بريطانيا في أزمة غذائية.. هل أصبحت السلّة الفارغة في القارّة العجوز؟

محللون يقرأون أزمة التضخم في المملكة المتحدة، والنقص الذي تعاني منه البلاد في ظل الخلل في سلاسل التوريد الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، وما بعد جائحة كورونا، ويشيرون إلى أنّ الدول الأوروبية ليست أفضل من بريطانيا وهي تراقب الوضع!

  • تعاني محلات السوبرماركت في المملكة المتحدة من نقص في الخضار والفواكه والمواد الأساسية
    تعاني محلات السوبرماركت في المملكة المتحدة من نقص في الخضار والفواكه والمواد الأساسية

في ظل أزمة التضخم في المملكة المتحدة، يعاني المواطنون البريطانيون من نقص في المواد الغذائية، والذي ربّما قد يستمرّ أسابيع.

تقنينٌ في الخضَر والفاكهة يُغرق المواطن البريطاني في مخاوف حول أمنه الغذائي، فيما الأوروبيون يراقبون، بعضهم يستهزئ، فهل أصبحت بريطانيا السلّة الفارغة في القارّة العجوز؟ هذه بلا شكّ ولو جزئياً إحدى تداعيات الأزمة العالميّة، ولكن في حسابات التجّار والمزارعين في المملكة المتّحدة السبب واحد، "البريكست"، فهل مصير الكيانات مرتبطٌ بالتحالفات؟ وبين السياسة والاقتصاد أيّهما القاعدة في بناء التكتّلات ودوامها؟

وعن الأسباب الحقيقية وراء هذا النقص في الخضَر، في الفواكه، والمواد الأساسية، نقل مراسل الميادين موسى سرور، عما تحدثت به وزيرة البيئة البريطانية، تيريز كوفي، من أنها أخبرت النوّاب البرلمانيين في مجلس العموم البريطاني، بأنّ "الأمر يعود إلى الأحوال الجوّية"، وأنّ الأمر ربّما "قد يستمرّ لستّة أسابيع"، مستبعدةً أي سبب آخر لهذا النقص في الفواكه والخضار. 

من جهتهم، يعتبر المزارعون وأصحاب المحال التجاريّة أنّ من أهمّ أسباب هذه الأزمة الكبيرة التي تعاني منها بريطانيا إجراءات "البريكست"، وأنّ هناك نقصاً في عدد سائقي الشاحنات التي تنقل المواد أو الخضار من إسبانيا، ومن أوروبا إلى المملكة المتّحدة، إضافة إلى نقاط التفتيش والبيروقراطيّة المعتمدَة على الحدود ما بين فرنسا وبريطانيا. وأيضاً المسألة تتعلّق بإمدادات المواد الغذائية في ما يتعلّق بعمّال المواسم، الذين بسبب "البريكست" غادروا المملكة المتّحدة إلى بلدانهم، تحديداً إلى أوروبا، وبالتالي هذا أدّى إلى نقص في اليد العاملة، وارتفاع الأسعار، وتأثير ذلك على الأسمدة وعلى الإنتاج الزراعي في بريطانيا.

سليمان للميادين: الأزمة في بريطانيا بسبب النموذج الغربي

من جهته، تحدث محلل الميادين للشؤون الدوليّة والاستراتيجيّة، منذر سليمان عن نموذج غربي تعيشه بريطانيا اليوم، مشيراً إلى أنه دليل على أزمة هذا النموذج.

وأشار سليمان إلى أنّ "هناك مظاهر مشتركة في العديد من الدول، حتى الولايات المتّحدة تشهد من وقت لآخر في الفترة الأخيرة أيضاً نقصاً في بعض المواد والمنتجات، رغم أنّها موجودة في موقع جغرافي يساعدها، وسائل المواصلات المتوفّرة هي أفضل، ولكن بالتأكيد حتى أزمة الطاقة أثّرت بارتفاع أسعار الطاقة لفترة ما وبالتالي أصابت سلسلة التوريد".

ولفت إلى أنّ "المشكلة الرئيسيّة للنموذج الغربي بأنّه لم يعد نموذج إنتاج بقدر ما هو نموذج المضاربات الماليّة والأسواق الماليّة، التركيز أكثر على ذلك، وتضخّم المديونّة، ارتفاع الهوة بين الفقراء والأغنياء، هذا نموذج حتى جاذبيّته الثقافية على المستوى الثقافي"، إضافة إلى ما كشفته جائحة كورونا، التي كشفت الكثير من العيوب والمشكلات الحقيقيّة التي يعانيها النظام الرأسمالي والنموذج الغربي الاقتصادي.

عز الدين للميادين: أوروبا أفضل لكنها تعيش أزمة بريطانيا نفسها

وبالنسبة إلى سبب هذه الأزمة تحديداً في بريطانيا، ففيما بدت دول أوروبية وكأنّها أفضل حالاً منها على سبيل المثال، والاستهزاء عندما تُصوَّر رفوف في أوروبا أنها مليئة بالفواكه والخضَر على عكس بريطانيا، أوضح قاسم عز الدين محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية، أنه في حقيقة الأمر "أوروبا تعيش الظاهرة نفسها ولا تختلف عنها وإن كانت تظهر بشكل متقطّع".

وأشار إلى أنّ "هناك سبباً آخر تعيشه أوروبا مجتمعةً حتى بما فيها بريطانيا هو نقص اليد العاملة، وهذه مسألة بدأت تُطرَح خاصّةً في فرنسا وفي ألمانيا، حيث لا يوجد عدد كافٍ من العمّال للتوضيب أو للنقل، لماذا؟"، لافتاً إلى أنهم حاولوا أن يدمجوا الأوكرانيين والمهاجرين من أوروبا الشرقيّة، إلا أنه تبيّن أنّ الأوكرانيين بشكل خاص لا يعملون، هم يريدون ضريبة، يقولون لهم إننا ندافع عن وحدة أوروبا وعليكم أن تعطونا وتساعدونا، لذلك تُطرَح مسألة الهجرة الاقتصادية". 

سرور للميادين: أزمة بريطانيا بسبب "البريكست" وسلاسل التوريد

ولكن هل ستكون هناك دلالات أو أي مردودات على المستوى الاقتصادي والسياسي في المملكة المتحدة؟ هنا أوضح موسى سرور، محلل الميادين للشؤون الأوروبية، أنّ "هذه الأزمة قد تكون قد كشفت حقيقة الأمن الغذائي في بريطانيا، وكانت قد حذّرت رئيسة اتّحاد المزارعين في بريطانيا مينيت باترز من مسألة الأمن الغذائي وخطورة الإجراءات، وخطورة السياسات العامّة الحكوميّة على الأمن الغذائي البريطاني".

وأشارت باترز إلى أنه "إذا ما كان البريكست يؤثّر سلباً على مسألة الإمدادات الغذائية للمملكة المتّحدة فإنّ دعم بريطانيا للخيار العسكري وارتفاع أسعار الطاقة بسبب هذه السياسة المعتمدة أثّر سلباً على الإنتاج الزراعي". أي على سبيل المثال المملكة المتّحدة إلى جانب الولايات المتّحدة فرضت عقوبات على أسمدة البوتاس الروسيّة، ومن المعروف أنّ روسيا وبيلاروسيا يؤمّنان نحو 38% من الإنتاج العالمي لهذه المادّة، وبالتالي هذا الأمر أدّى إلى ارتفاع تكاليف الأسمدة.

وتابع سرور، أنّ "هناك الخيَم البلاستيكيّة التي تعتمد على الطاقة، وهو ما جعل المزارعين بسبب الربح البسيط يتخلّون عن مسألة الإنتاج الزراعي، إضافة إلى مسألة العمالة الموسميّة. هذه الأسباب أثّرت على الإنتاج الزراعي البريطاني، وبريطانيا تستورد نحو 48% من المواد الغذائية. إضافة إلى أنّ الأزمة العالميّة والأزمة البريطانية بسبب البريكست المتعلّقة بسلاسل التوريد ستؤثّر سلباً على الأمن الغذائي، ومن هنا سمعنا بعض المسؤولين الذين بدأوا يتحدّثون عن إجراء مراجعة في ما يتعلّق بالأمن الغذائي البريطاني".

هل "البريكست" أفضل من النموذج الغربي 

وعن النموذج الذي يمكن أن يحل محلّ النموذج الغربي، أشار سليمان، إلى أنّ "هناك تكتّلات واعدة وبشكل أساسي منظّمة البريكست، لكن هذا تكتّل واعد ويعاني الكثير من الإيجابيات لأنّ سبب وجوده كان بشكل أساسي بعد الأزمة الماليّة التي حدثت في 2008، وانكشاف ضرورة أن تكون هناك بدائل على المستوى الدولي للنظام الدولي القائم والذي كان يتأثّر بأزمة الدولار وغيره".

وعن المشكلات التي يواجهها "البريكست"، رأى سليمان أنها "واضحة ويمكن تخطّيها، ولكن لا تزال هناك مشاكل حقيقيّة حتى الآن لم تصل إلى هذا المستوى ولكن هي واعدة، فأن يتوسّع البريكست مسألة ضرورية لضمّ دول جديدة، مثلاً إيران كأنها دولة من المجموعة ولكن هناك الأرجنتين، وهناك مَن يرغب أكثر بأنّ تُضمّ دول أخرى، ككوريا الجنوبية مثلاً".

ورأى أنّ "هذه العقبات الأساسية التي تواجه البريكست حتى الآن هي على المستوى السياسي فلا يوجد تنسيق سياسي واضح، الأزمة في أوكرانيا أدّت إلى أن يصدر الاتّحاد الأوروبي بيانات واضحة حول الموقف من هذه الحرب، ولكن لا يوجد دعم سياسي من المنظّمات الدوليّة بمستوى الدعم نفسه من هذه المجموعة لروسيا". 

بالنسبة لموضوع تشكيل العملة البديلة،فإنها وفق سيلمان، "تحتاج إلى تعزيز أكثر لتصبح قادرة على المواجهة وقادرة على أن تكون بديلاً وتفرض تعديلات جوهريّة في النظام الدولي".

تأثير "البريكست" ومنظمة شنغهاي على النموذج الغربي

أما بالنسبة إلى تأثير عموم التكتّلات الشرقيّة الناشئة، "البريكست"، ومنظمّة شانغهاي على النموذج الغربي، فرأى عز الدين أنّ التكتّلات الشرقيّة (البريكس أو منظمة شانغهاي) أو غيرها من أشكال التعاون هي "مسار آخر لكن بخطى حثيثة".

المسألة الأساسيّة التي تُطرَح اليوم بالنسبة للتكتّلات الشرقيّة والدول الغربية، أي حلف الناتو، بحسب عز الدين، هي أنه "نحن لسنا في حالة سلام لكي نستشرف أو نبحث في إمكانيّة تطوّر هذه التكتلات، أو الانحسار الغربي والصراع بينهما وكأنّ العالم يعيش في سلام، على العكس من ذلك. الاتّجاه اليوم خاصّةً في الدول الغربية، أوروبا وأميركا، هو تصعيد للحرب على حافّة الهاوية، والتقديرات بأنّ المسألة ستأخذ وقتاً، يعني خمس  أو سبع سنوات، حتى عام 2030 يمكن أن تتبيّن لنا عوامل أو مؤشّرات عن المنظومة الدوليّة".

وأشار إلى أنّ "الحرب، أي النظام الدولي المقبِل هو ما قبل أوكرانيا وما بعد أوكرانيا، هذا إذا انتهت الحرب بسلام من دون تدمير الكرة الأرضيّة، وعليه إذا انتصر الحلف الأطلسي سيكون هناك عالم آخر بوجود البريكست أو بالتكتّلات، وستُهزَم بلا شكّ كل المحاولات، وهذا مستبعَد جداً".  فيما "إذا هُزم الحلف الأطلسي والدول الغربية عندها، وهذا من المرجَّح وتقوله المعطيات فإنّ الحلف الأطلسي لن يحقّق انتصاراً في أوكرانيا أو في الصراع ضد روسيا ومن ورائها الصين، عندها يمكن الحديث عن عالم جديد مشرق".

الخيارات والبدائل

وعن خيارت الحكومة البريطانية، رأى مراسل الميادين أنّ "هناك الكثير من الخيارات أمام الحكومة البريطانيّة وهي إعادة مراجعة اتّفاقية بريكست، وهذه الاتّفاقيّة بحسب حتى بعض المقرّبين من المحافظين أثّرت سلباً على الاقتصاد البريطاني، ومن هنا نجد أنّ رئيس الوزراء هو أكثر براغماتيّة من سلفه بوريس جونسون وحتى من ليز ستراس".

"يبدو أنّ هذه البراغماتيّة بدأت تحرّك لحلّ أزمة إيرلندا الشماليّة، وبالتالي ربّما خوض غمار إعادة تصحيح هذه الاتّفاقيّة التي أثّرت سلباً في ظلّ أجواء شعبيّة تؤيّد العودة إلى الحضن الأوروبي"، بحسب سرور، "وربّما هذا الأمر يساعد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وإذا قام الأخير بهذه الإجراءات أو بتصحيح هذه الأخطاء، فهناك ربّما مخاطرة سياسية   قد تعرّض مستقبله السياسي للخطر". 

مواقف سياسيّة متمايزة عن الولايات المتّحدة؟

يقول سليمان: "نلاحظ أنّ هناك قاسماً مشتركاً في الدول الغربيّة، نتحدّث عن أزمة النموذج الغربي، هذا الانقسام السياسي الحاد لا توجد إمكانيّة لتحالف وطني وازن يستطيع تأمين الاستقرار السياسي، حتى التشكيك في المؤسسات الديمقراطية، في المؤسسات السياسية القائمة، الانقسام حاد في الداخل الأميركي وحتى موضوع سلسلة توريد في الولايات المتّحدة".

ويضيف أنّ "هناك مشاكل ستبقى قائمة فستّون ألف شخص من سائقي الشاحنات غير متوفّرين الآن في الولايات المتّحدة، الارتفاع في الأسعار، استمرار عمليّة التضخّم، الانكماش في سوق العقارات كل هذه المسائل تدلّل عن أنّ عمليّة الاستمرار في أزمة اقتصاديّة عالميّة وفي الولايات المتّحدة مسألة قائمة".

ولكن ماذا عن الحالة العربية؟ 

"اللغة والمصير والجغرافيا والتاريخ والثقافة هي عوامل أوّليّة طبيعيّة لكنها ليست كافية بمفردها وبمعزل عن المسار التاريخي لتوحيد العالم العربي"، وفق عز الدين، "فالعالم العربي يخضع للتبعيّة السياسية، يخضع للتبعيّة الاقتصاديّة، والأخطر من كل ذلك التبعيّة الثقافيّة والفكريّة، بمعنى أنّ أي بحث عن حلّ، وأنا لا أتحدّث عن الحكومات ولا عن رؤساء الدول، النخَب، يأخذ الوصايا والتوصيات نفسها للحلّ، الانتقال للديمقراطيّة، نبذ العنف، إصلاحات في كذا وكذا، وهذه المشكلة الأساسية التي تزيد التضعضع ولا يمكن إيجاد باب مخرج مفتوح أو في الأفق المنظور".

ورأى عز الدين أنّ "المتغيّرات الدوليّة قد تساهم بشكل أساسي، ليس فقط في العالم العربي أي الذين ينطقون بالعربيّة، وإنّما بالاندماج الإقليمي والطرفين الإقليمين الأساسيين إيران وتركيا".

اخترنا لك