المستعربون

فيما يخص الموقف من إيران، من المعروف أن المستعربين اليوم من الوكلاء الأصلاء كانوا منخرطين في دور إيراني إقليمي واسع النطاق أيام الشاه، خلال صراعهم مع العروبة الوطنية بقيادة عبد الناصر.

  • المستعربون
    المستعربون

لا نقصد هنا الظاهرة الصهيونية المعروفة في فلسطين المحتلة، بل حالة أخرى ليست بعيدة في "جوهرها" عن الظاهرة المذكورة التي تدرّب مكوناتها على إتقان العربية والتشبه بالعرب، بما يسهل عملها واختراق الوسط العربي وخداعه، بانتظار اللحظة المواتية لتنفيذ هذه الأجندة والمهمات أو تلك.

المستعربون المقصودون، وخصوصاً في لبنان، هم قوى سياسية وجمعيات "خيرية" ومنابر إعلامية لم تكتشف عروبتها إلا بعد إخفاق العدو الصهيوني أمام حزب الله في لبنان 2006، ونشاطات ما يسمونه "أذرع إيران" في فلسطين واليمن. كان هؤلاء المستعربون حتى وقت قريب، مع العواصم والمراكز المستعربة التي تغدق عليهم حنانها المالي، من ألد أعداء العروبة.

في لبنان مثلاً، شكَّل بعضهم أحزاباً أعلنت عداءها لسوريا والعرب عموماً منذ اللحظة الأولى، وأحالت لبنان إلى جغرافيا ثقافية بين الأوربة والأمركة والأسرلة والسطو على تاريخ الفينيقيين واقتطاعه من تاريخ المنطقة، على الرغم من أن الفينيقيين ظاهرة حضارية امتدت إلى كل أراضي سوريا التاريخية، ووصلت إلى قرطاج في تونس وأقامت مملكة فيها، كما وصلت سواحل إسبانيا قبل الأندلس وأقامت مدناً فيها، مثل قادش، وامتدت إلى سواحل مسقط، وأقامت مدناً هناك، مثل صور وصيدا.

يقول بعض هؤلاء إنهم يتبعون مار مارون، إلا أنه في الحقيقة مختطف من قبلهم، فهو الذي جاء قبل قرون من ضفاف نهر العاصي في سوريا، كما أنّ عائلات نافذة منهم قدمت من مناطق سورية، بينها درعا، وتوزعت بين المتن في لبنان ومصر خلال موجة الهروب من البطش العثماني.

أيضاً، فإنَّ لبنانهم الحقيقي هو لبنان الصغير الذي يظهر بين الحين والحين مثل جزر صيفية، وكلما "دق الكوز في الجرة" حول التقسيم والفدرلة. أما لبنان الكبير، فهو "أعظم مفارقة" في لعبة الطوائف الفرنسية، وذلك حين اقتطع الجنرال غورو مناطق أخرى من سوريا الطبيعية ذات "أغلبية إسلامية" وضمها إلى المتصرفية أو لبنان الصغير، وأقنع "ولاية بيروت" بأن تصبح عاصمة للدولة الجديدة، بعدما حاولت بعض عائلاتها الحفاظ على نفسها كولاية مستقلة.

هذا عن المستعربين من وكلاء العروبة النفطية المفاجئة. أما عن الوكلاء الأصلاء بدورهم عن المتروبولات الإمبريالية وراء البحار، فقد كانوا أصحاب صولات وجولات دامية مع العروبة عندما كانت من عناوين حركة التحرر الوطني والقومي ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية النفطية على وجه الخصوص.

وكان بين الساحات الدامية لمواجهة العروبة الوطنية، الساحة اللبنانية، عندما تشكَّل تحالف سياسي – عسكري- ايديولوجي – إعلامي 1958 ضد القومية العربية بقيادة جمال عبد الناصر، وضمّ التحالف المذكور الرجعية النفطية، إضافة إلى الأميركيين والبريطانيين، الذين لم يكتفوا بالمواقف السياسية، بل انخرطوا في الصراع العسكري، ودفعوا كتائب من مشاة البحرية، على غرار ما فعل التحالف نفسه زائد الإمبريالية الفرنسية لدعم العدوان الصهيوني على لبنان 1982، ولم يكن مصير التدخل العسكري-السياسي آنذاك ضد الوطنيين والعروبيين التقدميين أفضل من مصيره عام 1983، ولا سيما مصرع المئات من "نخبة" البحرية الأميركية والفرنسية.

إلى ذلك، وفيما يخصّ الموقف من إيران، فمن المعروف أنَّ المستعربين اليوم من "الوكلاء الأصلاء" كانوا منخرطين في دور إيراني إقليمي واسع النطاق خلال صراعهم مع العروبة الوطنية بقيادة عبد الناصر. وكانت إيران الشاه حينها تقدم نفسها وصياً على الخليج وشرطياً "دولياً – إقليمياً" لمحمياته من عبد الناصر والقوميين العرب، بل إن الدور الإيراني وصل إلى أفريقيا عبر حلف نفطي- ساداتي – أميركي – صهيوني باسم "نادي السفاري"، وتحت عنوان واضح لا لبس فيه: الدفاع عن المصالح الرجعية الصهيونية والأميركية..