"فورين أفيرز": كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مفاهيم الأمن القومي؟

أي استراتيجية أمن قومي لا تأخذ في الحسبان تحولات الذكاء الاصطناعي العام، ستفقد صلتها بالواقع.

0:00
  • "فورين أفيرز": كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مفاهيم الأمن القومي؟

مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً يجيب عن سؤال: كيف يشكّل الذكاء الاصطناعي العام تحدياً استراتيجياً متسارعاً يتطلب من قادة الأمن القومي وحكومات العالم التخطيط الجدي لمواجهة سيناريوهات مستقبلية قد تُفرض عليهم خلال هذا العقد؟

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

يُبشّر التقدم السريع للذكاء الاصطناعي بتحدياتٍ أكبر لصانعي السياسات، وتنتشر مؤشرات التغيير الجذري القادم في كل مكان. وقد جعلت بكين وواشنطن من الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي ضرورةً استراتيجية، وتتسابق الشركات الأميركية والصينية الرائدة لتحقيق الذكاء الاصطناعي العام. وتشتمل التغطية الإخبارية على إعلانات شبه يومية عن إنجازات تقنية، ومناقشات حول فقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي، ومخاوف من مخاطر عالمية كارثية، مثل هندسة جائحة قاتلة باستخدام الذكاء الاصطناعي.

لا سبيل إلى معرفة المسار الدقيق الذي سيتطور به الذكاء الاصطناعي، أو كيف سيُحدث تحولاً في الأمن القومي على وجه اليقين. لذا، ينبغي لصانعي السياسات تقييم ومناقشة مزايا استراتيجيات الذكاء الاصطناعي المتنافسة بتواضع وحذر. وسواء كنا متفائلين أو متشائمين بشأن آفاق الذكاء الاصطناعي، فإن قادة الأمن القومي بحاجة إلى الاستعداد لتكييف خططهم الاستراتيجية للاستجابة للأحداث التي قد تفرض نفسها على صانعي القرار هذا العقد، إن لم يكن خلال هذه الفترة الرئاسية.

لا يوجد تعريف موحد ومشترك للذكاء الاصطناعي العام، ولا إجماع على إمكانية ظهوره أو توقيته أو كيفية ظهوره. نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة اليوم قادرة بشكل متزايد على أداء مهام معرفية أكثر تعقيداً وأعداداً، مقارنةً بأكثر البشر مهارةً وخبرةً. منذ إطلاق "ChatGPT" عام 2022، ازدادت قوة الذكاء الاصطناعي بشكل كبير. ومن المنطقي افتراض أن هذه النماذج ستصبح أكثر قوةً واستقلاليةً وانتشاراً في السنوات القادمة.

رغم خطورة الذكاء الاصطناعي العام، من غير المرجح أن يُعلن عن نفسه بلحظة فارقة، كما حدث في العصر النووي، فالمخططون اليوم يواجهون بيئة أكثر تعقيداً: الصين تُضاهي الولايات المتحدة، والتكنولوجيا تطورها شركات خاصة، وهي منتشرة في كل قطاعات المجتمع. في هذا السياق، على قادة الأمن القومي تخصيص مواردهم المحدودة للتخطيط لسيناريوهات صعبة تُنذر بمستقبل بديل.

مثلاً، إذا ادعت شركة أميركية تحقيق قفزة في الذكاء الاصطناعي العام، فهل تُعامل كأصل للأمن القومي؟ أو إذا سبقتها شركة صينية، كيف يُقيّم صانعو القرار المخاطر ويختارون بين التعاون أو التصعيد؟ من دون أدوات تحليلية قوية، ستصعب معرفة مدى صدقية هذه الادعاءات. وقد يؤدي الذكاء الاصطناعي العام إلى منح الصين ميزة استراتيجية أو إلى تهديدات.

يتطلب الاستعداد فهماً دقيقاً لتطور منظومة الذكاء الاصطناعي، وتحديد نقاط الضعف التي يمكن معالجتها أو استغلالها، وتوسيع الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والحلفاء، رغم ضعف الثقة المتبادل، وذلك لتبادل المعلومات وبناء استجابة فعالة للأزمات المحتملة.

في سيناريو أكثر تطرفاً، قد يُستخدم الذكاء الاصطناعي في هجوم سيبراني مدمر تعجز الأدوات الحالية عن تحديد مصدره أو دوافعه، وقد يُنفّذه عميل ذكاء اصطناعي مستقل ذاتي التكرار. التخطيط لهذا يتطلب تحديث بروتوكولات الأمن، وعزل البنية التحتية الحساسة، وبناء قنوات اتصال مع الخصوم لتفادي التصعيد.

سيُطلب من القادة اتخاذ قرارات حاسمة، كإغلاق الأنظمة السيبرانية أو المراكز الرقمية، ما قد يمنع التصعيد، لكنه يُعطل الاقتصاد. لذلك، يجب توضيح السلطات القانونية ووضع سياسات استجابة والتأهب لانحراف سلوك النماذج المتقدمة.

التخطيط الفعّال يتطلب إجراءات "لا ندم عليها"، وأدلة طوارئ قابلة للتحديث، واستثماراً في قدرات مرنة، وتحذيرات مبكرة من الفشل الاستراتيجي، فحتى لو لم يكن الذكاء الاصطناعي العام تقنية خارقة، فإن الاستعداد لاضطرابات كبرى يبقى ضرورياً.

ولا ينبغي التعامل مع الذكاء الاصطناعي العام كأي سيناريو عادي، إذ تشمل الاستجابة جهات خارج الأمن القومي، داخلية وخارجية، لا تخضع مباشرة للحكومة. ويجب ألا يُترك التخطيط لمستقبليين معزولين، بل يُدمج في النقاشات الاستراتيجية الجارية.

في عالم متعدد الأقطاب، ترى قوى ناشئة الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة لتحقيق تطلعاتها. لذا، لا بد من تخطيط مبكر، ومناورات مع الحلفاء، وحوار دائم مع الشركاء لضمان استراتيجيات فعالة، فأي استراتيجية أمن قومي لا تأخذ في الحسبان تحولات الذكاء الاصطناعي العام، ستفقد صلتها بالواقع.

قادة الأمن القومي لا يختارون أزماتهم، لكنهم يختارون الاستعداد لها. والتخطيط للذكاء الاصطناعي العام ليس خيالاً علمياً، بل مسؤولية ضرورية في عالم سريع التحول.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.