برلمان أقلوي بحضور إسلامي

المزاج الشعبي العام في الأردن انحاز إلى المقاطعة الواسعة للانتخابات، وهو ما يعني أن مجمل القوى السياسية الأردنية، لا تزال بعيدة عن نبض الشارع الأردني.

0:00
  • الانتخابات النيابية الأردنية.
    الانتخابات النيابية الأردنية.

من خلال نظام انتخابات نيابية يشبه إلى حد ما النظام اللبناني، احتلت جبهة العمل الإسلامي المكانة الأولى من بين الكتل المتنافسة على مستوى الدائرة العامة، في الانتخابات البرلمانية الأردنية الأخيرة، فيما احتلت المكانة الثانية من المقاعد على مستوى الدوائر المحلية، مقابل أكبر تكتلين محسوبين على السلطة (الميثاق وإرادة). 

كما احتلّت الجبهة وفق النتائج المذكورة، اهتمام القوى السياسية على الصعيدين المحلي والخارجي، فماذا عن الحجم الحقيقي وتبعاته المحلية والإقليمية والدولية، وماذا عن المشهد الانتخابي الأردني بشكل عام: 

1- باستثناء المرحلة التي تلت معاهدة وادي عربة وصعود حركة حماس (جذرها في الضفة الغربية كان جزءاً من جماعة الإخوان في الأردن)، فإنّ العلاقة بين السلطة الأردنية وجماعة الإخوان كانت أقرب إلى التحالف وخاصة في عقود الصعود الناصري. 

2- إن المزاج الشعبي العام في الأردن كما برهنت الانتخابات الأخيرة، انحاز إلى المقاطعة الواسعة، التي تراوحت وفق الأرقام الرسمية بين 65% و68% من الذين يحقّ لهم التصويت، فيما تشكّك أوساط أخرى بهذه النسبة استناداً إلى تجارب سابقة وتحصر المشاركة بين 20% - 25% فقط، وهو ما يعني أن مجمل القوى السياسية الأردنية، من الإسلام السياسي إلى جماعات الدولة إلى المعارضة إلى الحراك الملوّن، لا تزال بعيدة عن نبض الشارع الأردني الذي يهتم ويكترث بأمرين أساسيين أكثر من اهتمامه بالديمقراطية والانتخابات، وهما الخبز والمعركة الطبقية من جهة والموقف من غزّة وكيفية إسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته من جهة أخرى. 

3-   إذا سلّمنا بالانفتاح الرسمي خلال هذه الانتخابات وتوسيع حصة الإسلاميين إلى هذا الحد اللافت للانتباه، فنحن إزاء إدارة تكتيكية ذكية لهذا الملف في ضوء تحسّبات سياسية قد تتحوّل إلى مخاطر حقيقية على الأردن بل وعلى السلطة أيضاً، ومنها: 

- نجاح ترامب في الانتخابات الأميركية، والذي لا يخفي انحيازه الصريح لنتنياهو وبرنامج الليكود والقوى الصهيونية التلمودية، ووضع الأردن تحت أقصى درجات الابتزاز فيما يخص الطبعات الجديدة المتوقّعة لصفقة القرن. 
ومعروف هنا أن العديد من أجنحة القوى الصهيونية المذكورة لا تكتفي بالدعوة إلى توسيع المستوطنات والترانسفير إلى الأردن، بل باحتلال المرتفعات الأردنية التي تطلّ على نهر ووادي الأردن. 

- تبعات إقليمية في ضوء معركة غزة، تدفع إلى دمج الأردن في أيّ تصوّرات سياسية خطيرة إذا ما تمكّن العدو الصهيوني من الاستفراد أكثر بالمقاومة والشعب الفلسطيني في غزة والضفة. 

- استخدام البرلمان كأداة لتحسين شروط السلطة مع حلفائها الخليجيين، ويشار هنا إلى ما جاء في مذكّرات رئيس الحكومة الأسبق، مضر بدران، حول حساسية دولة جارة للأردن مثل السعودية لأيّ انتخابات برلمانية أردنية مع هذا القدر من الهامش للمعارضة. 

4- إن هذا الشكل المفتوح من الانتخابات البرلمانية، ليس مؤشّراً على خطوة أردنية نحو حياة برلمانية حزبية كما تشيع أوساط رسمية، بل أقرب إلى التصوّرات التي عرفها الأردن بعد هبة نيسان الشعبية 1989 وأدت إلى انتخابات مماثلة فاز فيها الإسلاميون كما حصلت المعارضة الحزبية الحقيقية في حينها على أصوات لا بأس بها.

وقد انتهت هذه التجربة سريعاً تحضيراً للانتخابات التي أدت إلى برلمان أيّد معاهدة وادي عربة، وهو ما يعني أننا إزاء انتخابات برلمانية أشبه بمسح سياسي اجتماعي موضوعي برسم السفارات الأوروبية والأميركية والأوساط الرسمية النافذة، والانطلاق من ذلك لتشخيص الواقع الاجتماعي والسياسي والتعاطي معه في ضوء ذلك. 

5- إذا كان الإسلاميون امتداداً معروفاً لتجربة حزبية طويلة منذ منتصف الأربعينيات في القرن العشرين، وبالمثل الدولة الأردنية العميقة ومؤسساتها ومفاتيحها المتعددة، البيروقراطية أو العشائرية، فالملاحظ أن الجسم السياسي الآخر الذي انخرط في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إما جسم متأكّل أو شكلي أو جسم من الصعب توصيفه كجسم حزبي أو سياسي.

جسم متأكّل فيما يخصّ القوى اليسارية والقومية، الأولى ممثّلة بالحزب الشيوعي الذي حصلت قائمته على مستوى الدائرة العامة لكلّ الأردن على نحو 4% من المشاركين في الانتخابات، مقارنة بحصول تحالف حزب البعث (العراقي) وحزب حشد (امتداد الجبهة الديمقراطية) على نحو 2% فقط، أما القوى الليبرالية الجديدة التي تشبه الحركات الملوّنة فقد حصلت على أقل من هذه النسب.

في المقابل، فإنّ ما يعرف بأحزاب السلطة أو الموالاة وبالرغم من حصولها مجتمعة على مجموع يتجاوز جبهة العمل الإسلامي بل ويتجاوز نصف مقاعد البرلمان، فهي تشكيلات حديثة مقحمة لم تعرف العمل الحزبي قبل ذلك ومن الصعب توصيفها كظواهر حزبية حقيقية.

وفي كلّ الأحوال فإنّ حجم المقاعد التي حصلت عليها القوى المذكورة يبدّد كلّ الأوهام التي سادت المشهد الانتخابي وسوّقته كمشهد ديمقراطي خالٍ من التدخّلات الرسمية، كما أن المسألة المذكورة لا تعكس ميلاً لبناء حياة حزبية جديدة وتأسيس البرلمانات المقبلة عليها كما يروّج إعلام السلطة، بقدر ما تحمل مؤشّرات ملتبسة تتعلّق بإعادة الهيكلة الاجتماعية لمجتمع الدولة وتجهيزه لاستحقاقات المرحلة المقبلة فيما يخصّ القضية الفلسطينية والموقع الديموغرافي للأردن فيها.

بالتأكيد حافظ قانون الانتخابات الجديد على كوتا العشائر في الشمال والوسط والجنوب، ولكن البنية الأوسع للعائلات الأردنية تمتد إلى الأرياف أيضاً، ممّا لا يفصل تفسير الاهتمام الرسمي الواسع والمفاجئ بالأحزاب الجديدة الشكلية عن استبدال البنى العشائرية بالأشكال المذكورة.