• 

"عندما دخلت الدبابة الإسرائيلية إلى مجدل شمس بقيت الدمعة في عيني"، هكذا عبّر الشيخ سليمان المقت، الرجل الجولاني، عندما عادت به الذاكرة إلى عام 1967، العام الذي أقدمت فيه "إسرائيل" على احتلال الجولان السوري.

في فيلم "سوريون في نصف جنة" الذي سيعرض على شاشة الميادين، الجمعة، ينضم إلى الشيخ المقت جولانيون كثر، يحملون في ذاكرتهم صوراً جمعت جمال أرض الجولان، بحرقة احتلالها من قبل العدو الإسرائيلي، عائدين إلى محطات لا تنسى خلال أيام الاحتلال.

يعرّج الفيلم أيضاً على تجربة العمل العسكري السرّي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم تجربة العصيان المدني العظيمة التي خاضها أهل الجولان المحتلّ في إضرابهم الكبير عام 1982 واستمرّ 6 أشهر، رفضاً لقرار "ضمّ" الجولان السوري المحتلّ إلى "إسرائيل" وفرض "الجنسية الإسرائيلية" على سكانه.

مجدل شمس.. باقون رغم الاحتلال

بعد عام 1967، احتلت "إسرائيل" قرى الجولان السوري، بما فيها مجدل شمس، ومنذ ذلك اليوم، بدأت تتكدس حكايا أهالي المجدل، الذين باتوا يرون أقرباءهم بالعين المجردة، من دون القدرة على العبور إليهم، وعناقهم عن قرب، بسبب الاحتلال.

يروي سكان القرية، في الوثائقي، حكايا تمسكهم بالأرض، وأشجار التفاح والكرز التي تتميز بها أراضي الجولان، ويتحدثون عن الشهداء الذين ضمتهم هذه الأرض.

إحدى المتحدثات في الفيلم، من سكان المجدل، تصف حياتها تحت وطأة الاحتلال، وتعدد أسماء أفراد عائلتها الذين وافتهم المنية خارج المجدل، من دون أن تراهم، أو تحضر جنازاتهم، واختصرت الكلام بعبارة: "الموت أهون من ضياع الأرض".

مقاومة.. حتى استعادة الأرض

الأسير المحرر صدقي المقت يتحدث في فيلم "سوريون في نصف جنة" عن الشعور الذي امتلك أهالي المجدل المقاومين عندما صعدوا إلى قمة جبل الشيخ، وشاهدوا العمق السوري، واصفاً إياه بالوطن الذي يحلم به أهالي المجدل، ويناضلون لأجل تحرير الجولان والعودة إليه.

واستعرض المقت سلسلة عمليات ضد الاحتلال أبرزها عملية "بير الحديد"، التي تم خلالها نقل الألغام من الحقول التابعة للاحتلال الإسرائيلي، سواءً ألغام مُعَدّة لأشخاص أم دبابات، من الحقول وزرعها في الطرق التي يستخدمها للاحتلال.

ويروي المقت أسباب أسره ومراحله، ويقول إنه حوكِم على أنشطة حركة المقاومة السرّية، وصدر الحكم 27 سنة، أمضاها كاملةً داخل سجون الاحتلال. 

لا اعتراف بـ "الجنسية الإسرائيلية"

حاول الاحتلال الإسرائيلي فرض "الجنسية الإسرائيلية" على أهالي قرى الجولان المحتلة، لكن مواجهتهم لفكرة الاحتلال كانت راسخة، "فمن يحمل الجنسية الإسرائيلية لا يُصلى عليه عند وفاته"، كما قال الشيخ أبو حسين نزيه محمود، من سكان الجولان.

ووصف الشيخ محمود حامل "الجنسية الإسرائيلية" بالشخص الـ"منبوذ" والمقاطع دينياً واجتماعياً، وتابع: "لا مكان في يوم من الأيام أن يُفتَح الباب على الجنسية، هذا باب مُقفَل وهذا شيء محرّم في ديننا".

هناء محاميد: الفيلم يعكس ما يشعر به الناس تجاه أرضهم وسوريتهم

الصحافية هناء محاميد، مراسلة الميادين في فلسطين المحتلة، تحدثت عن مراحل صناعة وثائقي "سوريون في نصف جنة"، قائلةً إنّ تصويره امتد عاماً كاملاً، تخلّلته مراجعة دقيقة للمقابلات والصور بهدف استخلاص أكثر ما يخدم الفيلم من حيث مشهديته ورسالته.

وتابعت أن فكرته تبلورت بشكل تراكمي من خلال زياراتها الصحفية المتكررة إلى الجولان المحتل، وانكشاف القصص الإنسانية أمامها، التي ترتبط بأصل الحكاية، وهي الاحتلال الذي أدى إلى سلخ السوريين عن امتدادهم الوطني والجغرافي.

وأشارت إلى أنّ الهدف من صناعة هذا الفيلم أن يعكس حقيقة ما يشعر به الناس تجاه أرضهم ووطنهم وسوريتهم من جهة، وتجاه الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، بعيداً عن الخطابات وعن السيناريوهات الجاهزة وإنما في لحظات صدقهم الإنساني، لذلك عمد الفيلم إلى مرافقة الشخصيات في بيئتهم الخاصة ومساحاتهم اليومية.

وأضافت محاميد "حاولنا التركيز على عنصر الانتماء الوطني السوري الخالص لسكان الجولان المحتلّ بعد أكثر من 5 عقود على الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعاطى مع محطّات نضالية مهمة جداً في تاريخ الجولانيين وإن لم يكن بالتفصيل الدقيق لهذه المحطّات".

ولفتت محاميد إلى أنّ انطباعها عن جمالية الجولان المحتل بأرضه وأهله، تكرس بعد تصوير هذا الوثائقي، متابعةً أنّ أكثر ما فاجأها في طبيعة أهالي الجولان هو التقاء قطبي اللين والصلابة في شخصياتهم.

وختمت محاميد أنّ "سوريون في نصف جنةّ" هو فيلم يطمح لأن يقدّم معلومة منصفة للمشاهد حول السوريين تحت الاحتلال الإسرائيلي في الجولان، ضمن السياق التاريخي لتجربتهم النضالية المتواصلة، وكذلك أن يقدّم تحيّة لأهالي الجولان المحتلّ أنفسهم، لصمودهم وعنفوانهم وصلابتهم.

وثائقي "سوريون في نصف جنة" يأتيكم، عبر شاشة الميادين، يوم الجمعة (28-04-2023) الساعة التاسعة مساءً بتوقيت القدس الشريف.