هل يُنهي غوستافو بيترو حقبة الحكم الطويلة لليمين الكولومبي؟

انتخابات رئاسية تجري في كولومبيا تحت شعار التغيير الذي يتطلع إليه الكولومبيون بغالبيتهم الكبرى، فيما يتصدر السباق غوستافو بيترو بعد تقدّمه في الجولة الأولى، ليصبح في حال فوزه أول رئيس يساري في تاريخ البلاد الحديث.

  • زلزالٌ سياسي في كولومبيا.. اليسار على أبواب الحكم
    غوستافو بيترو ليس اسماً جديداً في معترك السياسة.

 "هناك في نهاية المطاف خياران: إما نبقى على ما لدينا، الفساد والعنف والجوع، وإما نحدث تغييراً للمضي نحو السلام والتقدّم المنتج وديمقراطية تتسم بالشفافية". (مرشّح اليسار الكولومبي غوستافو بيترو، 30/5/2022)

شهدت كولومبيا، منذ عام، حراكاً جماهيرياً كبيراً ظهرت نتائجه بوضوح في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في البلاد، التي أُجريت منذ أيام. مرشّح اليسار غوستافو بيترو احتلّ الصدارة بعد فوزه بأكثرية 40% من الأصوات، وضَمِن مكانه في الجولة الثانية من الانتخابات التي ستقام في 19 حزيران/يونيو المقبل.

لمَ يُعدّ هذا الأمر تاريخياً؟ لأنّ كولومبيا هي الدولة البارزة الوحيدة التي لم تنتخب يوماً أي رئيسٍ يساري في المنطقة، وهو الأمر الذي من الممكن أن يحصل للمرة الأولى في حال فوز بيترو بالانتخابات. على رأس ائتلاف الأحزاب التقدمية، كان المرشح غوستافو بيترو متقدّماً في جميع استطلاعات الرأي منذ شهور، وهو أمرٌ يخيف اليمين الذي يحكم البلاد منذ استقلالها قبل أكثر من قرنين.

من الواضح أنّ أميركا اللاتينية تشهد تحولاً سياسياً كبيراً في الآونة الأخيرة، لا سيما بعدما صوّتت تشيلي وهندوراس بشكلٍ حاسم لرئيسين يساريين أزاحا الحاكمَين اليمينيين عن كرسيّهما أواخر العام الفائت، كما شهدت العديد من دول أميركا اللاتينية مؤخراً عودة إلى أحضان اليسار، مثلما حصل في البيرو والمكسيك وبوليفيا، إضافةً إلى فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا.

كولومبيا قريبة من أن تكون جزءاً من هذا المشهد التغييري، وهو تحولٌ سيلقي بظلاله، حُكماً، على منطقة أميركا اللاتينية برمّتها، لا سيما أنّ كولومبيا تحوّلت بفعل السياسات التي اعتمدتها قوى اليمين الحاكمة فيها لعقود طويلة إلى ركيزة أساسية في ما اعتبرته الولايات المتحدة "حديقتها الخلفية" منذ أواخر القرن الـ19، والتي تعدّ فيها واشنطن خططها ضدّ الحكومات اليسارية. سقوط بوغوتا بيد اليسار يعني أنّ الولايات المتحدة ستفقد قاعدة متقدمة في القارة.

من هو غوستافو بيترو؟

بيترو ليس اسماً جديداً في معترك السياسة، فقد كان السياسي البالغ 62 عاماً مشرّعاً ورئيس بلدية العاصمة بوغوتا سابقاً، وسبق أن ترشّح للرئاسة مرتَين. كان بيترو قريباً من الفوز خلال الانتخابات الماضية، في العام 2018، حين نافس الرئيس الحالي، إيفان دوكي ماركيز، الذي شهدت شعبيته تراجعاً حاداً منذ ذلك الحين، إذ تبلغ نسبة معارضي ماركيز اليوم 75%، بحسب ما ذكرت "فورين بوليسي".

ينحدر السيناتور الكولومبي من عائلة من العمال الريفيين الذين اضطروا، مثل كثيرين في البلاد، إلى الهجرة نحو العاصمة هرباً من الفقر والعنف. وكان بيترو مقاتلاً ثورياً سابقاً ينتمي إلى مجموعة "إم-19" الثورية التي تم حلّها عام 1990، وسُجن سنة ونصف السنة ثم انخرط بعدها في الحياة السياسية بعد توقيع معاهدة سلام بين النظام الكولومبي والحركات المسلحة في البلاد. يلقبه معارضوه بـ"كاستروشافيستا"، في إشارةٍ إلى تأثره بالقائد الثوري الكوبي فيديل كاسترو، والصّداقة التي كانت تجمعه بالرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز.

بيترو الذي يشغل حالياً منصب نائب في مجلس الشيوخ الكولومبي، يقود ائتلاف "الميثاق التاريخي" في الانتخابات الحالية، التي يخوضها مع مرشحته لنيابة الرئاسة فرانسيا ماركيز، وهي ناشطة من أجل حقوق النساء ومناهضة للعنصرية، فرضت نفسها كإحدى الظواهر الطاغية في هذه الانتخابات.

تصدّر بيترو باستمرار استطلاعات الرأي العام، نتيجة تعهداته بإعادة توزيع رواتب التقاعد، وعرضه الالتحاق بالجامعات العامة بلا رسوم، ومكافحة التفاوت الطبقي العميق. كما تعهد بالالتزام الكامل باتفاق السلام المبرم عام 2016 مع مسلحي جماعة القوات المسلحة الثورية اليسارية (فارك)، والسعي لإجراء محادثات سلام مع "جيش التحرير الوطني"، الذين ما زالوا نشطين، وكذلك وقف جميع عمليات تطوير النفط والغاز الجديدة في البلاد.

تحديات تواجه الرئيس الجديد

تجري الانتخابات الحالية في البلاد في أجواء من التوتر السياسي الشديد، بعد 4 سنوات لم تشهد إصلاحات كبرى، وطغت عليها جائحة كورونا وركود اقتصادي، إلى جانب تظاهرات حاشدة في المدن وتفاقم العنف من قبل الجماعات المسلحة في الأرياف. هذا الوضع سيضع الرئيس الجديد وحكومته أمام تحديات كثيرة، فوفق استطلاعٍ للرأي، يرى أكثر من 74% من الكولومبيين أنّ بلدهم يسير في الاتجاه الخطأ، لذا تتعلق أكبر التحديات التي تنتظر الإدارة المقبلة بمعالجة مظاهر اللامساواة والفقر. تبلغ نسبة الفقر في البلاد 40% تقريباً، فيما تعدُّ كولومبيا إحدى الدول التي تعاني من أعلى معدّلات التفاوت في الدّخل، وتضمّ أكبر سوق عمل غير رسمية في أميركا اللاتينية، بحسب البنك الدولي.

التحديات الاقتصادية لا تقف عند هذا الحدّ، إذ إنّ كولومبيا تواجه أحد أعلى معدلات التضخم، بحسب ما أفادت وكالة الإحصاء الوطنية الكولومبية، التي ذكرت أنّ معدل التضخم السنوي قفز إلى 6.94% مطلع العام الحالي، وهو أعلى مستوى له منذ 2016، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 20% عن العام السابق، وزادت الأسعار بنسبة 1.67% في كانون الثاني/يناير عن شهر كانون الأول/ديسمبر، وهو أعلى ارتفاع شهري منذ العام 2001.

الأمر لا يقتصر على تحدياتٍ اقتصادية، بل يأتي تطبيق اتفاقية السلام المُوقَّعة مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية (الفارك) على رأس قائمة الأولويات. و"الفارك" هي حركة  ثورية يسارية، تعدّ جناحاً عسكرياً للحزب الشيوعي الكولومبي، دخلت في مفاوضات متقطعة مع الحكومة الكولومبية، انتهت بتوقيع اتفاق سلام معها صيف 2016 لإنهاء الصراع بينهما.

تنضمّ إلى هذه التحديات قائمة طويلة ترتبط بإصلاح القوات المسلّحة وأجهزة الشرطة، ومكافحة الفساد في مؤسسات الدولة، وإصلاحات ضريبية معقدة، إلى جانب تحديد مسار العلاقات الخارجية مع الولايات المتحدة.

عملية الإصلاح المعقدة التي سيتوجّب على بيترو، في حال فوزه، الخوض فيها، ستصطدم بطبيعة الحال بمقاومة ضارية من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها المحلّيين، في حال تمّ كسر "الحلقة الكولومبية" في منظومة السيطرة الأميركية. إذا وصل السيناتور اليساري إلى سدّة الحكم، سيفقد الغرب الولاء غير المشروط من حليفه الأكثر ثباتاً في المنطقة، وهو ما قد يحرّك الخطط الانقلابية التي من الوارد أن ترسمها واشنطن لكولومبيا للعبث بأمنها.

اخترنا لك