النفايات في لبنان والقطب المخفية.. ما قصة شركات النفط؟

تعود قضية النفايات مجدداً إلى واجهة الأحداث في لبنان ولكن من بوابة دور شركات النفط هذه المرة. أي قطب مخفية وراء ما يحدث؟ الميادين نت تحدثت إلى أطراف ضالعين بالأزمة في بلد عجزت سلطاته عن معالجة ملف يعتبر من البديهيات في أكثر دول العالم فقراً، فكيف ببلد يروّج لنفسه على أنه بلد سياحي؟

مشهد من تكدس النفايات في بيروت (أ ف ب)
بلد القطب المخفية. هذا هو لبنان. مفتاح فهمه يكمن في فك القطبة. تسحب الخيط فتتداعى كل التعقيدات وينكشف المشهد. عندها فقط، يمكن ملاحظة كيف كانت تتوارى وراء الشعارات الرنانة مآرب شخصية، ووراء التراشق الإعلامي وضجيج الملاحم الوطنية مصالح ضيقة.

لا ينحصر الفساد في لبنان. لكنه هنا له رائحة النفايات وطعم الأمراض السرطانية ولون العتمة. للناظر من الخارج، قد يكون مستغرباً رؤية النفايات تجتاح الشوارع وتخنق الرئات. الغريب أصلا أن تكون هناك مشكلة عنوانها النفايات.

كان يفترض أن هذه المشكلة حُلّت، أو بشكل أدق وجدت طريقها إلى التسوية على الطريقة اللبنانية. حصل ذلك منذ عام تقريباً عندما اجتمع مجلس الوزراء، وتوصل بعد مماحكات وخطط وتجاذبات إلى الموافقة على الخطة السارية حالياً.

أهم معالم هذه الخطة التي تنقسم إلى مسارين، مرحلي ومستدام، اعتماد مطمرين واحد في عكار، والآخر في البقاع، والعمل على اللامركزية لدى البلديات بما يخص معالجة النفايات.

اليوم على بعد عام من ذكرى الحراك الشعبي الذي فجرته أزمة النفايات في الشوارع،  تعود هذه المشكلة بفصول جديدة لتغرق اللبنانيين في تفاصيلها التي أنفوا من متابعتها.

بدأت الأزمة المستجدة حين قرر مناصرو حزب الكتائب الإعتصام أمام مطمر برج حمود رفضاً لتمرير مجلس الوزراء قرار طمر شاطئ البحر في منطقة برج حمود (شمال العاصمة) بالنفايات.

تدخل مناصرو الحزب وأوقفوا الشاحنات فتراكمت النفايات في شوارع منطقتي المتن وكسروان (محافظة جبل لبنان) والتي تذهب عادة إلى مطمر برج حمود.

حزب الكتائب: من يتهمنا هو موضع اتهام

في حديث مع الميادين نت حول هذا الموضوع، يقول القيادي في حزب الكتائب اللبنانية (استقال وزراؤه من الحكومة)، والوزير السابق سليم الصايغ، إنّ الخطة الحكومية المتعلقة بمنطقة المتن (التي تحتضن مكب برج حمود) مرفوضة، مشيراً أنه لا يمكن ردم البحر بالطريقة المنشودة، لما فيه من تشويه بيئي وأضرار متنوعة على هذا الصعيد.

ويضيف أنه في ظل غياب دراسة تفصيلية من قبل جهة دولية موثوقة "ليس من المقبول أن تكون دراسة هكذا مشروع صادرة عن ممثلين لطبقة الفساد الحاكمة في لبنان".

ويعتبر الصايغ أن ما جرى من قبل الحكومة هو عملية ابتزاز لأهالي منطقة برج حمود، تقضي بمعالجة جبل النفايات في المنطقة مقابل القبول بالطمر، نافياً بشكل قاطع ما ورد في صحف محلية عن رفض رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل فتح مطمر في منطقة الجديدة.

ويرى الصايغ أنّ كل المسؤولين في منطقة المتن لا يحبّذون امتداد الطمر إلى منطقة الجديدة.

وعمّا قيل حول تمويل بعض شركات النفط لحملة حزب الكتائب الإعلامية ضد المشروع الحكومي لمنطقة برج حمود، يعلّق الصايغ "أنّ من يتهموننا في الحقيقة هم في موضع الإتهام.. هؤلاء يعرفون جيداً ما هي كارتيلات النفط وكارتيلات النفايات، وننصحهم بعدم فتح هذه الملفات نهائياً".

ويلفت الصايغ إلى أنّ الكثير من أصحاب الأعمال والمصالح الحيوية في برج حمود، بعضهم يعمل بالشأن الإعلامي أو يدير وسائل إعلامية، يتواصل مع حزب الكتائب ويضعون أنفسهم وإمكانياتهم بتصرف قيادة الحزب من أجل مواجهة الخطة الحكومية.

وفي سؤال عن سبب عزوف حزب الكتائب عن المشاركة في الحراك الشعبي الذي انفجر منذ عام إثر أزمة النفايات ولماذا يتحرك اليوم، يجيب الصايغ أنّ "الحزب كان على تواصلٍ دائمٍ مع ناشطي الحراك المدني أيام الحراك". ويتابع "موقف حزب الكتائب وقتها كان ضعيفاً لجهة مشاركته في الحكومة مع قراره محاولة إصلاح الأوضاع من الداخل. أما اليوم، وبعد تخلّي الكتائب عن وزاراته كليّاً، فقد اكتسب مصداقية وحضّر نفسه إلى مثل هذه المعارك بعد تيقّنه من عجز الحكومة عن حل القضايا الملحة".

ما علاقة شركات النفط؟

وزير الزراعة أكرم شهيب (من كتلة النائب وليد جنبلاط)، وهو صاحب خطة حل أزمة النفايات، كان أرجع التعطيل المستجد الحاصل في قضية النفايات في منطقة برج حمود إلى شركات نفطية متضررة من خطة الردم الحكومية، بعدما قدمت ثلاث منها منذ أيام شكوى إلى مجلس شورى الدولة. وقال شهيب "يبدو أن هذه المجموعة النفطية قوية ولديها إمكانات، وهذا ما ظهر من خلال الحملة الإعلانية" وسأل "من أين يأتي المال لتعطيل الخطة وبالتالي إلحاق المزيد من الضرر بأهل المنطقة؟".

وكانت الجهات المعنية في الدولة اللبنانية قد طلبت من شركات النفط تنظيم الأنابيب الممدودة في البحر عشوائياً، وتجميعها في مكان واحد. وبعد الشكوى التي رُفعت ضد الدولة، ظهر أنّ هذه الشركات متضررة من الخطة الحكومية، خصوصاً في شقها المتعلق بردم البحر مقابل الجديدة ـ البوشرية. (القريبة من المطمر).

ورداً على رفض حزب الكتائب للخطة الحكومية، قال شهيّب إنّ وزراء الكتائب كانوا في الجلسة التي أُقرّت فيها الخطة، وأضاف "إذا كان كلام الجميّل والعمل الذي يتم على الأرض سيفيده بانتخابات المتن المقبلة، ندعمه، أما إذا كان عكس ذلك فسنتكلم بموضوع البيئة ونفتح جميع الملفات".

المؤقت.. دائماً

الفضيحة متعددة الأوجه في ملف النفايات لا تكمن فقط بأن أسعار جمع النفايات وطمرها كانت من بين الأغلى في العالم، بل في طمر ثروات من الممكن الإستفادة منها على أكثر من صعيد، صناعيا وزراعيا بالحد الأدنى. أكثر من ذلك تذهب بعض المصانع في لبنان إلى شراء النفايات من الخارج كمواد أولية. وبحسب بعض المختصين فإن ما يقارب 10% فقط من النفايات في لبنان لا يمكن الإستفادة منها، في حين أنه يمكن ذلك مع ما يقارب 90%.

يذكر أن لبنان شهد أزمة نفايات منذ شهر تموز يوليو 2015 نتجت من اقفال مطمر الناعمة (جنوب بيروت)، والذي كانت تنقل اليه نفايات العاصمة وبعض ضواحيها. ودفعت هذه الأزمة عشرات الآلاف من اللبنانيين من مختلف التوجهات والطوائف للنزول الى الشارع بشكل غير مسبوق بعدما تكدست النفايات في الاحياء السكنية وعلى جوانب الطرق بشكل عشوائي.

وليس أدل على عجز الدولة عن إيجاد حل لملف النفايات إلا القرار الغريب الصادر عن السلطات اللبنانية أواخر العام ٢٠١٥ بنقل النفايات، الى خارج البلاد في حل لأزمة بيئية واجتماعية استمرت سبعة أشهر.

هذا العجز تجلى في ملف مطمر الناعمة، الذي كان يتضرر منه سكان القرى المجاورة، بعدما أغلق وأعيد فتحه منذ إنشائه 6 مرات. وفي كل مرة، كانت الدولة تتعهد بإغلاقه نهائيا، إلا أن هذا الأمر لم يحصل إلا هذا العام.

وعلى مدى أعوام مديدة عجزت الدولة عن إيجاد حل لمشكلة النفايات، أو قد يكون الأصح القول إنها لم تبد اهتماما جدياً، ما جعل المؤقت دائماً.

المقارنة بين سعر النفايات في لبنان والخارج

في حديث مع الميادين نت، يعلق الصحافي اللبناني المتخصص في الشأن البيئي بسام القنطار على التطورات التي يشهدها ملف النفايات منذ عام بالقول إنه تحول إيجابي، بسبب عدم إمكانية الإستمرار باستغفال الناس في هذا المجال، فلم يعد طريق الإحتكار سالكاً.

ويشير القنطار إلى أنّه في الفترة السابقة كانت الخزينة اللبنانية تتكلف 150$ لمعالجة طن من النفايات، أما المعدل العالمي المقبول لسعر معالجة الطن الواحد من النفايات فهو 120$.

يؤكد القنطار أنّ المناقصات التي يُعمل عليها في هذه الفترة ستخرج بنتائج مقبولة قريبة من المعدل العالمي، وذلك بسبب الحراك المدني الذي حصل العام الماضي وكثرة المتابعين لهذا الملف، مما أشعر كل من يحاول التعاطي مع هذا الموضوع بالطريقة الفاسدة المعتادة أنّ ما يريده صار شبه مستحيل.

المقارنة الفعلية بين سعر النفايات في لبنان والخارج تبدو غير واقعية بحسب القنطار، فتقدير القيمة الفعلية للنفايات يحصل ليس فقط باحتساب الكلفة الأساسية، بل يجب بالإضافة إلى ذلك احتساب الكمية المستردّة وما يتم الإستفادة منه من خلالها، بعد تحويلها إلى وقود بديل يتم من خلاله توليد الكهرباء على سبيل المثال.

كمية الإسترداد في لبنان ضئيلة، لا تفوق الـ 15% من حجم النفايات الكلي، كما أنّ البنية التحتية للمعالجة في لبنان ضعيفة، وبالتالي لا يمكن إجراء مقارنة فعلية مع الخارج.

(من أجواء الحراك الشبابي واحتجاجات المجتمع المدني العام الماضي)

فضيحة الشركة الهولندية

من فضائح ملف النفايات الشركة الهولندية كانت قد أعلنت أنها تلقت موافقة مبدئية من دولة سيراليون، وأبرزت كتاباً موجهاً إليها وموقّعاً من مستشار الرئيس السيراليوني يتضمن الموافقة على استقبال النفايات الصادرة من لبنان.

إلا أن قنصل سيراليون في لبنان،  نفى حينها منح الشركة الهولندية مثل هذه الموافقة (التفاصيل نشرتها الميادين نت وقتها)، وأصدر بياناً يشير إلى أنه تلقى اتصالاً من رئيس جمهورية سيراليون أرنست باي كوروما، لإعلام الجهات المسؤولة في الدولة اللبنانية والرأي العام أن الخبر الذي نشر في بعض الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، عن موافقة مبدئية من دولة سيراليون بموجب خطاب من الرئيس والحكومة السيراليونية بقبول استيراد النفايات اللبنانية على أراضيها من قبل الشركة الهولندية، هو خبر عار من الصحة ولا أساس له. تسريب خبر موافقة سيراليون ونفيها لاحقاً، أديا إلى انسحاب الشركة.

(من المشاركات الشعبية العام الماضي على خلفية أزمة النفايات)

اخترنا لك