"ذا سنتشوري فاونديشن": الانهيار الاقتصادي وليس الانتخابات هو الذي سيرسم مستقبل لبنان

يبدو من غير المحتمل أن تغيّر الانتخابات بشكل جوهري تكوين البرلمان أو كيف تُصنع السياسة في لبنان.

  •  القليل من الناس يعتقدون أن الانتخابات في لبنان ستسفر عن تغيير سياسي كبير.
    القليل من الناس يعتقدون أن الانتخابات في لبنان ستسفر عن تغيير سياسي كبير.

كتب الصحافي الأميركي سام هيلر مقالة مطولة في موقع "ذا سنتشوري فاونديشن" تناول فيه الانتخابات التشريعية المرتقبة في لبنان الأحد المقبل. 

وقال الكاتب إن "لبنان آخذ في التغيّر حيث تحوّل أزمته الاقتصادية البلد إلى شيء لا يمكن التعرّف عليه. ربما من المفارقات، مع ذلك، أن الانتخابات الوطنية الأولى في لبنان منذ بداية الأزمة يبدو من غير المرجح أن تحدث فرقاً كبيراً البتة".

وأضاف أنه في 15 أيار / مايو الجاري، سيقترع اللبنانيون في أول انتخابات برلمانية في البلاد منذ أن هزت الاحتجاجات الضخمة المناهضة للحكومة البلاد في تشرين الأول / أكتوبر 2019. ومنذ ذلك الحين عانت البلاد ليس فقط من أزمة الشرعية السياسية، ولكن كذلك من انهيار اقتصادي هو من بين أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ الحديث؛ وشهدت العاصمة بيروت أحد أكبر الانفجارات غير النووية على الإطلاق في 4 آب / أغسطس 2020، على ما يبدو بسبب عدم الكفاءة الرسمية والإهمال.

وتابع الكاتب أنه على الرغم من كل ذلك، يبدو أن القليل من الناس يعتقدون، داخل أو خارج لبنان، أن هذه الانتخابات ستسفر عن تغيير سياسي كبير. فبسبب الطريقة التي يتم بها تنظيم السياسة اللبنانية والنظام الانتخابي، يبدو من المرجح أن يؤدي التصويت في الغالب إلى إعادة إنتاج القيادة السياسية الحالية في البلاد. فخلال الأشهر الماضية، كانت السياسة اللبنانية بمعظمها منشغلة بهذه الانتخابات. ولكن بمجرد فرز الأصوات، سيتعين على اللبنانيين والأجانب المهتمين بهذا البلد أن يتعاملوا مع الوسائل الأخرى الموجودة لتحقيق التغيير في لبنان، إلى جانب الانتخابات، ومع الكيفية التي يعمل بها الانهيار الاقتصادي المستمر في لبنان على تغيير المجتمع والسياسة في البلاد بطرق خطيرة.

إعادة إنتاج الوضع الراهن

ورأى الكاتب أن الانتخابات اللبنانية المقبلة ستوفر نظرة ثاقبة مفيدة لواقع السياسة في البلاد. ومع ذلك، يبدو من غير المحتمل أن تغيّر الانتخابات بشكل جوهري تكوين البرلمان أو كيف تتم السياسة في لبنان. لكن، سيحدد التصويت على الأقل القوة العددية التي يمكن للقوى السياسية في البلاد حشدها. مثلاً، يجب أن تساعد نتائج الانتخابات في توضيح أي من أحزاب المعارضة العديدة الجديدة التي دخلت السياسة اللبنانية منذ عام 2019 لديها قاعدة شعبية فعلية. سيكون توزيع أصوات السنّة في لبنان أمراً مثيراً للاهتمام أيضاً، بعد انسحاب رئيس الوزراء السابق سعد الحريري وتيار المستقبل الذي يتزعمه من العملية الانتخابية.

وأضاف: مع ذلك، يتوقع القليلون أن تكون نتائج هذا التصويت مختلفة بشكل كبير عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان عام 2018، حتى مع تغيّر لبنان نفسه بشكل كبير في هذه الفترة. في 17 تشرين الأول / أكتوبر 2019، خرج اللبنانيون بشكل جماعي إلى الشوارع للاحتجاج على فساد نخبهم السياسية وعدم كفاءتها. وعززت تلك الحركة الاحتجاجية شبكة ناشطين على الصعيد الوطني، ووعياً سياسياً حديثاً بين اللبنانيين في جميع أنحاء البلاد. في موازاة ذلك، دفع سوء الإدارة الاقتصادية المتراكم وفساد النخب اللبنانية البلاد إلى أزمة اقتصادية كارثية. وقد تفاقمت تلك الأزمة بشكل كبير بسبب مقاومة تلك النخب السياسية والمالية للإصلاحات التي اشترطها صندوق النقد الدولي والمانحون الأجانب ضمن خطة إنقاذ اقتصادية. وقد تفاقم الوضع السيء في لبنان بسبب وباء فيروس كورونا وانفجار 4 آب / أغسطس 2020 في ميناء بيروت، مما أدى إلى مقتل أكثر من مائتي شخص ودمّر المدينة.

وأوضح الكاتب أنه منذ عام 2019، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها في مقابل الدولار. تقدر الأمم المتحدة أن أربعة أخماس اللبنانيين يعيشون الآن في فقر، بالإضافة إلى نحو 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان. ويعتقد أن مئات الآلاف من اللبنانيين غادروا البلاد. مع وضع كل ذلك في الاعتبار، يبدو أنه من شبه المستحيل تخيّل تصويت اللبنانيين على المزيد من نفس الشيء، ومع ذلك يبدو أن هذه هي النتيجة الأكثر ترجيحاً. 

وأضاف أن جماعات المعارضة الأحدث التي تنتمي إلى حركة احتجاج 17 تشرين الأول / أكتوبر منقسمة، مع وجود قوائم انتخابية متعددة لمرشحي "التغيير" في كل منطقة تقريباً، ويبدو أنه من المرجح ألا يتحدوا وأن يفسدوا الأصوات المناهضة للمؤسسة الحاكمة في البلاد. في هذه الأثناء، تظل قوى السلطة قوية، فلديها الموارد المادية التي يحتاجونها لتوزيع على المحسوبين عليها وتعبئة الناخبين. وهؤلاء الناخبون، وسط الانهيار الاقتصادي في لبنان، من المرجح أن يكونوا أكثر اعتماداً على سخاء السياسيين من أجل البقاء. كما يمكن للأحزاب التقليدية في لبنان أن تجلب موارد رمزية، فلا يزال لديها مؤيدون مخلصون، ولكل منها سردية جاهزة حول سبب إلقاء اللوم على شخص آخر في انهيار البلاد، ولماذا يتم تطويق وتهديد ناخبيهم الطائفيين.

وقال الكاتب إنه بالإضافة إلى فرز الأصوات الفعلي، يتضمن النظام السياسي اللبناني كذلك عدداً من الإجراءات المتداخلة بين مقصورة التصويت وعملية صنع القرار في الحكومة اللبنانية، مما يجعل من الصعب رؤية كيف يترجم تصويت أي مواطن إلى سياسة متغيرة.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

انتخابات تشريعية مصيرية يشهدها لبنان، بعد ما يزيد على العامين من أزمة اقتصادية سياسية غير مسبوقة، تشابك فيها المحلي مع الإقليمي والدولي، فكيف سيكون وجه لبنان بعد هذه الانتخابات؟