الإعلام الإسرائيلي صوت الاستعمار.. عن كيفية مواجهته ومقاربة أخباره

الإعلام الإسرائيلي يرتبط بالأمن بشكل أساسي، ومن هذا المنطلق، يمكن طرح عدد من الأسئلة، أبرزها: كيف يلعب الإعلام الإسرائيلي دوراً مرتبطاً بالاستعمار؟

  • الإعلام الإسرائيلي أداة لإعادة استعمار فلسطين
    الإعلام الإسرائيلي أداة لإعادة استعمار فلسطين

تأسس الإعلام الإسرائيلي بالتزامن مع الحركة الصهيونية، والذي بدوره روّج لفكرة الصهيونية وعمل على نشرها ليهود العالم وجلب التضامن الأوروبي والعالمي، لذا ظهر أفراد الهاغاناه والعصابات الصهيونية التي قتلت الفلسطينيين في قراهم وسرقت أراضيهم، بصورة أمام الرأي العام العالمي أنهم أبطال يدافعون عن أرض "إسرائيل".

 واستمر الإعلام الإسرائيلي بالصعود مع احتلال فلسطين بعد عام 1948 وإقامة "دولة" الاحتلال على أراضي فلسطين التاريخية، فيما عبّر زعماء الحركة الصهيونية عن ضرورة وجود إعلام مرتبط بالمشروع الصهيوني، وكان من بينهم "هرتسل" الذي قال خلال افتتاحية العدد الأول من أسبوعية الحركة الصهيونية "دي وولت"، إنه "يجب على هذه الصحيفة أن تكون درعاً للشعب اليهودي، وسلاحاً ضد أعدائه".

 وفي السياق ذاته، قال بن غوريون: "في هذه الساعة، نحن بحاجة إلى رقابة حرة ومخلصة؛ ولكن علينا الحذر، يجب علينا أن نزن أقوالنا وعدم إعطاء العدو معلومات أو زرع الفتنة والفوضى في شعبنا، وعدم الاستسلام".

وفي السياق نفسه، تأسست قبل عام 1948 "إذاعة إسرائيل" وعدد من الصحف الإسرائيلية، مثل "هآرتس" و"يديعوت أحرونوت" و"معاريف" و"دافار"، والصحف الإسرائيلية باللغة العربية: "بريد السلام"، و"السلام"، و"اتحاد العمال"، و"حقيقة الأمر". وقد استمرت غالبية الوسائل الإعلامية الإسرائيلية إلى يومنا هذا.

طورت وسائل الإعلام الإسرائيلية أدواتها مع الإعلام الرقمي، وانبثقت منها منصات ترتبط بمناصب إسرائيلية مثل صفحة "المنسق" على منصة "فيسبوك"، والتي تحاول كسر الحاجز بين الفلسطيني والاحتلال، وينبع عملها من وحدة تسمّى "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المنطقة"، أي الجهة الإسرائيلية المسؤولة عن إصدار التصاريح الأمنية لدخول فلسطين التاريخية المحتلة. كما استحدث الاحتلال صفحات إسرائيلية على وسائل التواصل الاجتماعي تبث خطاب السلام والمحبة وخطاباً آخر يهدف إلى شرعنة وجود "دولة إسرائيل".

يرتبط الإعلام الإسرائيلي بالأمن بشكل أساسي، ومن هذا المنطلق، يمكن طرح عدد من الأسئلة، أبرزها: كيف يلعب الإعلام الإسرائيلي دوراً مرتبطاً بالاستعمار؟، كيف يؤثر خطاب الاستعمار في الحالة الفلسطينية، نموذج الأسرى داخل سجون الاحتلال"؟ وما الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة الإعلام الإسرائيلي وخلق إعلام مناهض؟ 

الإعلام الإسرائيلي صوت الاستعمار

الميادين نت، أجرت حواراً مع الكاتب والصحفي والمختص بالشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، فأكد بدوره أن الإعلام الإسرائيلي هو إعلام عدو، وجزء من المنظومة، يخضع للرقابة ويحمل رسائل تؤدي دور تحسين صورة "إسرائيل" وإيصال رسائل رادعة وخلق الفتن والمشاكل الداخلية على الصعيد الفلسطيني.

وأشار عصمت منصور إلى أن " الإعلام الإسرائيلي يستخدم كأداة لبث الرسائل على المستوى الداخلي الإسرائيلي وإلى العالم، ومتسق مع الوضع السياسي، لذا يجب الحذر من الرسائل المباشرة والمبطنة".

ولفت إلى وجود فوضى في تناقل الأخبار الإسرائيلية، سواء عبر منصات الإعلام أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية، والمشكلة تكمن في قدرة أي شخص يجيد العبرية أو يلجأ إلى ترجمة النص عبر غوغل، على نقل الأخبار وتداولها من دون العودة إلى السياق العام والسياسي ونزع المعاني الثقافية التي تحملها اللغة العبرية.

ونبّه إلى أن تناقل الأخبار عن الإعلام الإسرائيلي قد يرتبط بقضايا ذات بُعد حساس مثل ملف الأسرى وصفقات التبادل، وفيها يتم بناء تحليلات وتصورات من دون التوضيح للقارئ ووضع خلفية تاريخية أو توضيحية عن مصدر الأخبار.

 وأضاف أن بعض الأخبار يصدر عن وزراء إسرائيليين لا يمتلكون القوة في صنع القرار، ويتم تضخيم المعلومات، فيما قد يصدر تصريح عن ضابط إسرائيلي أقل منصباً وظيفياً ولكن لديه صلاحيات وقوة تؤثر في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ولا يتم أخذ أقواله بالشكل المعمق والحقيقي.

من جهته، قال الصحفي ومؤسس المرصد الفلسطيني لتدقيق المعلومات والتربية الإعلامية "تحقق"، بكر عبد الحق، للميادين نت، إن الإعلام الإسرائيلي يلعب دوراً في المنظومة الأمنية، وقد ظهر ذلك خلال قضية الخان الأحمر، بعد أن نشر الإعلام الإسرائيلي أن قضيتهم قد حُلّت ومنحوا الجواز الإسرائيلي فيما لم يكن مسار أهالي الخان الأحمر كما صوّره الإعلام الإسرائيلي بل استمر الأهالي برفض الترحيل القسري وتمسكوا بأرضهم. وأشار، إلى أن الخبر جرى تداوله فلسطينياً من دون أن يتم إجراء مقابلات ميدانية وحيّة مع الأهالي.

وأكد أن" الإعلام الإسرائيلي يوجّه رسائل مبطنة هدفها شن حرب نفسية وتعزيز الانقسام الفلسطيني وتفتيت المجتمع الفلسطيني".

إخضاع الأخبار للشك والتدقيق

وقال عبد الحق إن المرصد الفلسطيني لتدقيق المعلومات والتربية الإعلامية عمل منذ عام 2015 قبل أن يستقل عن مؤسسة "شاهد" على تدقيق واستقصاء كل ما يتم تداوله عبر الفضاء الرقمي الفلسطيني والمحتوى الإخباري، بناءً على منهجية الشبكة العربية لتدقيق المعلومات، ويتبنّى المرصد مدوّنة العمل التي أقرتها الشبكة، ويعدّ جزءاً من مُقرّي بعض البنود.

فيما يصنف المرصد الفلسطيني لتدقيق المعلومات والتربية الإعلامية الأخبار ضمن معايير" المبالغة، الاجتزاء، خطاب الكراهية، غياب المنطق" وذلك تحت 4 تصنيفات، هي: مضلل، خاطئ، صحيح نسبي، صحيح كامل. فيما تعتمد آلية التحقق على وجود مصدر حيّ لتأكيد المعلومة أو نفيها، والاستعانة بتقنيات الذكاء المنتشرة على محرك البحث غوغل. وأكد عبد الحق أن مدققي المرصد الفلسطيني يستخدمون الإبداع والمزج بين الخبرة الشخصية والتقنيات والمقابلات الحيّة، للوصول إلى صحة الأخبار من عدمها.

كما يقوم المرصد الفلسطيني بفحص الأخبار المتعلقة بالشأن الإسرائيلي بمساعدة مختص بهذا المجال. ومن منطلق التجربة والخبرة، يصنف المرصد الأخبار الإسرائيلية لا سيما المضللة منها والتي ليس لها أي صلة بالإعلام الإسرائيلي وترتبط بالانقسام الداخلي الفلسطيني، والأخبار التي تتم إعادة تدويرها من الإعلام الإسرائيلي خلال ذروة المقاومة الفلسطينية. 

وأفاد عبد الحق أن التطورات التي شهدها الإعلام في الآونة الأخيرة والدخول إلى العالم الرقمي، سهل انتشار المعلومات وفرض طريقة جديدة في صناعة المحتوى، والرسالة ذاتها تمرّ عبر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والمرسلين وشركاء آخرين.

ولفت إلى أن الرقمنة فرضت على وسائل الإعلام أشكالاً جديدة من المعايير تعتمد على السبق الصحفي بعيداً من صحة المعلومة وجودتها، خصوصاً مع صعود الشعبوية والسعي وراء تحصيل التفاعل الإلكتروني بعيداً من الأخلاق الصحفية الكلاسيكية.

إنتاج خطاب ثوري

إن معرفة الأخبار الإسرائيلية وتحليلها هما من أجل فهم السياق الاستعماري ومقاومته، ولكن إن لم تخضع الأخبار للتدقيق والمعاينة تصبح سلاحاً موجّهاً ضد الفلسطيني، وذلك يتطلب جهداً على المستوى السياسي الرسمي والإعلامي والصحفيين لإعادة إنتاج خطاب ثوري تحرري ونقدي. ويرتبط الجهد لخلق إعلام ثوري وتحرري بالأيديولوجيا التي يمتلكها الصحفيون والإعلاميون الذين يعيدون تدوير الأخبار وتشكيلها.

وأضاف الكاتب والصحفي والمختص بالشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، أن معالجة مسألة الإعلام الإسرائيلي تتطلب إجراء جلسات تدريبية للعاملين في المجال الصحفي والإعلامي، كما تقع المسؤولية على عاتق الجهات الرسمية ووسائل الإعلام لوضع ضوابط مهنية وأخلاقية تجاه الإعلام الإسرائيلي وآلية التعامل معه.

فيما أكد الصحفي ومؤسس المرصد الفلسطيني لتدقيق المعلومات والتربية الإعلامية "تحقق"، بكر عبد الحق، أن مسؤولية الصحفي تدقيق المعلومات والتروي في نقلها، وعلى الجامعات والمؤسسات الأكاديمية فرض التربية الإعلامية التي تستقي المعايير والأخلاق الصحفية في التغطية الإعلامية.

اخترنا لك