شهادة مسؤولة أممية من غزة: كم من الدم يجب أن يسكب قبل أن يصبح كافياً؟

المتحدّثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في غزة تعرض شهادتها للأوضاع في قطاع غزة، وتتساءل: "كم من الدم يجب أن يسكب قبل أن يصبح كافياً؟".

0:00
  • جثامين شهداء ارتقوا من جرّاء قصف إسرائيلي على جباليا في المستشفى الإندونيسي (أرشيفية - أ ف ب)
    جثامين شهداء ارتقوا من جرّاء قصف إسرائيلي على جباليا في المستشفى الإندونيسي (أرشيفية - أ ف ب)

قدّمت المتحدّثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في غزة، أولغا شيريفكو، توصيفاً مؤلماً، للجريمة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضدّ القطاع.

وقالت شيريفكو خلال مداخلة لها مع الصحافيين في جنيف:

"شاهد صانعو القرار في صمت، عبر شاشاتهم، المشاهدَ التي لا نهاية لها، لأطفال ملطخين بالدماء، وأطراف مبتورة، وآباء حزينين، شهراً بعد شهر بعد شهر.

بعد نحو 18 شهراً من إراقة الدماء، تقع غزة في حالة خراب، تملأ الأنقاض الشوارع، ويتخلل هديرُ الانفجارات صوت الأطفال الذين يلعبون.

في العديد من الليالي، تخترق صرخاتُ تخثّر الدم للمصابين السماءَ بعد الصوت المذهل لانفجار آخر.

بعد ثوانٍ، تدوي صفارات الإنذار من سيارات الإسعاف، التي تهرع لإنقاذ الجرحى وجمع القتلى.

قبل شهرين بالضبط، أغلقت السلطات الإسرائيلية جميع نقاط الدخول أمام البضائع، ما أدى إلى العد التنازلي لأسوأ السيناريوهات، حيث استنفدت الإمدادات، بينما تستمر الحرب.

وقد نفدت مخزونات الغذاء في الغالب، وأصبح الوصول إلى المياه مستحيلاً، وأبلغت المستشفيات عن نفاد وحدات الدم، مع استمرار وصول الإصابات الجماعية.

تقترب غزة من العمل على الفراغ، حيث يتم تقنين الوقود، حفاظاً على العمليات الأكثر أهميةً فقط.

وتذكّر صديق من مدينة غزة ذكرى مروّعة في اليوم الآخر: "رأيت الناس يحترقون قبل بضعة أيام بسبب القصف، ولم يكن هناك ماء من أجل إنقاذهم".

بدأت المطابخ المجتمعية الإغلاق، حيث لا يزال أولئك الذين يعملون قادرين فقط على تقديم وجبات متواضعة للغاية، ويعاني مزيد من الناس من الجوع.

قال لي صديق آخر يدير العديد من هذه المطابخ: "الحصار مميت، الناس يطلبون الطعام كل يوم، ولا أستطيع إطعامهم جميعاً".

إلى جانب الإمدادات، تستنفد طاقة الطهي بسرعة.

الأطفال في جميع أنحاء غزة، الذين حرموا من طفولتهم عدة أشهر، يبحثون في الجبال الضخمة من القمامة عن مواد يمكن حرقها للطهي؛ البلاستيك والنسيج والخشب، وأي شيء من شأنه أن يساعدهم على البقاء أحياء.

في محاولة للبقاء على قيد الحياة، تم إنشاء محطات في جميع أنحاء غزة، تحرق البلاستيك والنفايات السامة الأخرى لإنتاج الوقود.

ترتفع سحب الدخان الأسود إلى السماء، ما يؤدي إلى إطلاق أبخرة خطيرة، على نحو يعرّض حياة الناس للخطر ويدمّر البيئة.

في أقلّ من شهر ونصف الشهر، أُجبر أكثر من 420 ألف شخص على الفرار مرةً أخرى، وكثير منهم يحملون الملابس فقط على ظهورهم.

أُطلقت النار عليهم على طول الطريق، ووصلوا إلى ملاجئ مكتظة، حيث تمّ قصف الخيام، وغيرها من المرافق التي يبحث فيها الناس عن الأمان.

ولا تزال هذه الأهوال وغيرها تحدث بينما يراقب العالم. ومع ذلك، يمكن عكس هذا التدهور المروّع بسهولة إذا تمّ تمكيننا بالأدوات التي نحتاجها لتحويل هذا المدّ.

نحن على استعداد لاستئناف إيصال المعونة على نطاق واسع بمجرّد إعادة فتح المعابر. ونحن نتمسّك بتعهّدنا بالبقاء مبدئيين ومواصلة تخفيف معاناة الناس، أينما كانوا.

لدى المجتمع الدولي خيار الاستمرار في المرور عبر الصور المروّعة لغزة، وهي تختنق وتجوع، أو حشد الشجاعة لاتخاذ القرارات التي من شأنها كسر هذا الحصار الذي لا يرحم.

ليس لدى الناس في غزة مثل هذا الخيار، لأنّ مصيرهم معلّق في ميزان مسؤوليتنا الجماعية عن العمل.

وأشعر بالقلق من أنّ التدفّق المستمر للأشخاص الذين يُقتلون، حيث يتمّ تجريدهم من كرامتهم، وهم لا يزالون معزولين عن كل شريان حياة.

لقد أصبحت أعداد الذين قُتلوا أو أُصيبوا حقيقةً سرياليةً أخرى، يتمّ تحديدها كمّياً.

أنا قلقة من أنّنا، بعد 5 أعوام، أو 10 أو 20، من الآن، سننظر إلى أطفالنا وأحفادنا، ولن نستطيع شرح سبب عدم تمكّننا من وقف هذا الرعب لهم.

بالطريقة نفسها التي يسألنا بها الآباء الذين اضطروا إلى دفن أطفالهم، والأطفال الذين أُجبروا على جمع رفات والديهم، قطعةً قطعةً، الذين يشهدون على كلّ هذا اليوم عن سبب التخلي عنهم، نسأل: كم من الدم يجب أن يسكب قبل أن يصبح كافياً"؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك