"المونيتور": صفقة ترامب لبيع "أف 35" للسعودية تُربك "إسرائيل" وتُضعِف نتنياهو
تُثير الصفقة المتوقّعة لطائرات "أف 35" الشبح الأميركية للسعودية، إضافة إلى بيعها لتركيا، قلقاً بالغاً لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
-
"المونيتور": صفقة ترامب لبيع "أف 35" للسعودية تُربك "إسرائيل" وتُضعِف نتنياهو
موقع "المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً للكاتب الإسرائيلي بن كاسبيت، يتناول فيه الإرباك والقلق الإسرائيليَّين من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيّته بيع نحو 50 طائرة شبحية من طراز "أف 35" للسعودية، وما يعنيه ذلك من تهديد مباشر للتفوّق العسكري النوعي لـ "إسرائيل"، وهو التفوّق الذي حافظت عليه واشنطن لعقود.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الاثنين عن نيّته بيع ما يقرب من 50 طائرة مقاتلة شبحية من طراز "أف 35" إلى المملكة العربية السعودية موجة من الصدمة في أوساط المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية.
صرّح القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي، اللواء (احتياط)، إيتان بن إلياهو، وهو معلّق عامّ مرموق، يوم الاثنين في مقابلة مع إذاعة "103FM": "يعلم الرئيس ترامب أنّ نقل هذه الأنواع من الطائرات إلى المملكة العربية السعودية سيمحو التفوّق النوعي لإسرائيل، لكن لديه مصالح أكثر أهمية مع المملكة العربية السعودية، وهي مصالح تجارية".
علم موقع "المونيتور" أنّه قبل يوم من الإعلان، أرسل "الجيش" الإسرائيلي إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس وثيقة تُعرب عن قلقه العميق إزاء احتمال أن تُقوّض الصفقة التفوّق العسكري النوعي التاريخي لـ "إسرائيل" وتفوّقها الجوي في الشرق الأوسط. وحذّرت الوثيقة على وجه التحديد من أنّ البيع من شأنه أن يقوّض قدرات الهجوم والاختراق الحصرية لـ "إسرائيل" ضدّ خصوم بعيدين مثل إيران، وقد يعطّل الخطط الإسرائيلية للحصول على أسراب إضافية من طائرات "أف 35" و"أف 15" بسبب قيود الإنتاج الأميركية.
التفوّق الجوّي الإسرائيلي
ستُقلب هذه الصفقة السياسة الأميركية المتبّعة منذ عقود، والمُقنّنة في قانون تصدير الأسلحة لعام 2008، والهادفة إلى الحفاظ على التفوّق الجوي الإسرائيلي من خلال حجب الطائرات المتطوّرة للغاية عن دول الشرق الأوسط الأخرى. وقال ترامب، متحدّثاً قبيل زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض يوم الثلاثاء، إنّ قراره سيُكافئ المملكة العربية السعودية على ولائها كحليف لأميركا.
صرّح ضابط كبير سابق في سلاح الجو الإسرائيلي لموقع "المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته، في إشارة إلى قدرة الطائرة على التهرّب من الاكتشاف: "طائرة أف 35 ليست طائرة. إنها قدرة استراتيجية. يمكنها الوصول إلى أيّ مكان بسرية تامّة".
وأضاف: "عندما يُفعّل الطيار أنظمته في قمرة القيادة حتى قبل الإقلاع، يُصبح الشرق الأوسط بأكمله مُمتداً أمام عينيه"، مُضيفاً أنّ الطيار يُمكنه خوض معركة والتحكّم في طائرات أخرى. يرى الطيار كلّ شيء. لا يحتاج إلى برج مراقبة جوية، لأنّ الطائرة وحدة مراقبة جوية متنقّلة. إنها متقدّمة بجيل أو جيلين على جميع المقاتلات الأخرى، وإذا ما وقعت في أيدي دول أخرى في الشرق الأوسط، فستُشكّل ضربة موجعة لتفوّقنا".
صرّح ضابط رفيع المستوى في الخدمة لموقع "المونيتور"، شريطة عدم الكشف عن هويته، بأنّ "أسراب طائرات أف 35 الإسرائيلية مكّنتها من قصف المنشآت النووية الإيرانية في حزيران/يونيو". وأضاف: "قدرتنا على الوصول إلى إيران، وتحييد دفاعاتها الجوية، والعمل في مجالها الجوي تعتمد على قدرة طائرة أف 35 على التخفّي، وعلى خبرتنا في تشغيل هذه الطائرة، والوسائل الخاصة التي ركّبتها إسرائيل عليها، بموافقة أميركية".
"إسرائيل" أيضاً قلقة من تركيا
يزداد قلق "إسرائيل" العميق بسبب محادثات إدارة ترامب الجارية بشأن رفع عقوبات قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات (CAATSA) المفروضة على قطاع الدفاع التركي، مما قد يمهّد الطريق لبيع طائرات "أف 35" إلى أنقرة في المستقبل. وصرّح مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع المستوى لموقع "المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته أنّ "وجود هذه الطائرات في أيدي تركيا سيكون أكثر إثارة للقلق من وجودها في أيدي السعودية". وأضاف: "الأتراك مقرّبون من جماعة الإخوان المسلمين، ومرتبطون بحماس، ووجود طائرات أف 35 في أيدي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سيكون تطوّراً كبيراً".
مُنعت تركيا من شراء الجيل التالي من طائرات "أف 35" الشبح من الولايات المتحدة في عام 2019، خلال ولاية ترامب السابقة. وتمّ تفعيل قانون "مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات"، الذي أقرّه الكونغرس لردع المعاملات الدفاعية مع روسيا، بسبب شراء تركيا لنظام الدفاع الصاروخي الروسي "س 400".
وفيما يتعلّق بالصفقة السعودية، قال المصدر نفسه: "إنّ حقيقة أنه في غضون بضع سنوات يمكن أن تتمركز مثل هذه الطائرات في قواعد على بعد أربع دقائق من إسرائيل ستعرّضنا لتهديدات لم نواجهها من قبل. وسيتعيّن على إسرائيل الحفاظ على حالة تأهّب جوي أكثر تكلفة وشمولاً مما تحافظ عليه اليوم".
كما أنّ عكس سياسة ترامب يعكّر النظام السياسي الإسرائيلي. ففي منشور على منصة "X"، كتب رئيس الأركان السابق الفريق (احتياط) غادي آيزنكوت، الذي أسّس مؤخّراً حزباً سياسياً جديداً مناهضاً لنتنياهو، "لقد فقد نتنياهو القدرة على الدفاع عن المصالح الوطنية لإسرائيل. لقد كان نتنياهو يتحدّث لسنوات عن الدفاع عن أنفسنا بمفردنا، ولكن من الواضح اليوم أنّ هذه الشعارات قد أُفرغت من محتواها، وأنّ المصالح الأمنية لإسرائيل تُدفع جانباً".
واستشهد آيزنكوت بثلاثة تطوّرات حديثة: موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الاثنين على قرار أميركي يشير إلى إنشاء مسار "موثوق" نحو إقامة دولة فلسطينية؛ ومبيعات طائرات "أف 35" المخطّط لها إلى المملكة العربية السعودية؛ وتشكيل قوة استقرار متعدّدة الجنسيات في غزة، قد تشمل دولاً متحالفة مع الحركات الإسلامية. وكتب أيزنكوت: "لقد أوصلنا نتنياهو إلى الحضيض الدبلوماسي".
وبضغط سعودي وعربي آخر، نصّ القرار الأميركي بشأن إنهاء حرب غزة وإنشاء إطار قانوني لقوة استقرار في غزة على أنه بمجرّد استعادة السلام: "قد تتهيّأ الظروف أخيراً لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية". وسارع نتنياهو، متحدّثاً يوم الأحد قبل التصويت، إلى التعبير عن معارضته الشديدة.
هل تُسند سياسة غزة للولايات المتحدة؟
يُجادل النقّاد بأنّ حكومة نتنياهو فقدت السيطرة على الأحداث في قطاع غزة، وهو تصوّرٌ عزّزته العمليات المستقلة لمركز تنسيق عسكري ومدني متعدّد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة في جنوب "إسرائيل"، والمسؤول عن تنفيذ خطة ترامب للسلام. كما أنّ المساعدات الضخمة التي تتدفّق على غزة في الأسابيع الأخيرة لم تعد تُدار من قِبَل "إسرائيل"، بل من قِبَل الولايات المتحدة.
إضافة إلى تزايد انتقادات المعارضة، يواجه نتنياهو ضغوطاً من حلفائه اليمينيين. ويُنظر إلى استقالة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي يُمثّله في البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، على أنها تُضعف نفوذ نتنياهو في واشنطن. وعلى الرغم من أنّه يبدو أنه يحتفظ حالياً بالسيطرة على شركائه الأكثر تطرّفاً في الائتلاف الحكومي، وزير الأمن القومي اليميني المتطرّف إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إلّا أنّ التكهّنات تسود بأنّ نتنياهو وافق على خطوات ترامب مقابل دعمه للعفو الرئاسي. في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، تلقّى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ رسالة رسمية من ترامب يحثّه فيها على العفو الكامل عن نتنياهو فيما وصفه ترامب بتهم الفساد "غير المبرّرة" التي يُحاكم بسببها منذ خمس سنوات.
في حين يشعر الكثيرون بالقلق، يدعو بعض المسؤولين إلى الهدوء بشأن صفقة "أف 35" السعودية المرتقبة. وصرّح مسؤول سياسي إسرائيلي كبير لموقع "المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته: "لا داعي للذعر. أولاً، سيستغرق الأمر بضع سنوات، وعندما يحدث ذلك، سيكون لدى الأميركيين القدرة على التحكّم في هذه الطائرات عن بُعد والحدّ بشدّة من قدراتها".
وأضاف أنّ هذه القدرة على التحكّم قد تشمل منع نشرها في غرب المملكة العربية السعودية، بالقرب من "إسرائيل". وخلص المسؤول السياسي الكبير إلى القول: "لإسرائيل ميزة واضحة تتمثّل في أنها تُشغّل طائرة أف 35 منذ سنوات. إنها الدولة الوحيدة التي سُمح لها بتحسينها وتركيب أنظمة وأسلحة متطوّرة للغاية عليها". ليس كلّ شيء كارثياً. يجب أن نتذكّر أنه كان من المفترض أن تستلم الإمارات أيضاً هذه الطائرات كجزء من مفاوضات اتفاقيات التطبيع لعام 2020، وهذا لم يحدث.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.