مشهد إسبانيا السياسي عشية انتخابات مصيرية: تنافس حاد ومشاكل كبرى

التصويت غداً قد يكون الأكثر أهمية في إسبانيا منذ وفاة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو، بحيث يمكن أن تؤدي النتائج، لأول مرة، إلى تشكيل حكومة إسبانية تضمّ أغلبية وزراء من تيار اليمين.

  • المشهد السياسي في إسبانيا عشية انتخابات مصيرية.. تنافس حاد وسط مشاكل كبرى
    مواطن إسباني يمشي أمام لافتات دعائية لمرشحين للانتخابات البرلمانية التي ستجري الأحد

يتوجّه الإسبان إلى مراكز الاقتراع، غداً الأحد، في انتخابات مبكّرة تميل كفّة استطلاعات الرأي فيها إلى فوز ، على حساب رئيس الوزراء الاشتراكي، بيدرو سانشيز، على رغم ترجيح عدم تحقيق أيّ طرف فوزاً يتيح له الإمساك بمقاليد السلطة منفرداً.

قادة الأحزاب المتنافسة في الانتخابات التشريعية 

يمسك رئيس الوزراء سانشيز بمقاليد السلطة منذ عام 2018، بينما يتوقع كثيرون انتهاء المسيرة السياسية للاشتراكي، البالغ من العمر 51 عاماً.

وصل سانشيز إلى رئاسة الوزراء بعد حجب الثقة في البرلمان عن حكومة رئيس الوزراء السابق المحافظ ماريانو راخوي، بدعم من مجموعة أحزاب اليسار وممثلين سياسيين للباسك وكاتالونيا.

وأقرّت حكومته سلسلة من التشريعات المثيرة للجدل، مثل تشريع الموت الرحيم، والسماح لمن بلغ السادسة عشرة بتغيير جنسه في بطاقة الهوية، عبر مجرد التصريح بذلك.

وعزّز أستاذ الاقتصاد السابق تأثير مدريد في الاتحاد الأوروبي، الذي تتولى حالياً رئاسته الدورية، وهو أول رئيس وزراء إسباني يتحدث الإنكليزية بطلاقة.

ودعا سانشيز، المعروف بإقباله على المخاطرة، إلى الانتخابات المبكرة، في أعقاب خسارة الاشتراكيين والتحالف اليساري في انتخابات محلية وإقليمية أُجريت في أواخر أيار/مايو الماضي.

فيخو ي

وفي مقابل سانشيز، يبرز منافسه المحافظ ألبرتو نونيس فيخو (61 عاماً)، بعد نحو عام في زعامة الحزب الشعبي. تمكّن فيخو من إعادة الاستقرار إلى التشكيل ي، بعد أزمة داخلية هي بين الأسوأ في تاريخه.

وترأّس فيخو الحكومة الإقليمية في مسقط رأسه، منطقة جليقية، أو غاليسيا، في شمالي غربي إسبانيا، مدة 13 عاماً، بالإضافة إلى ترؤسه خدمات البريد والخدمة الصحية. 

وفي عهده، حلّ الحزب الشعبي في صدارة استطلاعات الرأي. وتعهّد، في حال فوزه، إبطال عدد من القوانين التي أقرّتها حكومة سانشيز، وأحدها متعلّق بالتعامل مع إرث حقبة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو (1939-1975).

كما اتهم سانشيز بخيانة إسبانيا، من خلال الاعتماد على دعم الأحزاب الانفصالية الباسكية والكاتالونية من أجل إقرار القوانين، والعفو عن قادة كاتالونيين كانوا يُمضون عقوبات بالسَّجن، على خلفية محاولة انفصال فاشلة في عام 2017.

ولم يستبعد اليميني فيخو التحالف مع حزب "فوكس" اليميني، للإمساك بالسلطة، في حال فاز الحزب الشعبي بأكثرية المقاعد من دون التمكن من تحقيق أغلبية كافية، وهو ما ترجحه استطلاعات الرأي.

وسبق للطرفين أن تحالفا في عدد من المناطق والبلديات في أعقاب انتخابات أيار/مايو، على رغم المواقف المتشددة لـ"فوكس" في بعض القضايا الاجتماعية.

الحزب الشيوعي الإسباني

وتمكنت وزيرة العمل، يولاندا دياز، المنتمية الى الحزب الشيوعي الإسباني، من استقطاب دعم 15 حزباً يسارياً صغيراً، بما فيها بوديموس، لتشكيل تحالف جديد تقوده يحمل اسم "سومر".

ووفق استطلاعات الرأي، أصبحت دياز (52 عاماً)، التي كانت مغمورة لدى تعيينها وزيرة للعمل عام 2020، أكثر زعيمة حزب تحظى بثقة الإسبان.

وتمكنت السياسية، التي تُعرف بشخصيتها المحبَّبة، من التفاوض على اتفاقات لتغطية رواتب الموظفين خلال الجائحة، وتحقيق زيادة مهمة للحدّ الأدنى للأجور، والدفع في اتجاه إصلاح أساسي لقانون العمل، يحدّ من اعتماد العقود الموقتة.

وطرح "سومر"، الذي يأمل أن يصبح شريكاً لحزب سانشيز في الحكم، برنامجاً انتخابياً يعتمد مبادئ أقصى اليسار. ومن طروحاته الأساسية توفير ما يصل إلى 20 ألف يورو للشبان من أجل إنفاقها على الدراسة أو التدريب المهني.

اقرأ أيضاً: إسبانيا تعود إلى مستواها الاقتصادي السابق لأزمة "كوفيد"

القومي

كذلك، بعد أعوام طويلة من الانتساب إلى الحزب الشعبي، اختار سانتياغو أباسكال شقّ طريقه منفرداً، اعتباراً من أواخر عام 2013، وساهم في تأسيس حزب "فوكس"، أي "الصوت"، اليميني، وتزعّمه منذ ذلك الحين.

ويعرف السياسي، البالغ من العمر 47 عاماً، بخطابه الشعبوي، وموقفه المتشدّد حيال استقلال كاتالونيا. وساهم في تحويل الحزب إلى "صانع ملوك" محتمل في المشهد السياسي الإسباني.

وزادت شعبية الحزب، بصورة مطّردة، في أعقاب فشل محاولة الاستقلال الكاتالونية عام 2017، وأصبح ثالث أكبر حزب في البرلمان بنتيجة انتخابات 2019.

ويعارض الحزب انتشار الشذوذ الجنسي والحقّ في الإجهاض، ويرفض تدخل الحكومة في مكافحة العنف على أساس "الجندر"، كما ينتقد "التشدد" في قضايا المناخ، ويريد تقليص المساعدات للمهاجرين.

وأقام أباسكال روابط قوية بسياسيين متشددين من اليمين في مختلف أنحاء أوروبا، من المجر إلى إيطاليا.

أهمية هذه الانتخابات ومشاكلها

يبدو أنّ التصويت غداً سيكون الأكثر أهمية في إسبانيا منذ وفاة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو، بحيث يمكن أن تؤدي النتائج، لأول مرة، إلى تشكيل حكومة إسبانية تضمّ أغلبية وزراء من اليمين.

وقد يُضاف هذا الاحتمال إلى فرصة حدوث تغيير أوسع نطاقاً في أوروبا، قبل انتخابات البرلمان الأوروبي العام المقبل، ويمنح القوى اليمينية الأوروبية الأخرى دفعةً مهمة، وهي التي تريد أن يتخذ الاتحاد الأوروبي مواقف أكثر تشدداً في كلّ شيء، من سياسة المناخ إلى الهجرة.

لكن، من الناحية العملية، قد تجعل مجموعة من العوامل والمشاكل والتهديدات هذه الانتخابات الأكثر فوضوية في تاريخ البلاد، إذ يجري التصويت في الصيف، في حين أن ربع الناخبين المسجلين في إسبانيا، والبالغ عددهم 37 مليوناً، هم في إجازة.

وبالتالي، هناك احتمال حقيقي، مفاده أنّ الناخبين المعينين لمراكز اقتراع لن يحضروا، وهو سيناريو من شأنه أن يُلزم السلطات بتجنيد مزيد من الموظفين على الفور، وتأجيل التصويت.

وتُجرى الانتخابات أيضاً وسط موجة حر شديدة، بحيث تتراوح درجات الحرارة بين 35 و40 درجة مئوية، بينما تجهد السلطات المحلية، المكلفة الإشراف على البنية التحتية للاقتراع، في تركيب مراوح في المدارس والمباني العامة، حيث سيصطف الإسبان للتصويت.

وعملياً، تضع هذه العوامل إمكان التنبّؤ بمعدلات المشاركة في الانتخابات في مهب الريح، فلا أحد يعرف ما سيحدث غداً بصورة دقيقة، في تصويت من المرجح أن يجبر أكبر قوتين سياسيتين في إسبانيا، هما الحزب الاشتراكي مع سانشيز، والحزب الشعبي اليميني مع فيخو، على التنافس في عقد صفقات مع حزب سومر اليساري، أو حزب فوكس اليميني المتشدد، من أجل التمكن من الحكم، وهو ما يجعل المشهد السياسي الإسباني بعد الانتخابات ضبابياً.

اخترنا لك