إيران ومحاولات خفض التوتر بين دمشق وأنقرة

الحكومة التركية والتي ترى في الملف السوري مخرجاً لأزماتها الانتخابية رحبّت بالخطوات الإيرانية معتبرة إياها مساهمةً ذات أهمية عالية في تطبيع العلاقات مع سوريا.

  • وزير الخارجية التركي ونظيره الإيراني (أرشيف)
    وزير الخارجية التركي ونظيره الإيراني (أرشيف)

عادت طهران إلى خط الوساطة بين تركيا وسوريا عبر زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لكلا البلدين بهدف وضع مسار تفاوضي جديد إلى جانب احتواء خطر التصعيد العسكري بين الجارين. فالمهمة الصعبة تحتوي على تقديم مبادرة ترضي الطرفين بحيث ترعى المخاوف التركية بشأن المجموعات الكردية المسلحة على الحدود الشمالية لسوريا بينما تقطع الطريق في الوقت نفسه على أطماع أنقرة التوسعية.

وأكد أمير عبد اللهيان خلال زيارته للعاصمة السورية، دمشق، يوم السبت، رفض بلاده لأي إجراء عسكري تركي في الأراضي السورية، مشيراً أنه سيزعزع أمن المنطقة واستقرارها. لكنه عاد وأعرب في المؤتمر الصحافي نفسه إلى جانب نظيره السوري عن "سعادة إيران بنجاح اتصالاتها بين أنقرة ودمشق" معتبراً ذلك من مصلحة كل المنطقة.

وبعد 3 أيام وفي المحطة الثانية صرح الوزير الإيراني خلال لقائه بالنظير التركي مولود جاويش أوغلو أن طهران تتفهّم هواجس تركيا الأمنية في سوريا لكنه أيضاً حاول إيصال الرسالة للجانب التركي أن الحل الأفضل لإنهاء المخاوف هو وجود الجيش العربي السوري على الحدود.

الحكومة التركية والتي ترى في الملف السوري مخرجاً لأزماتها الانتخابية رحبّت بالخطوات الإيرانية معتبرة إياها مساهمةً ذات أهمية عالية في تطبيع العلاقات مع سوريا، لكن الأخيرة وضعت خطاً أحمر لأي إجراء تطبيعي مع الدولة التي انخرطت في مشروع تدميرها وتحولت لما يقارب الـ 10 سنوات إلى بوابةٍ للناتو من أجل استهداف دمشق. والخط الأحمر وفق تصريح الرئيس السوري بشار الأسد هو إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب. 

فالحكومة السورية التي اجتازت المراحل الصعبة من الأزمة واستعادت السيطرة على معظم أراضيها، لا ترى ضرورة في إعطاء الحزب الحاكم في تركيا بطاقة عبورٍ للانتخابات من دون الحصول على تنازلات باهظة الثمن.

وتشير كل هذه المعطيات إلى أن الأزمة بين الجارين لا تزال عميقة، والمساحة المتوفرة لدى إيران لإحداث تسوية ما بين سوريا وتركيا ضيقة للغاية.

وليست هذه المرة الأولى التي تبذل طهران إلى جانب روسيا جهوداً على هذا الصعيد إذ أدت المحاولات السابقة إلى إحداث خرق في العلاقات التركية والسورية وإلى عقد لقاءات أمنية بين الطرفين إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى المستوى السياسي ولم تتجاوز الإطار الأمني. 

وتتعزز حظوظ طهران للوساطة بين سوريا وتركيا بالنظر إلى الأوراق التي تمتلكها في العلاقات الثنائية مع كلا البلدين. فهي من أهم الشركاء الاقتصاديين لـتركيا، حيث يتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 15 مليار دولار سنوياً، بينما تعد طهران من أبرز حلفاء سوريا على الصعيد الإستراتيجي. إضافة إلى ذلك يزداد الانكفاء الروسي على خلفية انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية، لتبرز إيران كاللاعب الإقليمي الوحيد الذي يرفض الرؤية الأميركية ويقدم في الوقت نفسه مبادرات بديلة لتخفيض التوترات وإعادة هيكلة النظم الإقليمي.

التحالف الثلاثي يهدف إلى تحييد دور تركيا السلبي

  • الدبلوماسي الإيراني السابق هادي أفقهي
    الدبلوماسي الإيراني السابق هادي أفقهي

يرى الدبلوماسي الإيراني السابق، السيد هادي أفقهي أن "الهدف الأساسي وراء المحاولات السياسية من قبل التحالف الروسي – الإيراني – السوري هو تحييد تركيا في الأزمة السورية ومنعها من تأدية المزيد من الأدوار السلبية في هذا الملف".

ويقول أفقهي للميادين نت: "زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى سوريا وتركيا تأتي دعماً للعملية السياسية ولتفادي وقوع المواجهات العسكرية مجدداً، لكن سجل تركيا الأسود يؤثر سلباً هنا إذ إنها وقفت إلى جانب أميركا وساهمت في تنفيذ مشروع الإطاحة بالنظام الشرعي في دمشق عبر دعم المجموعات الإرهابية".

ويضيف الدبلوماسي السابق: "تقف تركيا الآن أمام مفترق طرق حيث تريد التخلص من الأزمة السورية وتبعاتها الاقتصادية والأمنية، لكن ومن جهة أخرى لا تسمح أميركا بتراجع الدور التركي وتحييده بسهولة إذ إن واشنطن تعد إسطنبول البوابة الرئيسية نحو سوريا".

واعتبر أفقهي أن إصرار تركيا على مواجهة المجموعات الكردية المسلحة مجرد ذريعة للبقاء في سوريا لأنّ المجموعات الكردية أضعف من أن تشكل تهديداً وجودياً لأمن تركيا القومي.

وتابع: إن "انقلاب المواقف العربية والتركية تجاه النظام السوري نابع من انتصار سوريا في دحر الإرهاب واستعادة معظم أراضيها".

وقد يبدو نجاح محاولات الوساطة لإعادة بناء العلاقات أمراً بعيد المنال في ظل أزمة الثقة العميقة بين سوريا وتركيا بعد عقد من المواجهة، لكن لا يمكن تجاهل حقيقة أن هذه المحاولات هي الحل الوحيد للحيلولة دون تكرار الصدامات العسكرية في بلد عانى من الحرب الأهلية والإرهاب خلال السنوات الماضية.

اخترنا لك