"Eurasia Review": بوتين وكيم.. نظام عالمي جديد؟

الاجتماع الأخير بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون يمثل مرحلة جديدة في التحالف بين البلدين، ومن شأنه أن يكون مؤثراً في الساحات الإقليمية والدولية.

  • اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون
    اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون

موقع "Eurasia Review" ينشر مقالاً للكاتب جون فيفر يتناول فيه الاجتماع الأخير الذي جرى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون وأهدافه.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

كان اجتماع القمة الأخير بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون مرحلة جديدة في التحالف بين البلدين تجاوز الاتفاقات الآنية والمصلحية الضيقة نحو تزاوج سياسي وعقائدي من شأنه أن يكون مؤثراً في الساحات الإقليمية والدولية.

هذه أول زيارة لرئيس روسي إلى كوريا الشمالية منذ 24 عاماً. وقد أراد من خلالها الرئيس بوتين أن يظهر جدية لا رجعة فيها بإدارة ظهره للغرب وبفتح ذراعي روسيا للشرق. ومن جانبه، يرى الرئيس كيم أنّ العلاقات والتعاون بكل المستويات مع روسيا تحتل أولوية في التوجه السياسي والاقتصادي والأمني لبلاده، وخصوصاً أنّ كوريا الشمالية كانت من أبرز حلفاء الاتحاد السوفياتي طوال عقود وحتى انهياره في تسعينيات القرن المنصرم.

تجدد العلاقات

لم يكن أحد يتوقع أنّ البلدين سيحييان تلك "الرومانسية" التي سادت بينهما أيام الحرب الباردة، مع أنّ العقود التي تلت تفكك الاتحاد السوفياتي كانت موسكو تخوض بارتباك انتقالها إلى اقتصاد السوق، وبيونغ يانغ راوحت في تشكك صارم تجاه نياتالحكومات الغربية، ولم تتراجع عن موقفها بالرغم من مرورها بظروف اقتصادية بالغة المرارة.

باختصار، إنّ البلدين توصلا إلى استنتاجات متطابقة حول مسألة الثقة بالغرب الذي سعى إلى تدمير روسيا اقتصادياً وسياسياً، ثم أمنياً، من خلال توسع حلف "الناتو" نحو حدودها لتطويقها. كذلك هي حال كوريا الشمالية التي لوح لها الغرب بجزرة "المساعدات" لإقناعها بالتخلي عن الأسلحة النووية، لكنه لم يفِ بوعوده قط، بل استخدم عصا "حقوق الإنسان" في سبيل عزل بيونغ يانغ وقلب نظام الحكم.

لقد أدار الزعيمان ظهرهما للغرب بإصرار على حقهما السيادي المطلق داخل حدودهما، وعلى تحصين موقع بلديهما في التوازنات الدولية، ما يعود بفوائد ملموسة لكلا الطرفين في مجالات متنوعة مزدهرة.

تتهم أوكرانيا كوريا الشمالية بتزويد روسيا بملايين قذائف المدفعية. وقد قدّمت أدلة على استخدام روسيا للصواريخ البالستية للحليف الكوري، ما يمنح بيونغ يانغ فرصة لاختبار أسلحتها في ظروف ساحة المعركة. كذلك، زعمت كييف أنّ الرئيس كيم جونغ أون عرض إرسال قوات للقتال في حرب أوكرانيا إلى جانب روسيا، وحتى المساعدة في إعادة إعمار مناطق التي انضمت إلى الاتحاد الروسي.

في المقابل، يُحكى أنّ كوريا الشمالية تتلقى من مساعدات من روسيا في مجال الطاقة والتكنولوجيا التي يمكن استخدامها في برنامجها للأقمار الصناعية، وربما ترسانتها النووية أيضاً، وعرضت روسيا بناء مستشفى في كوريا الشمالية، فالعلاقة الثنائية الجديدة بين البلدين ارتفعت إلى مستوى التحالف العسكري الذي يتضمن شراكة دفاعية قوية في حال تعرض أي منهما للهجوم، سيتبع الطرف الثاني "جميع الوسائل المتاحة له من دون تأخير لتقديم المساعدة الشاملة العسكرية وغيرها". بالطبع، لحظ الاتفاق بين البلدين أن تتوافق "المساعدات" مع قوانين وميثاق الأمم المتحدة.

التعددية القطبية الجديدة

اتفق البلدان على المضي قدماً نحو بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يتسم بالعدالة. وتعبير متعدد الأقطاب يعني بديلاً للقطبية الثنائية في حقبة الحرب الباردة، والأحادية القطبية الأميركية ما بعدها. على هذا يتقدم مصطلح التعددية القطبية لكونه يتيح للقوى الصاعدة المشاركة والحضور في صياغة المشهد الدولي، وفي مقدمتها مجموعة "البريكس"، التي تضغط لتغيير تكوين مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وأنماط التجارة الجديدة في الجنوب العالمي.

وقد قامت روسيا وكوريا الشمالية بالفعل بالتنسيق مع دول أخرى من المجتمع الدولي، مثل إيران وسوريا ونيكاراغوا، لكن بكين في الوقت الحالي تستثمر في الوضع الراهن العالمي، بحيث لا تقف بالكامل إلى جانب تسريع الانتقال إلى نظام عالمي جديد على الأقل حتى الآن.

ستنتظر روسيا وكوريا الشمالية وقتهما وتأملان جذب المزيد من الحلفاء، وخصوصاً الصين. ومع صعود السياسيين من أقصى اليمين في أماكن أخرى مثل المجر وهولندا، وربما مرة أخرى في الولايات المتحدة، قد يكون الغرب منقسماً للغاية وانعزالياً للغاية، بحيث لا يشكل تحدياً للمحور الجديد الذي ترتكز عليه روسيا وكوريا الشمالية. على الأقل، يبدو أنّ هذه هي الخطّة التي يضعها كيم وبوتين، مع توقع أن تقرر الصين قريباً الانفصال عن الغرب.

إنّ هذا التحالف الجديد ليس مجرد اتفاق بين غرباء. من وجهة نظر روسيا وكوريا الشمالية، إنه حقاً بداية نظام عالمي جديد تماماً.

نقله إلى العربية: حسين قطايا