"972+": في ظلال الأقصى.. استيطان يلتهم بيوت الفلسطينيين

بدعم من الدولة والمحاكم الإسرائيلية، يستولي المستوطنون الإسرائيليون، على منازل ومبان في حيّ بطن الهوى في القدس الشرقية، ويستهدفون 700 فلسطيني من الذين يعيشون في أحياء في ظلال المسجد الأقصى

  • الاحتلال يهدم منزلاً في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى
    الاحتلال يهدم منزلاً في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى

مجلة "972+" الإسرائيلية تنشر تقريراً يوثّق حملة الإخلاء القسري التي تنفّذها سلطات الاحتلال الإسرائيلية وجماعات الاستيطان في حيّ بطن الهوى بسلوان في القدس الشرقية، وما يرافقها من ممارسات تهدف إلى تفريغ الحيّ من سكانه الفلسطينيين وإحلال مستوطنين يهود مكانهم.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

عند نحو الساعة 7 من صباح يوم الأحد الماضي، اقتحمت القُوّات الإسرائيلية منزل أسماء شويكة البالغة من العمر 72 عاماً، ومنحتها ساعة واحدة لجمع أغراضها قبل أن تستولي بالقُوَّة على المنزل في حارة بطن الهوى في حيّ سلوان في القدس الشرقية قرب أسوار البلدة القديمة. وهو المنزل الذي عاشت فيه شويكة طوال حياتها، وشاهدت الجيش الإسرائيلي يقتُل ابنها بالرصاص حين كان عمره 16 عاماً في عام 1990، وحيث قُتل زوجها أيضاً بعد اختناقه بالغاز المسيل للدموع الذي أطلقته الشرطة الإسرائيلية في أثناء "الانتفاضة الثانية

عندما عادت الشرطة إلى المنزل حوالي الساعة 8.30 صباحا لإجبار شويكة و11 شخصاً من أقاربها على الخروج إلى الشارع وإفراغ محتويات المنزل، أغمي عليها من شدَّة الصدمة، واضطرَّ المسعفون الإسرائيليون إلى نقلها خارج منزلها على نقّالة. وقد اُعْتقل حفيدها محمد في المكان، وأُفرج عنه لاحقاً بشرط الإقامة الجبرية لمدَّة 3 أيام، وغُرّم (1000 شيكل _ ما يُعادل 300 دولار).

وفي المبنى نفسه اقتحمت الشرطة الإسرائيلية بالقُوَّة منزل جمعة عودة في الستّينيات من عُمره، الواقع في الطابق السفلي، وبدأوا برمي الأثاث والملابس وأدوات المطبخ في الشارع لتحميلها على شاحنات ونقلها إلى المخزن. وفي غضون ساعات، أقام المستوطنون الإسرائيليون وطواقم البلدية سياجاً معدنياً حول سطح المبنى، وهدموا الحاجز الخرساني الذي يفصله عن عقار مستوطن مجاور، وربطوا المبنيين بسلالم حديدية، ورفعوا 4 أعلام إسرائيلية جديدة على السطح، بينما كان المستوطنون يحتفلون بآخر عملية احتلال.

ويأتي استيلاء المستوطنين على منازل عائلتي شويكة وعودة بعد نحو 5 أشهر من رفض المحكمة العليا الإسرائيلية الاستئناف المشترك للعائلات ضدَّ الإخلاء، في قرار مُنحاز إلى مُنظّمة "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية التي تعمل منذ عقود للاستيلاء على منازل الفلسطينيين في سلوان، لأجل "استعادة الحياة اليهودية في قلب القدس القديمة". وفي أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، أصدرت الحكومة الإسرائيلية أوامر إخلاء نهائِية للعقّارين.

وفي الأسابيع التي سبقت عملية الإخلاء، كان المستوطنون الملثَّمون والشرطة يأتون مراراً وتكراراً إلى عتبة منزل شويكة لتصوير المنزل ومحتوياته. "قالوا لنا، اتركوا المفتاح في الباب "، روت شويكة لمجلَّة "972 بلس". لكنَّ عمليّات الإخلاء يوم الأحد الماضي ما تزال مُفاجأةً، لأنَّها نُفَّذت قبل يومين من دخول الأمر الرسمي حيّز التنفيذ، ما يُشير إلى جُهد مُتعمَّد لمفاجأة السُكّان.

قبل عمليّات الإخلاء المذكورة بيوم واحد وقف كبار وصغار سُكّان بطن الهوى، سويّاً مع نُشطاء يهود إسرائيليين في الشارع الرئيسي للحيّ لأول مرَّة منذ عامين، يحتجُّون على عمليّات الإخلاء الوشيكة. وبالنسبة لما يقارب 80 فلسطينياً يعيشون في 6 منازل تعود إلى عائلات الشويكي، وعوض، والرجبي، المتوقَّع إخلاء منازلهم في الأسابيع المقبلة، كانت المظاهرة بمثابة وقفة أخيرة بعد أكثر من عقد من الزمان على خوض قضيَّتهم أمام المحاكم الإسرائيلية.

كل طبقة من البيروقراطية الإسرائيلية وافقت على عمليّات الإخلاء قبل أن تُصادق عليها المحكمة العليا، التي غالبا ما ينظر إليها على أنَّها آخر حاجز أمام انزلاق إسرائيل الكامل نحو الاستبداد. وقال زهير الرجبي، رئيس لجنة حي بطن الهوى، والذي يواجه أوامر إخلاء هو أيضاً، "للمستوطنين وجود في كل وزارة التعليم، الداخلية، البلدية، جميعهم يعملون معاً من داخل النظام. هذه المؤسسات تخدم المستوطنين وهم يُديرونها جُزئياً.

وقد أدَّت عمليّاتُ الإخلاء الأخيرة إلى جانب الطرد الوشيك لعائلة ناصر رجبي، إلى رفع عدد العائلات الفلسطينية التي أُجبرت على ترك منازلها في بطن الهوى هذا العام وحده إلى 9 عائلات، تُضاف إلى ما لا يقلُّ عن 16 عائلةً أخرى طردت منذ أوائل العقد الأول من القرن الجاري. وجميع منازلهم مُحْتلة الآن من قبل المستوطنين اليهود.

ما يزال حوالي 700 من سُكّانِ بطن الهوى يخوضون معارك قانونية مستمرَّةً لتجنُّبِ المصير نفسه، مع ما لا يقلُّ عن 11 دعوى قضائية إضافية مُعلَّقة في محاكم مختلفة. كذلك تواريخ الإخلاء متفاوتة بين العائلات، ممّا يُعطّل الجهود المبذولة للتنظيم الجماعي، ويضمنُ أن تأتي المناهضة واهتمام الجمهور في موجات أصغر.

وفي اليوم نفسه الذي طردت فيه الشرطة عائلتي شويكة وعودة، تسلَّمت عائلة والدة ناصر رجبي المكونة من 18 فرداً، أمر إخلاء جديد من المُقرَّر أن يدخل حيّز التنفيذ في أول أيام الشهر المقبل. وهو على عكس الإشعار السابق الذي تلقَّته عائلتها، والذي لم يتضمَّن تاريخ الإخلاء وترك الأمر في طي النسيان، فإنَّ هذا الإشعار نهائي.

كذلك تلقَّى ابن شقيقها كايد رجبي وهو جارها يبلغ من العمر 50 عاماً، أمراً بإخلاء منزله بحلول 6 يناير/ كانون الثاني في العام المقبل. يقول "اليوم نحن، وغداً هم، والجميع هدفٌ"، مُشيراً إلى الجيران الذين كانوا يحتجُّون معاً.

محو تدريجيّ للحياة الفلسطينية

بعد احتلال "إسرائيل" للقدس الشرقية في عام 1967، رسمت حدود بلدية المدينة لتشمل 28 قريةً فلسطينيةً تُحيط بها من الجنوب والشرق والشمال، من بينها حيُّ سلوان وحارَّة بطن الهوى، الذي ازداد عدد سُكّانها من اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة عام 1948، ومرة أخرى بعد حرب 1967. بعد الضمّ الرسمي للقدس عام 1980، قامت "إسرائيل" بحملة استيطانية شرسة، وخُصَّصت معظم الأراضي داخل الحدود البلدية لبناء المستوطنات اليهودية، بينما قُيَّدت الأحياء الفلسطينية بشكل مُمنهج تحيطها 16 مستوطنةً يهوديةً يقطنها حوالي 222,000 مستوطن، وهناك 10 مستوطنات أخرى تقع خارج حدود المدينة مُباشرةً ويقطنها نحو 80,000 يهودي إسرائيلي إضافي. وتُشكّل هذه المناطق مُجتمعةً وجميعها غير قانونية بموجب القانون الدولي، ما يُقارب نصف مجموع المستوطنين في الضفَّة الغربية المحتلَّة. 

يعيش في القدس الشرقية 350,000 فلسطيني، يكاد يكون من المستحيل حصول أي منهم على تصريح البناء، بينما أهملت البلدية باستمرار البنية التحتية للأحياء الفلسطينية، إضافةً إلى احتياجاتهم الاجتماعية، وفرضت ضرائب مرتفعةً عليهم بِلا مسوغ، مُستخدمةً ما يُسمَّى بسياسة "مركز الحياة" كسلاح لإلغاء حقوق الإقامة للفلسطينيين في أرضهم. وقد ساهمت هذه السياسات مُجتمعةً في المحو التدريجي للوجود الفلسطيني في المدينة. ولكن حتى بعد عقود من التهويد العدواني وارتفاع عدد المستوطنين، ظلَّت المنطقة المحيطة بالبلدة القديمة في القدس من الشمال والجنوب والشرق فلسطينية بأغلبية ساحقة. وابتداء من أوائل العقد الأول من القرن الجاري، قادت جماعات المستوطنين مثل "عطيرت كوهانيم" هذا التوجه لتغيير هذا التوازن السكاني.

حارَّة بطن الهوى على بعد 300 متر فقط من الجدار الجنوبي لمجمع الحرم القدسي والمسجد الأقصى، وهو عبارة عن مُنحدر تلّ يفيضُ بالممرّات الضيقة والمنازل المُكدَّسة، مع القليل من الطرق بدون أرصفة، حيث متاهة الوزاريب والسلالم والأزقَّة لا تُقلّل من اعتزاز الفلسطينيين من سكنهم في نواحي المدينة القديمة، "في الصباح أسمع صوت المُؤذّن من الأقصى"، قالت والدةٌ ناصر رجبي وهي تبتسم.

ومع ذلك، تعيش معظم الأسر الفلسطينية تحت خطّ الفقر، وحُرمت تاريخياً من الخدمات البلدية مثل المياه والكهرباء، حتى لا يوجد أي مساحة خضراء أو للعب للأطفال، وعدد كبير من الرجال في الحيّ قضوا أحكاما بالسجن، أو قُتل أحبّائهم على يد القُوّات الإسرائيلية. وعلى عكس المستوطنات اليهودية في الضفَّة الغربية، يعيش المستوطنون اليهود بجوار العائلات الفلسطينية.

قد استغلَّ المستوطنون حرمان الأحياء الفلسطينية في القدس لترغيب الفلسطينيين ببيع منازلهم. يقول زهير الرجبي، إنَّ المستوطنين عرضوا عليه شراء منزله مراراً، وقد سألوه لماذا يختارُ العيش في مثل هذه الظروف من الإهمال، فأجابهم، "أنا سعيد في هذا الحيّ الذي تسمونه قمامة، لقد ولدت هنا، ولا أُعاني من الفيروسات في المياه، أنا مُحصَّن ضدَّها.

كذلك عُرض على قيد الرجبي على مرّ السنين شراء منزله، يقول، "حاولوا أن يكتبوا لي شيكاً وطلبوا منّي أن أُحدّد السعر، بالدينار الأردني، أو بالعملة الإسرائيلية أو أي عُملة أريد"، كما عرضُوا تغطية تكاليف انتقاله وتوطينه هو وعائلته في أحياء فلسطينية أكثر رُقيّاً في القدس الشرقية مثل بيت حنينا وبيت صفافا، "لكنَّ بطن الهوى هو المكان الذي أعيش فيه.

لجأت جماعة "عطيرت كوهانيم" لأول مرَّة إلى المحاكم في عام 2001، عندما تولَّى 3 من موظَّفيها السيطرة على صندوق "بنفنيستي الذي تأسَّس في عام 1899 لإيواء المهاجرين اليهود اليمنيين في حي سلوان، بزعم أنَّهم غادروه وفرّوا إلى مناطق أخرى خلال الثورة الفلسطينية الكبرى بين أعوام 1936 و1939، ضدَّ الانتداب البريطاني. وفي عام 2002 منحت الدولة ملكية 5.2 دونم من الأراضي في بطن الهوى، واعتبرتها أرض وقف على هذه الخلفية، حيث بدأت "عطيرت كوهانيم" فوراً برفع دعاوى قضائية ضدَّ عشرات العائلات الفلسطينية التي تعيش في هذه الأراضي، على الرغم من أنَّها لم تُثبت ارتباطها ب"الوقف الأصلي". ومن خلال الصندوق الاستئماني، سيطرت الجماعة لاحقاً على 3 دونمات إضافية من الأراضي الفلسطينية في المنطقة.

موجب قانون الشؤون القانونية والإدارية الإسرائيلي لعام 1970، يُسمح لليهود باستعادة ممتلكات في القدس الشرقية كانت لليهود قبل حرب 1948، ثمَّ سقطت تحت السيطرة الأردنية حتى الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967، على الرغم من أنَّ الدولة عوَّضت هؤلاء السكان بالفعل عن خسارة ممتلكاتهم. لكن الحقِّ نفسه لا يمتدُّ إلى مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين جُرّدوا من ممتلكاتهم داخل ما أصبح دولة "إسرائيل" بعد النكبة.

وبحلول عام 2004، نقلت "عطيرت كوهانيم" 11 عائلة يهوديةً إلى سلوان من خلال الضغط على السُكّان الفلسطينيين للبيع. وقد أحضر المستوطنون معهم جهازاً أمنياً كاملا، وحولوا الحيّ خلال الليل إلى منطقة عسكرية مُشدَّدة، يحرسها شركات أمنية خاصة بتمويل من وزارة الإسكان الإسرائيلية، إلى جانب عناصر وجنود من حرس الحدود، و"منذ اليوم الأول لدخول المستوطنين إلى الحيّ، بدأنا نعاني جميعا، وأطفالنا على وجه الخصوص"، كما يقول قائد رجبي.

في تلك السنوات الأولى، كان الفلسطينيون في القدس يتعرَّضون بشكل روتيني لمداهمات ليلية، واعتقال القاصرين، وإطلاق النار الحيّ، والاعتداءات الجسدية، والمضايقات من قبل المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية. وقد وُثق جزء كبير من هذا الترهيب اليومي بالفيديو من قبل زهير الرجبي، الذي ركب 10 كاميرات مراقبة بمساعدة منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان في عام 2003. ومن غرفة معيشته، يُراقب الرجبي باستمرار لقطات الكاميرات المعرُوضة على شاشة تلفاز مُسطَّحة، بعدما اضطرَّ تحويل منزله إلى انعكاس لآلة المراقبة التي تُحيط به.

وقال: "وضعت هذه الكاميرات هنا لأن المستوطنين والشرطة ضربوني، واستشهد والدي اختناقاً بالغاز المسيل للدموع". وأضاف: "لم يكن هناك أي دليل أو إثبات يمكننا استخدامه للذهاب إلى الشرطة ورفع قضية". وأشار إلى أن العديد من تسجيلاته صادرتها الشرطة ولم تُعد إليه أبداً.

عقد من الحرب القانونية للمستوطنين

في عام 2015، بدأت عمليات الإخلاء في حارة بطن الهوى، وكانت عائلة أبو ناب أول من طُردت في حزيران/ يونيو من ذلك العام، نتيجة الدعاوى القضائية لعام 2002. كذلك قضت المحاكم بأنَّهم يعيشون على أرض مملوكة لصندوق "بينفستي"، وأنَّه يجب عليهم إخلاء منازلهم أو مواجهة الترحيل القسري. وبحلول عام 2016 رفعت "عطيرت كوهانيم" قضايا ضدَّ 81 عائلةً في الحيّ، تطالُ 87 منزلاً وحوالي 700 شخص.

وَقد حاولت العائلات رفع دعوى واحدة للطعن في عمليات الإخلاء معاً، لكنَّ السلطات الإسرائيلية رفضتها، ممّا أجبرهم على تقديم طلبات منفردة أو في مجموعات أصغر. ومن خلال تجزئة التحديات القانونية، تخفف السلطات من المقاومة الجماعية وتمنعُ تشكيل جبهة مُوحَّدة. وهناك أيضا ميزة قانونية لاستراتيجية التجزئة هذه أوضحها زهير رجبي، "مهما كان القرار الذي تتخذه المحكمة في قضية فردية، فإنَّها ستعتمد على هذه السابقة في القرارات اللاحقة حيث يعزز كل حكم غير موات قدرة المحاكم على رفض طعون العائلات المستقبلية.

ومع ذلك، تقدَّمت عائلة رجبي فوراً باستئناف في عام 2015 للطعن في شرعية مطالبات "عطيرت كوهانيم" بممتلكاتهم. واستأنفت عائلتا شويكي وعودةً سوياً في الفترة نفسها. ولكن حتى في الوقت الذي كانت فيه الدعاوى مُعلَّقةً، كثَّف المستوطنون والمسؤولون الإسرائيليون من إساءة مُعاملتهم للسُكّانِ الفلسطينيين. وعلى مدى سنوات، منع الجنود الإسرائيليون الفلسطينيين من الدخول والنزول في الشارع الضيق المُؤدّي إلى الحيّ والخروج منه وهم يرافقون أطفال المستوطنين إلى المدرسة كل صباح، حيث الجنود كانوا يستفزَّون السُكّان المحلّيين أيضاً ويسرقون كرات كرة القدم من أطفالهم، ويعتقلون الآباء ويوجهون بنادقهم إلى مجموعات من المراهقين.

بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، سُرَّعت قرارات المحاكم بشأن أوامر الإخلاء ضد العائلات الفلسطينية، واشتدت المضايقات مع تزايد جرأة المستوطنين وقُوّات الأمن على حدّ سواء على استخدام أسلحتهم. وكثيرا ما يلوح أطفال المستوطنين بالبنادق والرصاص والقنابل بوجه الفلسطينيين، زائد الغاز المسيل للدموع، والحراس والجيش الذين يرافقونهم، "كلهم معاً"، كما أوضح قائد رجبي.

وقد أصدرت المحكمة المركزية في القدس حُكماً ضدَّ قضيتي عائلات رجبي وشويكي وعودة في صيف عام 2024، وقررت أنَّ "عطيرت كوهانيم" لها حقوق قانونية في منازلهم، وأنَّ العائلات اتَّبعت الخيار الأخير المتاح، الطعن أمام المحكمة العليا. وفي 16 حزيران/ يونيو الماضي، رفضت المحكمة استئناف العائلات، بعد 6 أيام على عائلة رجبي الطلب. وفي 29 أيلول/ سبتمبر ظهرت الشرطة في منازل عائلة رجبي وعودة وشويكة، لتبليغهم إشعارات إخلاء منازلهم.

قريباً لن ترى عربياً هنا

داخل منزل أُمّ ناصر الرجبي، يملأُ الطابق الأرضي أسلاكاً مُتشابكةً، وَمُعدّات تعقيم وصوت أجهزة تصدر صفيرا، فهذه ليست غرفة معيشة عاديةً، فعلى مرّ السنين، بنت هي وعائلتها هذه الغرفة لتناسب حفيدها المشلول، عوّاد، الذي أصيب بسكتة دماغية قبل 5 سنوات ويحتاج إلى رعاية على مدار الساعة، ويعيش في سرير يشبه سرير المستشفى، ويتغذَّى عن طريق الوريد. وباستثناء المستشفى حيث تكون الرعاية باهظة الثمن ويصعب الوصول إليها عندما يغلق المستوطنون أو الشرطة أو الجنود الطرق، لا يُمكنه البقاء على قيد الحياة في أي مكان آخر، تقول أُمُّ ناصر، "إذا انقطعت الكهرباء، يموت حفيدي.

عندما ستصل السلطات لطردها، لا تعرف أُمُّ ناصر إلى أين ستذهب، وكيف ستنقل أطفالها، أو ما إذا كانت ستكون قادرةً على تحمُّل تكاليف إعادة بناء الغرفة المُجهَّزة لرعاية عوض، قالت "ليس لدينا بديل، فالمنازل تُكلّف الكثير من الأموال اليوم. وهي تعيش في المنزل المُكون من 4 طوابق في بطن الهوى لأكثر من 50 عاما، تزوَّجت في سنّ المراهقة، وأنجبت 11 طفلاً، وتواصل تربية عائلتها الكبيرة بين جدرانه، وواجهته المطلية بالزهور الملونة والطيور وعيون الماء كجزء من مشروع "أنا شاهدٌ عَلَى سلوان".

اعتاد المنزل أن يكون مكاناً يجمعُ عائلتها بأكملها خلال العطلات، ولكن الآن يمكنها استضافة بناتها فقط. قالت، "المستوطنون وحُرّاسهم والشرطة يرون أولادنا تهديداً، حيث يوقفونهم في الشارع". وقد اعتاد أبنائي وأحفادي أن يأتوا إلى هنا طوال الوقت لتناول الطعام والشراب والاحتفال، أمّا الآن "لا يستطيع أن يأتي أي أحد منهم".

بعد سنوات من المعارك القانونية الطويلة والمُكلَّفة، لم يتبقَّ للعائلات سوى خيارات قليلة. قائد رجبي يقول، إنَّهُ أنفق أكثر من 120,000 شيكل نحو 37,000 دولار كرسوم قانونية على إجراءات المحاكم، بينما من المُرجَّح ألا يحصل على أي تعويض عن ممتلكاته بعد إخلائه لمنزله.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.