكهرباء".

وعن النزاعات والانقلابات التي تجري في كثير من الدول الأفريقية، قال مرتضى "سآخذ جزئية واحدة، لنتحدّث عن الذهب في أفريقيا، أكثر الدول إنتاجاً للذهب في أفريقيا هي غانا أولاً، جنوب أفريقيا، السودان، مالي وبروكينا فاسو، كل هذه الدول فيها نزاعات في المناطق الموجود فيها ثروات"، مضيفاً أنّ " احتياطي الذهب لدى جنوب أفريقيا بحسب منصّة تريدينغ ايكونومي 125 طناً، بينما أنتجَت عام 2021، 100 طن، يعني لديها احتياطي أقلّ مما تُنتِج، بينما فرنسا لديها 2437 طناً من احتياطي الذهب، هذا كله من أين؟ من هذه الدول".

الدول الكبرى ترى في أفريقيا بشكل خاص وعالم الجنوب مستقبل العالم

من جهته، لفت محلّل الميادين للشؤون السياسية والدوليّة قاسم عز الدين، إلى أنّه في السبعينيات، اكتشفت الدول الـ46 بحسب المؤتمر، مع البنك الدولي طبعاً، أو أنّه في مقدّمتها، الاستثمار بالديون".

وأضاف أنّ  "ديون هذه الدول تضاعفت خمس مرات خلال 20 سنة، والآن هي مهددة، أو نصفها على الأقلّ مهدَّد بالتخلّف عن سداد الديون ويدفعها هذا الأمر إلى مجاهل أخرى".

ووضح قاسم أنّ هذه السياسة، "سياسة استثمار الدول الغربية والدول الغنيّة بديون الدول الفقيرة هي متعمَّدة ومستمرّة وهي الحلقة المُفرَغة من أجل المزيد من الهيمنة، وهي الجانب الآخر الذي لا بدّ منه هو الذي يؤدّي إلى أن يكون 8 أشخاص في العالم يملكون نصف ثروات هذه الدول مجتمعة".

وأضاف أنّ  "كل الدول الكبرى ترى أنّ أفريقيا بشكل خاص وعالم الجنوب هو مستقبل العالم، بسبب ما تبقّى".

وأكد محلّل الميادين للشؤون السياسية والدوليّة، أن الشركات الكبرى الغربية تعمل على الاستيلاء على الأراضي الزراعية وسرقة المياه،  ما تسبب في إفقار هذه الدول، إذ هناك نحو مليار و600 مليون مهدَّدون بالموت جوعاً وعطشاً بسبب الجفاف وبسبب التصحّر.

وتساءل محلل الميادين قائلاً: من أين جاء هذا، من أين جاء تدمير المناخ؟

وأكد أن السبب الرئيسي في ذلك هي الدول الصناعية التي تريد الاستثمار في أزمة المناخ التي افتعلتها بتقنيات جديدة.

اقرأ أيضاً: غوتيريش يطالب الدول الغنية بتقديم 500 مليار دولار سنوياً للدول الفقيرة

اخترنا لك