"Dropsite": إسرائيل" تقتل الأرض لتقتل الحياة

حرب "إسرائيل" دمرت مزارع قطاع غزة وقتلت أغلب ثروتها الحيوانية.

موقع "Dropsite News" ينشر تقريراً تناول فيه آثار الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، بحيث يروي قصة المزارعين الذين فقدوا أراضيهم الزراعية بسبب القصف والدمار الواسعَين، اللذين لحقا بالبنية التحتية الزراعية.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

في ظهيرة أوّل أيّام الشهر الماضي، قرّر الفلّاح سامي أبو عمرو (61 عاماً) الذهاب نحو أرضه الزراعية شرقي حيّ الشجاعية في مدينة غزّة، كي يتفقّد أحوالها، وصُدم بحجم الدمار الذي لحق بها، بحيث تحوّلت إلى أرض قاحلة مليئة بالحفر نتيجة للغارات الإسرائيلية ومسارات الجرّافات التي قضت على كلّ نبات حيّ، واقتلعت الأشجار. تبلغ مساحة أرض أبو عمرو نحو 3 فدادين كانت مزروعة قبل الحرب بأشجار الزيتون ولخضروات الموسمية والخيار والطماطم والبطاطس، وكان يبيع منتوجاته للسكّان المحلّيين، ويوفّر مصدر الدخل الوحيد لأسرته المكوّنة من 13 فرداً، من ضمنهم أبناؤه وأحفاده.

ولم يكتف "الجيش" الإسرائيلي بتدمير أرض أبو عمرو، بل قام أيضاً بتدمير المعدّات وغرفة الدفيئة الزراعية وشبكة الري ومزرعة الدواجن، وتقدّر خسائره بنحو 70,000 دولار. وقال أبو عمرو إنّ "هذه الأرض ليست مجرّد مصدر رزقي، بل حياتي وذاكراتي، وقمت برعايتها بعرقي أعواماً". 

قبل بدء الهجوم الإسرائيلي في عام 2023، كانت الأراضي الزراعية تغطي نحو 47% من قطاع غزّة، وتنتج ما يكفي من الغذاء وتلبي ما يصل إلى ثلث الطلب المحلّي، وهذا يوفّر مصدراً غذائياً مهمّاً للفلسطينيين، الذين يعيشون تحت الحصار منذ ما يقرب من عقدين من السنين.

بعد وقف إطلاق النار، الذي دخل حيّز التنفيذ في الـ19 امن لشهر الماضي، عاد مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزّة إلى منازلهم وأراضيهم، بعد شهور طويلة من التهجير القسري ليجدوا مشهداً مروّعاً. بالإضافة إلى تدمير المنازل والمتاجر والمخابز والمستشفيات والجامعات والطرق وغيرها من البنى التحتية المدنية، دمّرت "إسرائيل" أيضاً كلّ الأرض الزراعية في القطاع تقريباً.

ووفقاً للأمم المتحدة، تضرّرت 82% من الأراضي الزراعية، و5% من أنظمة الري في المزارع، و7% من البيوت الزراعية الزجاجية، وما يقرب من 70% من الآبار الزراعية، بينما نفق 96% من رؤوس الماشية و99% من عدد الدواجن، الأمر الذي ترك الحقول، التي كانت منتجة للغلال في السابق، قاحلة الآن.

لقد سمحت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، بزيادة المساعدات لغزّة، بحيث منح الفلسطينيون درجة من التقاط الأنفاس والراحة من الكارثة الإنسانية التي يعيشونها. ومع ذلك، انتهكت "إسرائيل" الاتّفاق بفرض قيود مشدّدة على عدد الشاحنات التي تحمل الوقود، وهو أمر ضروري لتشغيل المولّدات والمعدّات، فضلا عن أنّها منعت أيضاً دخول المواشي والدواجن والأعلاف.

ومع انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، أعلنت "إسرائيل" أنّها ستعيد فرض الحصار الكامل على غزّة، ومنع أي شاحنات من الدخول كما فعلت منذ الأسابيع الأولى من حملتها العسكرية على القطاع في تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2023. ووفقا لاتّفاق وقف إطلاق النار الموقّع، كان من المقرّر أن تبدأ المناقشات بشأن تنفيذ المرحلة الثانية من الاتّفاق في الـ3 من الشهر الفائت، لكنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رفض إرسال فريق تفاوض، وعاد بسرعة إلى أجندته التخريبية، التي تسببت بارتفاع أسعار المواد الغذائية في القطاع عدّة أضعاف، بحيث تعود "إسرائيل" مرّة أخرى إلى استخدام تجويع الفلسطينيين القسري كسلاح حرب، وهي سياسات أدّت إلى إصدار مذكّرات اعتقال من جانب المحكمة الجنائية الدولية بحقّ نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

ويتعيّن الآن على مزارعي غزّة، الذين عادوا إلى أراضيهم، أن يتعاملوا مع تدمير معدّاتهم وتربتهم الزراعية، فضلاً عن ندرة المياه المحلّاة وقصف "إسرائيل" آبار المياه التي كانت تدعم الزراعة في المنطقة. كما فرضت "إسرائيل" قيوداً شديدة على دخول البذور والأسمدة وغيرها من الموادّ اللازمة للزراعة.

كما غيره من المزارعين، سيبدأ سامي أبو عمرو الآن من الصفر. وأوّل مهمة ليست سهلة أمامه هي الوصول إلى المياه التي استهدف آبارها الجيش الإسرائيلي، من ضمن تدميره بنية العيش الأساسية. ويقول أبو عمرو عن ذلك: "يريدون قتل الأرض قبل قتلنا".

ووفقاً للمتحدّث باسم بلدية غزّة حسني مهنا، فإنّ 203 من آبار المياه من أصل 319 بئراً في غزّة تعرّضت لأضرار بالغة جعلتها غير صالحة للاستخدام مرّة أخرى، وقال إنّ "التحدي الرئيس الآن هو عدم وجود المعدّات والآلات اللازمة لإصلاح الآبار وشبكات المياه المتضرّرة. ونصيب الفرد من المياه في القطاع انخفض إلى نحو 3 لترات يومياً، بينما تؤكّد منظّمة الصحة العالمية أنّ عشرين لتراً للفرد يومياً هي الحدّ الأدنى من المياه الآمنة المطلوبة لتلبية المستويات الأساسية من الصحة والنظافة.

وفي ظلّ عدم وجود إمدادات المياه وأنابيب الري العاملة، فكّر أبو عمرو في حفر بئر خاصة، لكنّه لم يكن يملك تكلفته الباهظة، والتي تقدَّر بنحو 8000 دولار، إلى أن بادرت زوجته، وقدّمت إليه ما ورثته عن والدتها من قطع ذهبية قائلة، "ازرع الأرض. فنحن لا نحتاج إلى الذهب إذا لم يكن لدينا أرض". فباع أبو عمرو الذهب واستأجر حفّارة لحفر البئر، مع خوفه من نفاد الأموال قبل الوصول إلى المياه الجوفية، وقال: "كانت تلك لحظات عصيبة. كنت أخشى ألّا يكون العمق كافياً، أو أن تكون المياه شحيحة، فصرت أقول وأكرّر إن الأرض لا تخذل أهلها أبداً".

وبعد أيام من العمل ومراكمة الأمل، انفجر عمود المياه من عمق الأرض، وسارع أبو عمرو إلى جمع الخراطيم التي لم تسلم من العدوان الإسرائيلي، وطلب من ورشة عمل محلّية إصلاحها.

لكنّ أبو عمرو لا يزال يواجه تحدّيات أخرى. فلا يوجد بذور متاحة بسبب القيود الإسرائيلية الثقيلة على دخولها غزّة، منذ بدء حربها ضدّ القطاع منذ نحو عام ونصف عام. وفي أثناء البحث بين ما تبقّى من مخزونه القديم، عثر أبو عمرو على حفنة من بذور الخيار والفلفل. فبدأ زراعتها في أكياس بلاستيكية مملوءة بالتربة، وريّها بالقليل من الماء الذي يمكنه سحبه من البئر، حتّى أصبحت الشتلات جاهزة للزراعة. وقال: "ربّما سرقوا منّا كلّ شيء، لكنّهم لن يسرقوا إرادتنا. هذه الأرض ستعود خضراء مرّة أخرى، حتّى لو دفعت ثمنها من دمي وقلبي".

وبينما يبدأ المزارعون جهودهم لاستئناف زراعة أراضيهم، تتزايد المخاوف من أنّ عمليات القصف الإسرائيلي المتواصلة والغزو البرّي ربّما ألحقت أضراراً دائمة بمعظم التربة في غزّة، وأفقدتها خصوبتها.

على مشارف بيت لاهيا في شمالي قطاع غزّة، وقف المزارع فريد العطار (52 عاماً) وسط أرضه، يحدّق بحزن في شتلات الطماطم والذرة التي زرعها قبل أسابيع، والتي أصبحت الآن ذابلة، خاشياً أن تكون التربة قُتلت. وقال بحزن وهو راكع على الأرض يلمس الأوراق الصفراء لشتلات الذرة: "لم يحدث لي هذا من قبل. أنا أزرع هنا منذ 20 عاماً، وهذه التربة كانت تعطيني دائما محاصيل جيدة. لكن الآن، يبدو الأمر كأنّ الأرض مريضة. لم تعد تستجيب للزراعة، لم تعد كما كانت. حتّى المياه التي نروي بها المحاصيل تغيّرت، وربّما تسرّبت إليها موادّ سامّة".

من المرجّح أن تكون نظرية العطار صحيحة. ففي شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، نشرت هيئة جودة البيئة، وهي هيئة مستقلة أنشأتها السلطة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي، تقريراً خلص إلى أنّ إسقاط "إسرائيل" أكثر من 85 ألف طنّ من الذخائر على قطاع غزّة، أدّى إلى "تلوث التربة بالمواد الكيميائية السامة، والتي من شأنها أن تجعل الزراعة صعبة لعقود مقبلة". وأشار التقرير أيضاً إلى أنّ "إسرائيل" استخدمت أنواعاً متعددة من الأسلحة، بما في ذلك الفوسفور الأبيض، والذي يمكن أن يتسبّب بأضرار بيئية دائمة.

ويخشى العطار أن تكون هذه بداية موت النشاط الزراعي في القطاع. كما تؤدّي القيود الإسرائيلية المستمرة على دخول الأسمدة والمعدات الزراعية، إلى جانب نقص المياه النظيفة للري، إلى حرمان المزارعين من أي خيار لمحاولة إنقاذ أراضيهم.

ويقول فريد العطار: "نحن لا نطلب المستحيل، فقط دعونا نزرعْ ونعِشْ. الزراعة في غزّة ليست مجرد مهنة، بل هي حياتنا. وإذا لم يتحرّك أحد لإنقاذها، فسوف نفقد مصدرنا الوحيد للغذاء".

نقله إلى العربية: حسين قطايا.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.