"972+": لماذا ستعزز عقوبة الإعدام من هيمنة المتطرفين الإسرائيليين؟

إنَّ مشروع القانون الهادف لإضفاء الشرعية على إعدام الفلسطينيين يمثل جهداً لمأسسة الانتقام ومحو كل القيود المتبقية على عنف "إسرائيل".

  • "972+": لماذا ستعزز عقوبة الإعدام من هيمنة المتطرفين الإسرائيليين؟

مجلة "972+" الإسرائيلية تنشر تنشر تقريراً يتناول محاولة تمرير مشروع قانون في الكنيست الإسرائيلي يسمح بعقوبة الإعدام للفلسطينيين، ويستعرض السياق السياسي، التاريخي، والاجتماعي لهذا المشروع، بالإضافة إلى تداعياته القانونية والاجتماعية، مع إبراز صعود اليمين المتطرف والتحديات الأخلاقية والقانونية المرتبطة به.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

في العاشر من هذا الشهر، اجتاز مشروع قانون يُجيز فرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين أول عقبة تشريعية رئيسية داخل الكنيست الإسرائيلي. وينصّ الاقتراح، المؤلف من صفحة واحدة والذي أُحيل الآن إلى اللجنة المختصة تمهيداً لعودته إلى الكنيست للتصويت عليه في قراءتين نهائيتين، على فرض الإعدام على كل من يُدان ويتسبّب عمداً أو عن إهمال بوفاة مواطن إسرائيلي، عندما يكون الفعل بدافع عنصري أو بدافع الكراهية تجاه فئة معينة من الجمهور، أو بهدف الإضرار بـ "إسرائيل".

ويُعدّ مشروع القانون متطرّفاً حتى بمقاييس المرحلة الراهنة داخل "إسرائيل"؛ إذ يخلق جريمة جديدة موجِبة لعقوبة الإعدام، ويجعل هذه العقوبة إلزامية ضمن شروط صيغت بصياغة مبهمة، ويلغي السلطة التقديرية للقضاة بالكامل. والأهم من ذلك أنّ لغته تحمل تمييزاً صارخاً، إذ تُطبّق على الفلسطينيين الذين يقتلون اليهود، لكنها لا تشمل اليهود الذين يقتلون الفلسطينيين. وكما صرّحت عضو الكنيست ليمور سون هار-ميليش، إحدى مقدّمات المشروع، بكل وضوح: "لا وجود لما يُسمّى إرهابياً يهودياً".

ويتناول القسم الثاني المحاكمَ العسكرية الإسرائيلية التي تمتلك، من الناحية الفعلية، سلطة فرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين، غير أنّها لم تلجأ إلى ذلك قط بسبب سياسة حكومية راسخة. غير أنّ مشروع القانون الحالي يسعى إلى تفكيك الضمانات الأساسية التي كبحت هذه السلطة، إذ يشترط صدور الحكم بالإجماع عن هيئة قضائية مؤلفة من ثلاثة قضاة، بينما يملك رئيس أركان الجيش صلاحية تخفيف أحكام الإعدام. وقد أسهمت هذه الضمانات في ندرة صدور أحكام الإعدام وسرعة تخفيفها عند صدورها. أما إلغاؤها في إطار نظام يُنتقد على نطاق واسع لفشله في ضمان محاكمات عادلة، فيحمل مخاطر غير مسبوقة.

وعلى الرغم من التغطية الإعلامية المحلية والدولية للتصويت على مشروع قانون الإعدام، إلا أنّ ذلك لم يُثر استنكاراً واسعاً، رغم مخالفة المشروع الواضحة للقوانين الدولية التي تكفل الحق في الحياة. ومع مقتل ما لا يقل عن 70 ألف فلسطيني ونحو 2000 إسرائيلي خلال العامين الماضيين، قد تبدو هذه القضية ثانوية في نظر البعض. ومع ذلك، فإنّ ما هو على المحك كبير بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين، وللجهود العالمية الرامية إلى إلغاء عقوبة الإعدام.

سياسة الامتناع عن التصويت

ألغت "إسرائيل" رسمياً عقوبة الإعدام على جرائم القتل عام 1954، لكن بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، منحت المحاكم العسكرية الإسرائيلية نفسها سلطة فرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين. ومع ذلك، حافظت جميع الحكومات منذ ذلك الحين على سياسة الامتناع عن استخدامها.

وعزّز عدة عوامل هذا الامتناع الطويل الأمد؛ إذ كان "الجيش" الإسرائيلي وجهاز الأمن "الشاباك" معارضين لعقوبة الإعدام، بحجة أنها لا تُشكّل رادعاً وقد تؤدي إلى تصعيد العنف. كما خشيت الحكومات المتعاقبة من أن تؤثر عمليات الإعدام سلباً على مكانة "إسرائيل" الدولية، بينما وفّرت معارضتها للعقوبة مصداقية نادرة في مجال حقوق الإنسان يمكن إبرازها في الخارج. هذا الموقف انسجم أيضاً مع الصورة الذاتية الراسخة للإسرائيليين عن أنفسهم، المتمثلة في القول المأثور: "نطلق النار ونبكي"، وهي خرافة تصوّر استخدام القوة على أنه متردد ودفاعي.

علاوة على ذلك، فإنّ العديد من مرتكبي الهجمات الأكثر دموية كانوا انتحاريين أو قُتلوا أثناء الحادث، أي أنهم لم يصلوا إلى المحاكمة، فيما أتاح الاستخدام الواسع للقوة المميتة خارج نطاق القضاء لـ "إسرائيل" ممارسة الرد العسكري من دون الحاجة إلى الإعدام القضائي. في المقابل، أصبحت المطالبات بعقوبة الإعدام للفلسطينيين، ركيزة أساسية في خطاب اليمين الإسرائيلي، ولفترة طويلة كانت تلهم مظاهرات، عرائض، وحملات إلكترونية، لتصبح قضية محورية لليمين المتطرف، الذي يقوده بشكل بارز وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

التخلي عن ادعاء ضبط النفس

كما أظهر التصويت الأخير، لم تعد سياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف محصورة في الشعارات فحسب. قد يكون من المغري عزو هذا التحول فقط إلى فظائع هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهي بالفعل جزء من السردية، لكن التشريع يعكس تحولاً أوسع مرتبطاً بصعود اليمين المتطرف وأجندة إصلاح النظام القضائي لحكومة نتنياهو. وتجدر الإشارة إلى أنّّ مشروع القانون الحالي مطابق تماماً لمشروع قُدم في أوائل عام 2023، أي قبل هجوم 7 تشرين الأول بكثير. كما ثمة اقتراح منفصل لإنشاء محاكم خاصة تملك صلاحية إصدار أحكام بالإعدام لمحاكمة المشتبه بهم في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، وما يزال هذا الاقتراح بانتظار مناقشة لجنة خاصة في الكنيست.

وقبل كل شيء، يكشف هذا التوجه نحو عقوبة الإعدام عن تغير جوهري في ميزان القوى داخل "إسرائيل"، حيث تراجع نفوذ المؤسسات السياسية والعسكرية والقضائية التقليدية، وصعد اليمين المتطرف المصمم على إزالة القيود المفروضة على عنف "إسرائيل". ففي الماضي، كان يكفي أن يمثل رئيس جهاز "الشاباك" والمدعي العام العسكري أمام الكنيست للتعبير عن معارضتهما لعقوبة الإعدام. أما اليوم، فقد أُقيل رئيس جهاز "الشاباك" من "الحرس القديم" وعُيّن بدلاً منه اللواء ديفيد زيني، ضابط موالٍ لليمين المسياني، ويُقال إنه أعرب عن دعمه الصريح لمشروع القانون الجديد، بينما تم القبض على المدعي العام العسكري لتسريبه لقطات توثق تعذيب المعتقلين الفلسطينيين في مركز احتجاز سدي تيمان. والآن، تُناضل الهياكل القضائية الأوسع من أجل بقائها المؤسسي، وقد حلّت جهود الدعاية المكثفة محل الاهتمام الدبلوماسي السابق بمكانة إسرائيل في الخارج.

كذلك، حوّل صعود بن غفير إلى منصب وزير الأمن القومي ما كان يُعتبر سابقاً استفزازاً ضد المؤسسة إلى تحديد سياسة المؤسسة نفسها. وبعد إقرار التصويت الأولي، وزّع هذا المؤيد المخضرم لعقوبة الإعدام الحلوى على زملائه في الكنيست.

وللتوضيح، كانت المؤسسة الإسرائيلية القديمة، بعقليتها المتسرعة، مسؤولة عن فظائع وانتهاكات لا تُحصى ضد الفلسطينيين. ومع ذلك، وكما تُظهر معارضتها للعقوبة القضائية، فإنها ما تزال تعمل على افتراض وجود حدود لسلطة الدولة، وضرورة الاعتراف بالمعايير الدولية على الأقل. ولقد كان هذا الموقف نفاقاً بلا ريب؛ فقد نفّذت "إسرائيل" بالفعل عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، بينما كانت تعلن رفضها لعقوبة الإعدام. لكن، كما لاحظ الكاتب جورج أورويل، يُمكن للنفاق أن يكون ضمانة مهمة لأنه يعتمد على احتمال الشعور بالعار، ويُمكن كشف الفجوة بين القيم المُعلنة والممارسة الفعلية، واستغلالها من قبل أولئك الذين يُطالبون بالمساءلة والتغيير.

إنّ خطاب معسكر مؤيدي عقوبة الإعدام اليوم ليس نفاقاً، وهذا ما يجعله خطيراً للغاية. فهو يفرض التخلي عن مزاعم ضبط النفس، ويسعى إلى تعميم روح الانتقام التي شكّلت الحرب على غزة، ويُعلي من شأن مفاهيم التفوق اليهودي، والقوة الغاشمة.

آلية التنفيذ

تشير هذه التطورات مجتمعةً إلى تحول يتجاوز عقوبة الإعدام بكثير، ومن المرجح أن يعيد تشكيل السياسة الإسرائيلية، ونظام الحكم، والثقافة السياسية. وبمجرد أن تُجيز الدولة عمليات الإعدام، سيكون من الضروري بناء آلية متكاملة تشمل مناقشة أساليب التنفيذ، وصياغة اللوائح، وتجنيد الكوادر. كما ستتنافس الشخصيات العامة والمشرعون على الظهور بمظهر "الأكثر صرامة"، متخيلين عقوبات أشد قسوة، ومتحررين الآن من القيود التي فرضها النفاق سابقاً.

كذلك، فإن الدولة التي تنفذ أحكام الإعدام ستكون مضطرة إلى تعيين جلادين، مع فتح المجال للعروض، وعقود التوظيف، وتسلسلات القيادة. وسيصبح سؤال من ينفذ الأحكام مسألة عامة، في حين أنّ الأطباء أعلنوا بالفعل رفضهم للوظيفة. وليس من الصعب تخيل بن غفير وهو يُقحم نفسه في العملية، وربما يُشرف مباشرةً على التوظيف، أو كما اقترح زميله بتسلئيل سموتريتش ذات مرة، يتطوّع ليكون جلاداً بنفسه.

ومن المتوقع أن تُسلّط وسائل الإعلام الضوء على الجلادين، فيما يستقبلهم أنصارهم خارج موقع الإعدام، ربما في مركز اعتقال سدي تيمان. وسيُركّز المعلقون على الطقوس المصاحبة لعمليات الإعدام، مثل الإجراءات، والوجبات الأخيرة، والكلمات الأخيرة. وحتى إذا مُنعت الكاميرات رسمياً، فستتسرب مقاطع الفيديو حتماً، مما ينمي ثقافة الانبهار المُرضي، ويشجّع المجتمع الذي يطبق قانون المشنقة على استخدامها للشماتة.

من الضروري فهم مشروع قانون عقوبة الإعدام على أنه جزء من أجندة الإصلاح القضائي الأوسع نطاقاً، وهدفه ليس الانتقام فحسب، بل ترسيخ السلطة في أيدي بن غفير وحلفائه على حساب القضاء والجيش. كما يجرد البنود المتعلقة بالمحاكم العسكرية و"القائد العسكري" من سلطة تخفيف الأحكام لأسباب أمنية، ويُعدل قانون العقوبات ليجعل عقوبة الإعدام إلزامية، مُلغياً بذلك السلطة التقديرية القضائية تماماً. وقد عبّر يتسحاق واسرلاوف عن هذا المنطق بإيجاز: "يجب أن يكون واضحاً أن الحكم بعقوبة الإعدام ليس خياراً للقاضي"، مشيراً إلى جوهر "الإصلاح القضائي" في أبسط صوره.

بالنسبة لمؤيدي مشروع القانون، فهو يشير أيضاً إلى قطيعة مع المجتمع الدولي ومعاييره. وهذا إرث مستمد من الكاهانية، التي اعتبرت العزلة الدولية وسام شرف. باستثناء بيلاروسيا، لا تُنفذ أي دولة أوروبية أحكام الإعدام، ولا تركيا، ولا روسيا، بينما تُعرّف أوروبا نفسها الآن صراحةً بأنها "منطقة خالية من عقوبة الإعدام". وبينما يستمتع الإسرائيليون بالاحتضان الثقافي الأوروبي في فعاليات مثل مسابقة "يوروفيجن" أو منافسات كرة القدم، يُصابون بالذعر عند احتمال تعليق مشاركتهم، إذ قد تجعل إعادة تطبيق عقوبة الإعدام هذه التهديدات واقعية.

ويشير المؤيدون أحياناً إلى أنّ الولايات المتحدة ما تزال تستخدم عقوبة الإعدام، لكنهم يتجاهلون أنّ غالبية الولايات الأميركية قد تخلت عنها، وأنّ عمليات الإعدام تشهد انخفاضاً مستمراً منذ عقود، ولم تُنفّذ إلّا في عدد قليل من الولايات الشاذة مثل تكساس وأوكلاهوما.

وإلى جانب ضرورة معارضة العقوبة عالمياً، يجب الإقرار بأنّ إعادة فرضها أمر لا يمكن استيعابه. وسيؤدي ذلك إلى انتشار التلوث عبر النظامين القضائي وإنفاذ القانون، وصولاً إلى الثقافة السياسية الأوسع. وبمجرد فتح الباب، ستنتشر هذه الممارسة.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.