عائلة ماصي هربت من داعش واجتمعت: كم هذه المياه ظالمة!

عائلة خيري عبد الله ماصي اجتمعت من جديد. رحلة من الألم الطويل عاشها الوالد بعدما انتزع داعش عائلته من بيد يديه. الميادين التي واكبت عودة طفليه إليه، عادت مرة أخرى لترصد عودة زوجته وابنته. الفرح كان عارماً، لكنه فرح ناقص مع وجود عائلات أيزيدية أخرى لم يعرف مصيرها بعد.

فرح خيري عبد الله ماصي عارم. سروره أكبر من ثلاث سنوات من الغربة القسرية التي اختطفت منه عائلته. الحبور لم يأت إلى خيري مرة واحدة. جاءه على دفعتين. أتاه في المرة الأولى بولديه، ثم قبل أيام أحضر له زوجته وابنته. الغربة كانت مميتة لخيري ماصي. قال للميادين في وثائقي "نزيف الرافدين"، إن كان يشعر بنفسه كالأموات. إنه أضحى رجلاً بلا أحلام. اليوم صار لخيري ماصي أن يفسح مكاناً للأحلام. حاجم، شلال، زوجته وابنته، كلهم أمام عينيه.

العائلة الأيزيدية التي سلبها داعش حريتها، عادت اليوم وهي تحمل لخيري روحه. إنتظر الرجل طويلاً هذه اللحظة. ربما لم يكن يعتقد أنه سيحظى بلقاء عائلته من جديد، بعدما أصبحوا داخل أسوار جهنم التي أعدها تنظيم داعش لهم ولغيرهم من العائلات الأيزيدية.

الميادين عادت وقابلت خيري ماصي. أرادت أن ترصد ما حلّ بعائلته وتنقل صورة اجتماع أفرادها مجدداً. كرر ماصي ما أعلنه سابقاً في الوثائقي، كأنه يقول إن ما هو فيه اليوم لم يكن يتوقعه. روى أن عائلته كانت من ضمن العائلات الأيزيدية التي وقعت في قبضة داعش عندما سيطر التنظيم على سنجار.

"قبض على جميع أفراد أسرتي" قال خيري للميادين مضيفاً "نقلوهم من الزلالية إلى سنجار وتلعفر ثم إلى السجن. فرقوا النساء والاطفال عن البنات، ثم أعادوا نقل الإناث إلى الرقة، ومنها مرة أخرى إلى كسر المحراب في قضاء تلعفر".

ظلت عائلة ماصي ثلاثة شهور في تلعفر قبل نقلها إلى الرقة ثم مزرعة في الطبقة، ثم توزيعهم على أمراء التنظيم. كانت العائلة من "مغانم" أحد "أمراء" التنظيم وهو تونسي الجنسية. زوجة ماصي، إيمان وأولادها بقوا سنة مع "الأمير" إلى أن قُتل. تقول إيمان إن التنظيم عامل عائلاتها بعد مقتل "الأمير" بوصفها "عائلة شهيد". الصدفة لعبت دوراً في تعرف عائلة أخرى على أسرة ماسي، فكان أول ما فعلته بعد هربها من التنظيم هو إبلاغ خيري بمكان عائلته. بدأ التواصل بين خيري وولده شلال حتى استطاع والد العائلة المخطوفة تأمين مبلغ مادي لتهريب حاجم وشلال إلى تركيا، ومن هناك إلى العراق. كان اللقاء بهما أقوى مما يمكن لبشري أن يحتمله.

السعادة تطفح من وجه إيمان. كأنها تختبر الطمأنينة غير مصدقة أنها فازت بها. روت رحلة العذاب. تشكر الله على تحررها من داعش. إلا أن فرحها ناقص. "أفكر بالبقية"، تقول متمنية معرفة مصير كل الأيزيديين الذين لم يعودوا.

إيمان التي حاولت الهروب مرة ففشلت حيث اعتقلت واغتصبت، نفذت القرعة عليها وسواها من النساء. كانت من نصيب "الأمير" التونسي. "جعلني أشهر إسلامي ثم احتجزني وأولادي. تزوجني"، تقول إيمان كاشفة عن بكاء كثير ورعب عاشته الأيزيديات وأطفالهن.

أما الصغيرة، الخجولة حد الصمت، استنطقتها الميادين، حتى قالت إنها "كنت أخاف منهم (داعش). لم يكونوا جيدين معنا. معامتلهم لم تكن جيدة. أخذوا النساء والبنات. كانوا يضربوننا".

ترخي نظرها إلى الارض ثم لا تلبث أن ترتسم الابتسامة على ثغرها "الحمد لله عدت ورأيت أبي وعائلتي. أنا فرحانة جداً. الآن أنا في مدرسة ولدي صديقات. الحمد لله هناك اختلاف كبير بين حياتي اليوم وبين حياتي عند داعش".

شلال وحاجم، بدا عليهما وكأنهما لم يكونا من "أشبال الخلافة" يوماً. كبرا منذ عرض الوثائقي الذي تحدث عن قصة هربهما ولقائهما بخيري. يرويان كيف أنهما منذ لحظة عودتهما بقيا ينتظران أمهما وشقيقتهما. "لم نكن مرتاحين أنا وأخي. ظل حاجم يبكي طالباً عودة أمي. أمي عادت. نحن الآن فرحون".

التأم شمل عائلة خيري ماصي. لكن هناك عائلات أخرى لم يعرف مصيرها بعد تجعل الفرح ناقصاً. "أمنيتي في الحياة أن يرجع الايزيديين المخطوفين ونفرح جميعاً"، يختم خيري. 

وكما تقول إحدى الاغنيات التي رافقت مشهد لقاء ماصي بولديه "آه يا أمي لقد أخذت المياه أعزّ أحبابي، كم هذه المياه ظالمة"، كان داعش كفاصل ماء جهنمي صرم الآصرة بين الأزواج والزوجات، وبين الأمهات والابناء. كأن ماصي المسرور بلمّ الشمل، يرنم في نفسه بصوت بين الحزن والفرح: كم كانت هذه المياه ظالمة!

اخترنا لك