الدبلوماسية الدينية.. متى تبني جسوراً للتلاقي ومتى تكون غطاء لمشاريع مشبوهة؟

ماذا نعني بالدبلوماسية الدينية، وكيف عمدت دول، ولا سيما واشنطن، إلى توظيفها بما يخدم مصالحها؟

  • الدبلوماسية الدينية بين نموذجين.. بناء جسور وتلاقٍ أو فتن وافتراق
    للدبلوماسية الدينية إيجابيات عديدة

مرّةً جديدة يُستخدم الدين غطاءً لتحقيق مآرب سياسية، هي الدبلوماسية الدينية بمعناها السلبي، والتي بات يُتقنها عددٌ من الدول وتُخصّص لها ميزانياتٌ وتؤسَّس جمعياتٌ وتحالفاتٌ تعمل على نشر أفكارٍ تخدم سياسة الدول المؤسِّسة.

"حلف الفضول" الجديد، إحدى هذه الأدوات، أسسته الإمارات عام 2019 بعد اجتماعاتٍ في واشنطن قادها مجلس الإفتاء الشرعي في الإمارات بحضور حاخاماتٍ يهودٍ لعلّ أبرزهم بروس لاستك، كبير حاخامات الطائفة اليهودية في واشنطن.

دورٌ جديدٌ كُلّفَ به الحلف في المغرب، من العاصمة الرباط أُعلن تشكيل فريقٍ للوساطات والمصالحات مهمّته التفاعل الحيوي مع الأحداث التي يمكن للدبلوماسية الدينية أن تُسهم فيها بدورٍ إيجابي.

هذا ما جاء في بيان الحلف، لكن فحوى الحديث يُعيد إلى الأذهان الدور السلبي لهذه الدبلوماسية المتمثّل في الترويج لحملات التطبيع العربية مع "إسرائيل" بوصفها تقارباً بين الأديان في محاولةٍ لنسف كلّ أسس الصراع العربي - الإسرائيلي، وتجلّى أيضاً في مبادرة أبو ظبي لنشر ما سمّته الديانة الإبراهيمية التي عدّها معارضوها دعوةً إلى مصادرة حرّية الاعتقاد والاختيار.

دبلوماسيةٌ بمفهومها السلبي انطلقت أساساً من واشنطن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر لتبرير غزو أفغانستان بوصفها منبعاً للإرهاب، كما استُغلَّت لتحقيق المصالح الأميركية في الخارج كاستخدام ورقة حقوق أقليات الإيغور لتشويه صورة الصين.

في المقابل، فإنّ للدبلوماسية الدينية إيجابياتها التي تجلّت  في الحوار بين الأزهر الشريف والحوزة الدينية في إيران، وانعكاساته الإيجابية على العلاقة بين المسلمين، وكذلك الحوار بين الفاتيكان والمرجعية في النجف، وما حمله من تشديدٍ على نبذ العنف والتطرف وتأكيد التعايش بين الأديان لكن من دون المساس بحرية الاعتقاد.

بين المضامين الإيجابية والسلبية لهذه السياسة يأتي تنظيم السعودية مؤتمراً إسلامياً لمكافحة التطرّف يهدف وفق السلطات إلى تكريس منهج الوسطية والاعتدال، ففي أيّ خانةٍ يصبّ هذا المؤتمر؟

مفهوم الدبلوماسية الدينية

في هذا الصدد، قال محلل الميادين للشؤون العربية والإسلامية قتيبة الصالح، إن الدبلوماسية الدينية تعتمد على الدين كشكل من أشكال التفاعلات الدولية وما تحت الدولية أيضاً.

ووفقاً لـ الصالح، فإنها آلية متمايزة في العلاقات، وهي أحد الأشكال التي تعدّت فيها الدبلوماسية إلى أنماط أو إلى مجالات أخرى منها  الدين بحثاً عن المشترك في العموم باستخدام العامل الديني، ومحاولة لحل الخلافات أو تقريب وجهات النظر في هذا الإطار.

هذا في التعريف، بحسب الصالح، ولكن في الممارسة هناك اتّجاهات أساسيات ذهبت إليها هذه الدبلوماسية، الاتّجاه الأول هو الدبلوماسية القائمة على مبادئ الدين وهو مفهوم قريب جداً للتعريف الذي أوردناه.

أما الاتّجاه الثاني، فهو الدبلوماسية باستخدام الدين، أي الاستناد إلى العامل الديني لخدمة  أجندة ما.

ولفت إلى أنّ بعض القوى الأساسية في الخليج بدأت تنتقل  إلى القومية المفرطة بدلاً من الدين كركيزة أساسية في المجتمع.

ولكنها، بحسب قتيبة، لم تتخلَ عن هذه الركيزة ولكنها تحولها إلى شكل آخر، بمعنى أنها تحاول استثمارها إلى حد ما كهوية أو كمركزية  بالنسبة إلى العالم الإسلامي.

وفي ما يخص الدور الأميركي في هذا الإطار، قال محلل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتحدة نزار عبود، إنه  في عام 2013 تبنّت الولايات المتّحدة ما عُرف باستراتيجية القومية الأميركية للتواصل مع زعماء الأديان وللاستفادة من القدرات الدينية العالمية، قائلاً إن تطبيق هذه الاستراتيجية يكون عبر آليات داخل وزارة الخارجية الأميركية بالتواصل مع زعماء الدين من كل الطوائف.

وأشار عبود إلى أن هذا طبعاً تبيّن في أوكرانيا بشكل خاص عندما استطاعت الولايات المتّحدة أن تفصل الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عن الكنيسة الروسية في عام 2014، قائلاً : إنه كان هناك جهد خارجي من الحكومة الأميركية.

وفي الشرق الأوسط، بحسب عبود، كثر الحديث عن التواصل عن طريق المذهب الإبراهيمي الذي قُدّم وعُمل عليه  بدعم أساسي لجعل الصهيونية تسيطر على الأديان وتحرّك المنطقة من خلال المنطلق الإبراهيمي.

وأضاف أن الادارة الأميركية حالياً تراجع ما تمّ تحقيقه على مدى عشر سنوات من هذه الاستراتيجية وتبني عليه، مضيفاً: "نذكر هنا طبعاً أن البريطانيين عملوا في الهند سابقاً على الفصل بين الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف وكذلك حتى النازية كان لديها برنامج في مجلس ميونيخ يتعلق أيضاً بتجنيد الإسلام لصالح النازيين". 

بدوره، علق محلل الميادين للشؤون الإقليمية والثقافية سليم بوزيدي، على الموضوع، قائلاً إن كل الدراسات التي تتعلق بالجانب الديني، تقول إنّ البناء الفوقي لأي مجتمع أقوى مرتبط بالدين، وهذا يشرح ويفسّر أهمية الدين في البناء الاجتماعي، وبالتالي الاقتصادي والسياسي والثقافي والقومي.

وربطاً بهذا الإطار المفهومي، قال بوزيدي إنه في الجزائر والدول العربية خاصةً المحسوبة على محور الاعتدال والتي تُحسَب أيضاً أنها أقرب للتديّن المعتدل المتسامح، وشمال أفريقيا بشكل عام عرفت هذه المسحة المعتدلة الصوفية.

لكن الذي حدث أنْ في السبعينيات مثلاً، بحسب بوزيدي، كان هنا توجّه سياسي قوي جداً للعب دور، حتى وإن كان في بعض الأحيان يتمظهر بأطروحات أيديولوجية لكن قدّم خدمة كبيرة لجهة أنه كان منبراً كبيراً.

وفي ما يخص موضوع اتّفاق "أبراهام" كما سُمّي والمخاطر التي يمكن رصدها من محاولة ربط الدبلوماسية الدينية بقيم التسامح بمشاريع سياسية مشبوهة كالتطبيع مع "إسرائيل"، قال بوزيدي: قد يكون هذا  أخطر ما في الموضوع لأنّ مركز الدار الإبراهيمية الذي تمّ الترويج له وحتى وضع الإعلانات في القنوات والصحف على أنها أحد مراكز التسامح الديني وحوار الأديان وجرى تصديرها على أنها  ستكون بؤرة أو مركزاً لمناقشة الأزمات السياسية من بينها القضية الفلسطينية".

وأضاف أن الجميع يعلم أن هذه الدار وهذا المركز هو تبرير مقنّع للتطبيع وتصفية القضية الفلسطينية.

ولفت إلى أن المشكلة هنا أن الدبلوماسية الدينية والدين وقع في تائين مدمّرتين، إما تاء التطرف أو تاء التطبيع، وغاب الاجتهاد وغاب التفكير والتدبّر والتأمّل في ماهيّة الدين.

ووفقاً له، فإن الدين هو أعلا مراتب البنى الفوقية في المجتمع وبالتالي سيبقى العامل الديني كما كان، حتى في المجتمعات العلمانية الدين عامل أساسي ومؤثّر، بل إن الثورات الكبرى والانتصارات الكبرى وحركات المقاومة الكبرى في الجزء الأهم منها جانبها الروحي ديني.

اخترنا لك