"الغارديان": من كولومبو إلى كاتماندو.. جيل "Z" يطيح النخب السياسية المتجذرة
تزايد الحديث عن الثورة في المقاهي في نيبال بعد حركات الاحتجاج في جميع أنحاء جنوب آسيا.
-
"الغارديان": من كولومبو إلى كاتماندو.. جيل "Z" يطيح النخب السياسية المتجذرة
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يتناول الانهيار السياسي المفاجئ في نيبال بفعل انتفاضة يقودها جيل "Z"، وما ترتب عليه من سقوط النخبة الحاكمة وصعود قيادة انتقالية جديدة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لا تزال رائحة الدخان النفاذة في أنحاء كاتماندو تملأ المكان. ويقف قصر سينغا دوربار، القصر الفخم الذي كان يضم برلمان نيبال، محترقاً وفارغاً، وقد تحولت أعمدته البيضاء الفخمة إلى سواد قاتم. ومن بين المنازل التي دُمّرت منزل رئيس الوزراء السابق كيه بي شارما أولي، الذي بدا الأسبوع المنصرم وكأنه يُحكم قبضته على السلطة، في حين لا يزال مختبئاً ولا يزال مكانه مجهولاً.
هذا الدمار والخراب يمثلان معالم رمزية للأسبوع الذي انهار فيه النظام السياسي في نيبال على يدي حركة عضوية بلا قائد يقودها، الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم اسم الجيل "زد"، في إشارة إلى أولئك الذين تراوح أعمارهم بين 13 و28 عاماً.
بحلول مساء يوم الجمعة، وفي تحول استثنائيّ للأحداث في هذه الدولة الصغيرة الواقعة في جبال الهيمالايا، تم حل البرلمان القديم في البلاد، وبقي رئيس الوزراء السابق مختبئاً تحت حماية الجيش، وأقسمت أول رئيسة وزراء في نيبال، وهي رئيسة المحكمة العليا السابقة والناشطة في مكافحة الفساد سوشيلا كاركي، اليمين الدستورية لتولي منصبها.
وخلال الأشهر الـ6 المقبلة، وقبل إجراء الانتخابات في آذار/مارس، ستتولى كاركي قيادة حكومة مؤقتة، خالية من كل الأحزاب السياسية الرئيسة التي هيمنت على المشهد السياسي في البلاد لعقود، والتي فقدت شرعيتها في نظر الكثير من الشباب النيبالي. وفي أول خطاب لها، وعدت كاركي بـ"القضاء على الفساد وتحقيق الحوكمة الرشيدة والمساواة الاقتصادية".
يرى البعض أنّ نيبال تمكنت أخيراً من التحرر من النخبة السياسية الفاسدة التي أعاقت البلاد لسنوات، متبعة بذلك خطى جارتيها سريلانكا وبنغلاديش، حيث أطاحت الثورات التي قادها الشباب أيضاً زعماء مخضرمين راسخين في الحكم. في حين يشعر آخرون بالقلق إزاء العواقب المجهولة التي قد تترتب على بلد لم يصبح جمهورية ديمقراطية إلا في عام 2006.
وأكدت تانوجا باندي، البالغة من العمر 26 عاماً، أنّ إسقاط حكومة أولي لم يكن جزءاً من أي مؤامرة مُدبَّرة مسبقاً. وقالت: "لقد ازدادت ثروة أصحاب السلطة والنفوذ بشكل هائل، بينما لا تزال فئات المجتمع الأخرى تعاني. وجيلنا، الجيل ’زد‘، يتحمل تبعات هذا الأمر؛ ولهذا السبب خرجنا إلى الشوارع".
كان الغضب يتصاعد في نيبال، حيث يبلغ متوسط العمر 25 عاماً فقط. فقد أدت فضائح الفساد المتلاحقة وعدم الاستقرار السياسي المستمر، بحيث شهدت البلاد 14 رئيس وزراء خلال 16 عاماً، إلى شعور الشباب بالحرمان من حقوقهم بشكل متزايد.
وخلال الأسابيع الأخيرة، بدأت الحملات عبر الإنترنت التي تحمل وسم #NepoBaby و#NepoKids، في إشارة إلى المحسوبيات والفساد بين النخبة في البلاد، تنتشر على نطاق واسع عبر منصات "تيك توك" و"إكس" و"فيسبوك" و"إنستغرام"، إلى جانب صور لأطفال كبار المسؤولين وهم يعيشون حياة فاخرة: يقضون العطلات في منتجعات باهظة الثمن، ويرتشفون الشمبانيا بينما يرتدون أشهر العلامات التجارية مثل "لويس فيتون" و"كارتييه" و"غوتشي" ويقودون سيارات مستوردة فاخرة.
وبالنسبة لغالبية الشباب في نيبال، الذين يواجهون معدلات تضخم كبيرة وصعوبات اقتصادية ومعدلات بطالة مرتفعة بين الشباب ويضطرون إلى البحث عن عمل خطير وينطوي على الاستغلال في الخارج في أماكن مثل الخليج، كانت صور الثروة والرفاهية دليلاً قاطعاً على أن النظام السياسي في نيبال قد انهار.
لقد ازداد الحديث عن الثورة في مقاهي كاتماندو بعد أن أدت حركات الاحتجاج التي قادها الشباب في جميع أنحاء جنوب آسيا إلى رحيل الزعيم السريلانكي المستبد غوتابايا راجاباكسا، الذي فرّ من العاصمة كولومبو في عام 2022؛ والشيخة حسينة من بنغلاديش التي غادرتها العام الماضي. كما تمت الإشارة على نطاق واسع إلى الاحتجاجات الطلابية الحاشدة الأخيرة التي شهدتها إندونيسيا، بسبب الإحباطات الاقتصادية العميقة والامتيازات السخية التي يتمتع بها الساسة، باعتبارهم مصدر إلهام.
وقال آشيش برادان، الخبير بشؤون نيبال لدى مجموعة الأزمات الدولية (Crisis group): "كان هناك الكثير من النقاشات على الإنترنت حول الاستلهام من البنغاليين والسريلانكيين، وما يحدث مع الحركة الطلابية في إندونيسيا. وكان الناس ينشرون صوراً للشيخة حسينة وهي تفر من بنغلاديش، ويقولون: ’قد يحدث هذا لنا، نيبال يجب أن تكون التالية‘".
وفي كل حالة، كانت الشكاوى المحددة ضد الزعماء متباينة، ولكن الإحباطات الاجتماعية والاقتصادية الأوسع نطاقاً للشباب الذين انتفضوا ضد الطبقة السياسية المتقادمة والفاسدة كانت متشابهة إلى حد كبير. إذ تتمتع جميع البلدان بأعداد متزايدة من الشباب، نحو 40% من سكان جنوب آسيا هم دون سن 18 عاماً، ومع ذلك يُنظر إلى ما يسمى بـ"المكسب الشبابي" على أنه يذهب سدىً إلى حد كبير بسبب ضعف التعليم ونقص الوظائف والأجور المنخفضة باستمرار ومستويات المعيشة السيئة.
وفي هذا السياق، قال تشيتيج باجباي، وهو باحث بارز في شؤون جنوب آسيا في معهد "تشاتام هاوس" (Chatham House)، إن الحركات الشبابية التي اندلعت في نيبال وإندونيسيا وبنغلاديش وسريلانكا أشارت إلى "الكثير من التحديات الهيكلية التي تواجه دول المنطقة. ويشمل ذلك الخلل السياسي، بحيث لا تُبدي الحكومات استجابةً لشبابها الطموح، فضلاً عن الضائقة الاقتصادية والضغوط الديمغرافية".
وفي كل هذه البلدان، حيث أصبح لدى أغلبية أفراد الجيل "زد" اليوم حضور على الإنترنت، قال باجباي إن وسائل التواصل الاجتماعي برزت "كمحفز حاسم للتغيير، وعدم الاستقرار في بعض الأحيان، من خلال توفير وسيلة لتعبئة السكان وتقديم رواية بديلة لتلك التي تروجها الحكومات في جميع أنحاء المنطقة".
لقد كان قرار حكومة أولي فرض حظر صارم وغير مدروس على معظم مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك "فيسبوك" و"يوتيوب" و"واتساب"، والذي اعتُبر دليلاً على تزايد التجاوزات الاستبدادية، السبب في التعبير عن الغضب في شوارع نيبال. وفي هذا الإطار، قالت راكشا بام، البالغة من العمر 26 عاماً، وهي متظاهرة من جيل "زد": "لقد أغلقوا الفضاء المدني لجيلنا. ولهذا السبب تجمع أبناء الجيل ’زد‘ في مكان واحد".
نقله إلى العربية: زينب منعم.